الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

النخبة من 1923 إلى 1952.. "9"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد هبة الشعب فى 1919 والتى لم تكن فى حسابات النخبة التى تصدت للمطالبة بالاستقلال، حيث إن هذه الهبة وتلك الثورة الشعبية كانت تعبيرًا حقيقيًا عن الوطنية القومية الجامعة التى تظهر عند اللزوم، كما أن هذه الهبة كانت نتاج معاناة قاسية وعَنت شديد واستبداد فاجر لاقاه المصريون من الاحتلال البريطانى. ولذا كانت هذه الثورة، وإن رفعت شعار الاستقلال، تعبر عن واقع سياسى واجتماعى واقتصادى وطبقى يأمل فى تحسين أحواله على كل المستويات، ولأننا لا نتحدث هنا عن هذه النخبة، وكما قلنا ونقول إن هذه النخبة كانت منفصلة طبقيًا ومصلحةً عن الجماهير، فهناك تناقض بين المصالح والأهداف والآمال، وأن كان هدف الاستقلال هو الذى وحد الجميع سواء كان من منطلق إيمان حقيقى بالاستقلال أو كان موقفًا نفعيًا لمسايرة الموجة وركوب الانتفاضة.
ولذا وبعد المكاسب التى تحققت بعد الثورة من دستور 1923، وهو بكل المقاييس يعتبر نقلة نوعية فى طريق الديمقراطية الطويل حتى إذا لم يطبق على أرض الواقع، كذلك الاستقلال المنقوص الذى جاء بعد تصريح 28 فبراير 1922، أو بداية الحياة النيابية والتعددية الحزبية التى كان يمكن، أو التى كان يجب، أن تكون طريقًا سياسيًا لتحقيق آمال الجماهير فى إيجاد نوع من العدالة الاجتماعية وتقارب الفوارق الطبقية، لكن وللأسف الشديد لم تكن هذه النخبة وتلك القيادات كما يجب أن تكون أو كما كان الشعب يأمل فى استغلال هذه المكاسب السياسية واستكمالها، فبدأ الانقسام منذ اللحظات الأولى يضرب جذوره فى ارض الخلاف السياسى والانشقاق الحزبي، فقد قابل سعد المندوب السامى مع عبدالعزيز فهمى وعلى شعراوي، وكما هو معروف أن رفقاء سعد فى النفى لجزيرة «مالطة» هم محمد محمود واسماعيل صدقى وحمد الباسل، أى كل هذه القيادات وغيرهم كان من المفروض أن يكون التوحد هدفهم وتحقيق الاستقلال التام طريقهم وتحقيق مطالب الجماهير وحل مشاكلهم أملهم، وكانت الصراعات الشخصية والحزبية هى السائدة والمسيطرة على مجمل المشهد مما أعطى الملك والإنجليز الفرصة الذهبية لتفريق الشمل وتجميد الأهداف، فوجدنا أن الإنجليز قد نجحوا فى شق الصفوف باستقطاب كبار الملاك وبعض ذوى الأصول التركية، فكان ما كان من تكوين حزب جديد باسم الاحرار الدستوريين بزعامة عدلى يكن عام 1922، وهو من الذين قبلوا الحكم مع بقاء الاحتلال، ولأن التشتت هو عنوان المرحلة فمع انشقاق الأحرار الدستوريين انشق الحزب السعدى 1937 ثم حزب الكتلة الوفدية 1942، وكانت هناك أحزاب السراى، وهم حزب الشعب وحزبى الاتحاد الأول والثانى.
كل هذه الانشقاقات كان أبطالها تلك الزعامات التى تصدرت مشهد 1919، ناهيك عن ظهور جماعة الإخوان المسلمين فى 1928 وحزب مصر الفتاة 1933، وهما ذات توجه دينى يُعيد شعار «مصر للمسلمين» مع الايمان بزمن الاحتلال العثمانى تبريرًا لمسمى الخلافة الإسلامية. مع العلم أن الخلافات كانت لا تلبث أن تدب فى صفوف أعضاء الحزب فتحيله من ترابط إلى فصائل متصارعة، واستفحلت هذه الخلافات مع غياب آلية حزبية تحاورية فاعلة فتتحول الأحزاب إلى الانشقاقات فينشق تيار يتحول لحزب آخر، هذا نتيجة شخصنة السلطة الفردية وغياب الطابع المؤسسى والديمقراطية الحزبية، وهذا للأسف هو القائم فى الحياة الحزبية حتى الآن، وذلك لغياب الرؤية السياسية التى تضع الجماهير ومشاكلها وقضاياها فى المقام الاول، ولكن الأهم أننا وجدنا عبدالعزيز فهمى ينضم لعدلى يكن ويصبح رئيسًا للأحرار الدستوريين، ووجدنا إسماعيل صدقى يتناقض فى مواقفه فيتحول من شريك فى النضال إلى معاون للملك لإسقاط دستور 1923، وهو أحد صانعيه، بدستور 1930، وجدنا علاقة سعد زغلول ولطفى السيد، وهما رفقاء نضال طويل، تتناقض وتتنافر فى بعض القضايا الخاصة بالحريات التى نص عليها دستور 1923 والتى تؤكدها الليبرالية، فوجدنا تناقضهم فى موقفهم من طه حسين، فكما سبق وإن أشرنا فى مقالات سابقة، أن سعد زغلول اعتبر طه حسين غير عاقل ومجنون فى قضية الشعر الجاهلي، وفى المقابل نجد موقف لطفى السيد المحترم عندما تقدم باستقالته من رئاسة الجامعة حين أقيل طه حسين من عمادة كلية الآداب بإيعاز من الملك كموقف مؤجل من كتاب الشعر الجاهلي، وشاهدنا موقف سعد زغلول من على عبد الرازق فى كتاب «الإسلام وأصول الحكم»، الذى سبق أن أشرنا له، وتناقضه مع موقف عبدالعزيز فهمى الذى كان مؤازرًا لعلى عبدالرازق فى نفس مشكلة كتاب الإسلام وأصول الحكم. 
أما خلاف النحاس مع مكرم عبيد وهو بمثابة الابن لسعد زغلول وسكرتير الوفد المقرب من النحاس، فهى حكاية الحكايات، فسواء كان مكرم قد تغرر به من أحمد حسين والملك فاروق نكاية فى الوفد بعد حادثة 1942 أو كان رافضًا للاستثناءات التى طلبتها زينب الوكيل زوجة النحاس عندما كان وزيرًا للمالية، إلا أن الخلاف قد وقع بينهم وتطور كثيرًا خاصة، وهو الأهم، بعد إصدار عبيد الكتاب الأسود، وما حدث من تطورات فى هذا الشأن. 
هذا قليل من كثير لهذه النخبة السياسية التى جاءت فى ظروف إيمان شعب ببلده وبحقه فى الحياة كطبيعة المصريين التاريخية، لكن ظروف الحكم والحكام والاستعمار والانظمة التى لا علاقة لها بالشعب كانت مناخًا موبوءًا أنجب نُخب على مر العصور لا تملك إمكانية قيادة الجماهير أو تتبنى قضاياهم، وإلى المقال المقبل بإذن الله.