الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

أحفاد خطيب ثورة 19: جدّنا جمع التوكيلات لـ"سعد باشا" في الأزهر

الشيخ وسط أعضاء الوفد
الشيخ وسط أعضاء الوفد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم عدم الإسهاب فى ذكر دوره البطولى إبان ثورة ١٩١٩، فإن تاريخ الشيخ القاياتى مليء بالكثير من الحكايات، والتى لا يزال يحتفظ بها المستشار عمر القاياتى رئيس محكمة الاستئناف، وهو حفيد الشيخ عبدالجواد القاياتى شقيق الشيخ مصطفى الأصغر، والذى يروى أن جده حكى له كثيرًا عن الشيخ مصطفى ونضاله فى ثورة ١٩١٩، الذى كان من أوائل المشاركين فيها منذ اندلاع شرارتها.
«جدى جمع توكيلات لسعد باشا زغلول»، هكذا يبدأ الحفيد حديثه لـ«البوابة»، عن بطولات الشيخ الذى كان واحدًا ممن جمعوا التوكيلات من داخل الأزهر الشريف، لتفويض سعد باشا ورفاقه لتمثيل مصر فى مؤتمر باريس لطلب الاستقلال عن الاحتلال البريطاني؛ وفى صباح اليوم التالى تم القبض على الزعيم سعد زغلول، لتندلع التظاهرات التى تطالب بالإفراج عنه «وهنا قاد الشيخ القاياتى الجموع التى خرجت من الأزهر الشريف»، بحسب ما يروى الحفيد الذى أكمل: «خلال المظاهرات، خرجوهم الإنجليز من الأزهر، لكن الكنائس فى مصر فتحت لهم الأبواب، وعندما استشعر الشيخ مصطفى القاياتى مخاطر تفتيت الوحدة الوطنية المصرية بمكائد الاحتلال، ذهب فى مايو ١٩٢٢ إلى الكنيسة البطرسية وخطب أمام خمسمائة من القبط، وهو يقسم بالله: إذا كان الاستقلال سيؤدى إلى فصم اتحادنا فلعنة الله على هذا الاستقلال»، موكدًا أن الاحتلال نفى خطيب الثورة والقمص سرجيوس إلى رفح وسجنهما فى معسكر الجيش الإنجليزي.
وتابع المستشار عمر حديثه «السلطات البريطانية اعتقلت القمص سرجيوس والشيخ القاياتي، وقامت بنفيهما إلى رفح، وسجنهما فى معسكر للجيش الإنجليزي، فى سابقة اهتزت لها مصر بأكملها، لكن الثورة استمرت ونجحت، وتم إعلان قيام المملكة المصرية، وصدور دستور ١٩٢٣، ووصل سعد زغلول إلى الحكم، ووصل أقباط مصر إلى منصب رئيس مجلس النواب، وأصبح مكرم عبيد الرجل الثانى فى حزب الوفد بعد مصطفى النحاس».



تاريخ الرافعي

رواية المستشار عمر عن جده وثقها أيضًا كتاب «ثورة ١٩١٩ تاريخ مصر القومي- من سنة ١٩١٤ إلى سنة ١٩٢٢»، للمؤرخ المصرى عبدالرحمن الرافعي، الذى عاصر الثورة وكان يبلغ حينها ٣٠ عامًا، وتخرج فى كلية الحقوق، وإلى جانب عمله بالمحاماة اشتغل بالصحافة فى جريدة «اللواء».
وأكد الرافعى فى كتابه، أن الأزهر الشريف قام بدور كبير فى ثورة ١٩١٩، فقد كان الأزهريون فى مقدمة صفوف المتظاهرين، ومن أكثر الطلبة جرأة وحماسة وتضحية فى بث روح الثورة والإضراب فى طبقات الشعب، وكثيرًا ما كانت المظاهرات تبدأ من الأزهر، كما أن الاجتماعات العامة كانت تعقد فيه، وأوضح أن هناك عددًا من خطباء الأزهر الشريف ساهموا بدور فعال فى ثورة ١٩١٩ من خلال خطبهم الحماسية، وقد ظهرت فيه شخصيات برزت بمواهبها الخطابية، وكان بعضهم يسترعى الأسماع حقًا ولكن من الممكن أن نذكر بعضهم، فمنهم الشيخ مصطفى القاياتي، الشيخ على سرور الزنكلونى، الشيخ محمود أبو العيون.



