الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الفلسفة وفن الموسيقى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل هناك فلسفة للموسيقى؟ وإن كانت هناك، كيف يمكن أن ننفذ إلى معانيها وأسرارها وقوة تأثيرها؟ ما الشروط الضرورية والكافية لتصنيف شيء ما بأنه موسيقي؟ ما علاقة الموسيقى بالعقل؟ وما علاقتها باللغة؟ وما الصلة التى تربط بين الموسيقى والمشاعر الإنسانية؟
عرض «جوليوس يورتنوى» فى كتابه القّيم: «الفيلسوف وفن الموسيقى» – وقام بترجمته الدكتور فؤاد زكريا – العلاقة بين آراء الفلاسفة وتطور الموسيقى على مر العصور، وذلك لأنه من المألوف أن تجد دراسات تكتب عن فلسفة الموسيقى، أو عن آراء فلاسفة معينين أو مدارس فلسفية خاصة فى الموسيقى؛ أما تأثير الفلسفة ذاتها فى مجرى الموسيقى، فهو موضوع لم يكتب فيه الكثير من قبل. ولعل السبب الأكبر فى ندرة ما كُتب عن هذا الموضوع هو الاعتقاد الذى يسود معظم الأذهان، بأن تطور الموسيقى سار مستقلًا عن أفكار الفلاسفة ولم يتأثر بها على الإطلاق. إن تأثير الفلسفة فى الموسيقى– فى رأيه – كان أقوى مما نتصوره للوهلة الأولى، وأن هناك مصيرًا مشتركًا يجمع بين هذين المجالين يعبر عن النشاط الروحى فى الإنسان؛ وأن اللقاء بين الفيلسوف والموسيقى قد استمر طوال التاريخ وما زال قائمًا إلى اليوم. 
من هذا المنطلق يتضح، أن العلاقة بين الفلسفة والموسيقى قد تشكلت عبر العصور من خلال اهتمام الفلاسفة والمفكرين بالنظر فى طبيعة الأنغام والمقامات الموسيقية وتأثيرها الأخلاقي، وقدرتها على دعم العنصر الفاضل فى الشخصية الإنسانية أو زيادة ميلها إلى ارتكاب الرذائل. وكذلك التأثير النفسى للموسيقى، وقدرتها على رفع معنويات الإنسان أو الهبوط بها؛ وشفاء أمراض معينة أو بعث الاضطراب والاختلال فى النفس. كذلك كان الاهتمام منصبًا أيضًا على الربط بين الموسيقى والشعر.
وعلى الرغم مما تتضمنه هذه المبادئ السابقة من مواقف سلبية من الموسيقى، فإنها تنطوى على اعتقاد راسخ بقوة تأثير هذا الفن على الإنسان، وبأن الموسيقى قوة هائلة يستطيع الإنسان أن يستغلها فى الخير والشر على السواء، ويمتد نفعها أو ضررها حتى يشمل المجتمع بأسره، وما يسوده من نظم اجتماعية وسياسية. لذلك كان الفلاسفة والمفكرون – منذ عهد أفلاطون – ينظرون بعين الحذر إلى هذه القوة السحرية الجبارة، ويحاولون وضع الضمانات التى تكفل استخدامها لأغراض تلائم القيم التى يدعون إليها. 
ويعرض «جوليوس يورتنوى» فى كتابه: «الفيلسوف وفن الموسيقى»، الفلسفة اليونانية وفن الموسيقى، والموسيقى فى العصور الوسطى وعصر النهضة، كما يعرض للموسيقى البروتستانتية والفلسفة الجمالية فى عصر الباروك، كما يتناول المذهب العقلى والتنوير والعصر الكلاسيكى فى الموسيقى. كما يتناول أيضًا للرومانتيكية وفن الموسيقى، والفلسفات الموسيقية فى العصر الحاضر، كذلك يوضح معايير الفلسفة الجمالية فى الموسيقى.
ومن أهم النتائج التى انتهى إليها «جوليوس يورتنوى» من بحثه عن تأثير الفلسفة فى تطور الموسيقى نتيجتان (كما بّين ذلك دكتور فؤاد زكريا فى مقدمة ترجمته للكتاب): الأولى أن الفيلسوف – ومعه الكاهن – كانا فى معظم الأحيان حائلًا يقف فى وجه تطور التيارات الفنية على مر القرون. على حين أن الفنان لم تقتصر مقدرته على التبصر بحقيقة عصره، بل استطاع أن يستبق حاجات المستقبل ويتكهن بها. النتيجة الثانية، وهى مترتبة على الأولى: إن تاريخ الموسيقى يثبت أن الفيلسوف ومعه رجل الدين ليسا على حق فى رفضهما التجديد الموسيقى، ومن المتوقع أن يفرض التجديد فى الموسيقى المعاصرة نفسه على النحو ذاته. هكذا يدافع مؤلف الكتاب عن القيم الجديدة فى الموسيقى المعاصرة، وعن الاتجاهات التجريدية الشكلية التى يعتقد أنها تمثل حركة التطور فى الفن الموسيقى فى المستقبل.