الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عباس الديب.. بين أمي والقرآن (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مازلنا فى رحاب ديوان الشاعر الكبير عباس الديب الذى كتب عنه العالم الجليل الدكتور علي جمعة إحدى المقالات، ووصفه بأنه من رواد شعر المديح فى القرن العشرين، حيث تبوأ مكانا عاليا فى عالم الشعر الصوفى والمدائح النبوية.. وأشار إلى ديوانه (بين أمى والقرآن) قائلا: «إنه حوار دار فى مخيلته بينه وبين أمه، وقد عالج فيه الكثير من قضايا العصر التى تثار بين الحين والآخر.. مما تدفعه علينا عواصف التشدد حينا.. وزوابع الانحلال والإباحية حينا آخر.. تلك التى يبغون من ورائها تشكيك الشباب فى دينهم وزعزعة عقيدتهم».. واستكمالا لجولتنا فى الديوان، فقد سأل أمه عن كيفية تحضر الغرب وتأخرنا: «فسألتها يا أم شئٌ حير العقل الذكى، كيف الحضارةُ عندهم لا عند أتباع النبى، وَلَنحن أقرب منهمُ لله فى الدرب السوى، فالكهرباءُ ومعجزات العصر.. ما يرجو الخلى، هاتيك مخترعاتهم.. والشرق فى نوم هنى، جازوا الكواكب وأنثنوا نحو الفضاء السرمدى، أترينهم يا أم؟.. هم أم نحن أتباع النبى؟ فتبسمت أمى وقالت هذه سُننُ العلى، فالله قدّر للمُجِدَّ نصيبه.. نِعم الولى، من جدّ للدنيا فدّنيا.. والمنازلُ للتقى، وأنظر بُنى إلى الجدود فكم سعوا فى كلَ واد، كانوا الأئمةَ فى العلوم وفى الفنون وفى الجهاد، كانوا هم الرواد للدنيا بجد واجتهاد، صناع تاريخ الورى.. صُناع أمجادٍ شِداد، أخذوا من الأسباب ما يَرضى به ربُ العباد، ولذا غدوا علماء بل حُكماء بل سُقيا وزاد، ولذا قد ازدهرت حضارتهم فما عرفوا الفساد، ملكوا النفوس فَمُلّكوا وغدوا سلاطين البلاد، وأنظر بنى فكيف زال الملك عنا فى سنين، لما تقاعس بعضنا عن نصر بعضٍ خائفين، لما تفرقنا بأطماعٍ تُذِل الطامعين، أرأيت أندلس التى راحت من المستضعفين، خُنا قضايانا وخُنا ربنا.. خُنّا اليقين، والله لا يهدى، وذا القرآن- كيد الخائنين، فتمزقت إربا- وعن ضعفٍ بلادُ المسلمين، هم جاهدوا فجزاهم المولى جزاء الصابرين، والمسلمون تواكلوا..فأذلهم دُنيا ودين، فانهض وقم واعمل بُنى «فنعم أجر العاملين».. وسألها عن سبب تعدد المذاهب: «فسألتها يا أم كل الشرع فى الذكر الحميد، فلم المذاهب؟! هل ترين أتت بتشريع جديد، أم أننا نهوى الخلاف على رقيب أو عتيد؟ قالت فهذى رحمة الرحمن رفقا بالعبيد، فينا القوى بنا الضعيف بنا المعمّر والوليد، فالعارفون حقيقةً طلبوا العزائم بالقديد، والزاهدون طريقة رغبوا النجاة ولا مزيد، والعالمون شريعة عبدوه بالرأى السديد، وجميعهم وبفضل ربك من ذوى القلب الرشيد، فهم جميعا كالنجوم هُدىً فتابع من تريد».. ثم سألها السؤال الخطير المنتشر حاليا، لماذا الحديث وكل شىء فى القرآن: «فسألتها يا أم.. لكن كلُ شىء فى الكتاب، فلِمَ الحديثُ؟