الجماعة المصرية

حفيد آخر للشيخ القاياتي، هو الأستاذ عثمان القاياتي، يؤكد أن الشيخ كان ينبه إلى أولوية التكوين الوطنى للجماعة المصرية على الاستقلال السياسي، وإلى أن التفرقة الدينية أكثر خطرا من الاحتلال ذاته، يقول «لم يكن ما فعله الشيخ تعبيرًا عن موقف شخصى أو استثنائي، فلقد كان هذا هو الوعى السائد لذلك الجيل من المشايخ ومنهم يوسف الدجوي، ومحمد الإبيارى وهما مكفوفان، ومحمد عبداللطيف دراز، وسليمان نوار، وحمود الغمراوي، وعلى سرور الزنكلوني، ومحمود أبو العيون راجع سعيد إسماعيل على فى دور الأزهر فى السياسة المصرية ـــ ١٩٨٦؛ حيث انخرطوا فى الحركة الوطنية.
ويحكى عثمان القاياتى روايته عن مشاركة جده فى الثورة: «بمجرد أن ذاع نبأ القبض على سعد زغلول أسرعوا إلى الرواق العباسي، حيث كونوا لجنة عام ١٩١٩ تهدف إلى كتابة المنشورات وتنظيم الخطابة والاجتماعات التى تعقد حول منبر الأزهر والكنائس، ولعب دورا فى التنسيق مع القيادات الدينية القبطية آنذاك للانضمام للحركة، والتى كان من نتاجها تنظيم الخطب فى الكنائس، وكانت حركتهم تتكامل مع حركة السياسيين المصريين من المسلمين والأقباط الذين عرفتهم الحركة الوطنية آنذاك».
كان الشيخ مصطفى القاياتى ملقب بـ«سحبان العصر»، إحدى الشخصيات التى اشتهرت بالخطابة المطولة، وكان من أخطب الخطباء فى عصره، وكان يخطب ساعة أو ساعتين بلا تلعثم ولا توقف ولا تحيس.
ويُضيف الحفيد عثمان القاياتي: «وكان لا يلحن أبدًا وهو يخطب، ومع هذا كانت الكتابة عسيرة عليه عسرًا لا يطاق، فما كان يسهل عليه إنشاء مقال، ولا كان فى مقدوره تحرير خطاب والذى سمع الشيخ مصطفى خطيبًا لا يصدق هذا القول، فقد كان خطيبًا ناجحًا، عرفته منابر الحزب الوطنى قبل أن تعرفه منابر الوفد المصري، فكيف يصعب عليه الإنشاء وكان فى الأزهر معلم إنشاء؟ يرجع إلى أنه نشأ واعظًا وكان أهله من الواعظين، فقويت عنده ملكة الخطيب الفصيح، وضعفت عنده ملكة الكاتب البليغ».


ويتابع الحفيد: «هل أحد يعرف يوم أنابه الوفد المصرى فى تأبين الشهيد محمد فريد؟ لقد ألقى خطبة جميلة جدًا، ألقاها مرتجلًا وهو يجهل أن جريدة «اللواء» المصرى ستطالبه بالنص، لأن خطبته هى كلمة مندوب الوفد المصرى فى تأبين الرئيس الثانى للحزب الوطني، فقد كان برغم فصاحته الخطابية لا يفرق بين عصر وعصر، ولا يعرف الحدود بين مراحل التاريخ فكان الشيخ مصطفى ذكيًا جدًا، ولكنه كان قليل الاطلاع، فكان من الصعب أو من المستحيل أن يخلف الشيخ المهدى فى تدريس الأدب العربي».
ويلفت «عثمان» إلى أنه عندما بدأ الاحتلال الإنجليزى، تعمدوا رسوبه لثلاث مرات فى اختبار العالمية، وطلب من اللجنة المشرفة أن يختبروه، فكان حادا معهم ووضع لهم امتحانا فرسبوا به فنجح فى الامتحان لأنه كان عالما مفوها، وتم تعيينه فى الأزهر الشريف معلما، وبعد ذلك انضم للوفد، وكان أول المنضمين له.
ويتابع: «فى ذلك الوقت كانت مغاغة والعدوة تحملان اسم «أبا الوقف»، وكان هو خلفا لوالده الشيخ أحمد عبدالجواد القاياتى نائبا فى المجلس التشريعى، ممثلا لشمال المنيا، وكان فى ذلك الوقت مقام الانتخابات، وطلب منه سعد زغلول الذهاب إلى قنا للوقوف بجوار مكرم عبيد، وكان رده حينذاك أننى مرشح ولا بد من تواجدي، فقال له يا «مصطفى» إن رسبت فقد رسب مصطفى القاياتى، ولكن إن رسب مكرم عبيد فقد رسب الوفد، وبالفعل ذهب وعاد قبل الانتخابات بيومين وحقق نجاحا ساحقا فى دائرتين، أمام صالح لملوم الذى كان له سطو مادى ونفوذ، وكانت هذه الحالة فى التاريخ الأولى من نوعها، وكان الملك فؤاد غير راض كل الرضا عن الدستور؛ فكان يحل المجلس أكثر من مرة، وخاض القاياتى أربع جولات انتخابية، ويحقق الفوز، مما أدى لخصمه الهروب إلى دائرة الفنت وقتها ليحقق ما فشل فيه فى ذلك الوقت».