ّ! وفى الحديثِ مذاهبٌ فى كل باب، يكفى لنا القرآنُ.. فهو مُبرَّأٌ مما يُعاب، قالت أعوذ برب طه من متاهات السراب، هذى بنى مزالق.. هذاك سمٌ.. ذى حراب، واقرأ بآيات [النساء] كذاك فى [النحل] الجواب، (لتبين) التنزيل.. قل للسائلين وفى الرقاب، كيف الصلاةُ.. كذا الزكاة.. كذا النوافل والحساب، من ذا تلقّى الوحىَ يا ولدى كفاحًا فى الرحاب، لولاه يا ولدى لما سجد الملائكُ للتراب».. وسألها عن تعدد الزوجات وجمع الرسول لتسع نساء وليس أربعة: «فسألتها يا أم.. لكن شرعنا شرع سديد، والشرع شرع للجميع فلا مُراد ولا مريد، وتعدد الزوجات شرعا للقريب وللبعيد، أيكُن تسعًا للرسول وأربعًا للمستزيد، قالت فلا تَعجل ففى القرآن إعجازٌ شديد، واقرأ من [الأحزاب] (تُرجى من تشاء) كما تُريد، قد كنّ تسعًا وقتها فأحلّهنَّ بلا مزيد، وتنزلت بعدُ [النساءُ] بأربع وهو الشهيد، أترى يُطلق وهو لم يُؤمر وذا شرع حميد، (والله يحكُم لا مُعقّب)فهو ذو العرش المجيد، وأنظر لما قال العلىُّ لهنّ فى الذكر المبين، لستُنَّ قطُ كغيركنَّ.. ولا نساءِ المرسلين، فالله كرمهنَّ تكريما يثير الحاسدين، هن اللواتى صِرن فينا أمهاتِ المؤمنين، حُرَّمن تأبيدا على أبنائهن المسلمين، وغدون بعضا من حمى الرحمن فى أهل اليمين، أيَصِرن بعد مطلقاتٍ قد يُسأن ولا ضمين، والمصطفى الهادى أتانا رحمة للعالمين، ولذاك أمسكهن مأذونا من الحق المبين، ولذاك مما امتاز فيه المصطفى دنيا ودين».. وعن التشكيك فى الرسالات السماوية وبث الإلحاد والسخط كانت إجابتها: «كم زيّفوا كم حرّفوا عمدا رسالات السماء، مازال عجل السامرى بقلبهم وله الولاء، فالمنُّ والسلوى أبوه وما ارتضوا إلا الغُثاء، والأصفرُ الرَنّان ربهمُ له يُتلى الدعاء، كم دبّروا من فتنة كم قتّلوا من أبرياء، فهمُ يريدون الورى المستضعفين الأغبياء، الخاملين العاطلين من العزيمة والمضاء؛ كى نُستَذلَّ لكى نظلّ من العبيد أو الإماء، وليهلكنّهم الإله بقتلهم للأنبياء، وبذبحهم للأبرياء وحبهم سفك الدماء، واسمع (لدارون) إذ يُعّرف جدَّه بين القرود، ماذا يريد سوى جحود الواحد الأحد الودود، واشهد (فرويد) الفذ قال الجنسُ أستاذ الوجود، ماذا يريد سوى الرذيلة وهى تعتصر النهود، وانظر (لماركس) إذ يقول الدينُ أفيونٌ كئود، ماذا يريد سوى خراب الكون بالغلّ الحقود، واقرأ (لهرتزل) إذ يخطط فى بروتوكول اليهود، ماذا يريد سوى الدمار لنا وها نحن الشهود، أترى مصادفة بأن أولاءِ جمعا من يهود، أم أن حيّة خيبر الرقطاء شيطان ولود».. وختم الديوان بتلك الأبيات: «فختمتُ أسئلتى.. وكيف سيدفع الله البلاء، قالت فإن ترجُ المجيب فثق بمن أوحى الدعاء، واذكر أخافت أم موسى بين تابوت وماء، أو خاف إبراهيم وهو يرى اللهيب إلى السماء، فسألتُ.. لكنّى عَصىٌ.. والتُقى شرطُ الرجاء، قالت فإن الله للمضطر مهما قد أساء، فأبوك آدم قد تلقّى ما أُفيضَ به العطاء، فادعُ المهيمن بالشفيع وآله والأنبياء، واسألهُ بالقرآنِ يا ولدى فذا خيرُ الدُعاء، واحى الرضا عبدًا وقل جلَّ الإله وما يشاء».. هذا الديوان صدر منذ عشرات السنين.. ووجدت فيه من الأهمية ما يجعلنى أناشد القائمين على وضع المناهج الدراسية، وأيضا فضيلة الإمام الأكبر لقراءة هذا الكنز المتروك.. علنا ننتفع بدراسته بالمدارس والمعاهد الأزهرية.