الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

من هنا.. اندلعت حركات التحرر في العالم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما أن انتهت الحرب العالمية الأولى فى العام ١٩١٨، إلا وبدأ الشعب المصرى بكل جموعه فى التطلع أن تمنحه بريطانيا الاستقلال نظير مشاركة مصر فى الحرب معها ووقوفها بجوارها فى الحرب، ومن هنا تكون وفد من زعماء الحركة الوطنية فى مصر آنذاك، ضم كلا من «سعد زغلول وعبدالعزيز فهمى وعلى شعراوى ومحمد محمود وأحمد لطفى السيد ومكرم عبيد وآخرين»، الذى قرر الذهاب إلى باريس للمشاركة فى مؤتمر السلام والاستفادة من قرار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ويلسون عن حق تقرير المصير، أى حق الشعوب والسكون المحلية أن تقرر بنفسها شكل السلطة الذى يريدون أن يذهبوا إليها.
كانت فكرة إنشاء وفد للمطالبة بحقوق المصريين فى الاستقلال بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى فى العام ١٩١٨، موزعة دون تحديد من هو أول من اقترح تلك الفكرة، لأن الكثيرين من الزعماء الذين سجلوا شهادات عن ذلك العصر نسب كل واحد منهم الفكرة لنفسه، وربما كان سبب ذلك أن فكرة الوفد كان فى عقلية الشعب الذى خرج من الحرب يطمح فى المطالبة باستقلاله.
عارض الإنجليز الوفد المصرى متسائلين عن صفة هؤلاء المشاركين للتحدث باسم الشعب المصري، ومن هنا وثبت إليهم فكرة أن ينيب الشعب هذا الوفد عنه كى يفاوض باسمه الإنجليز للخروج من مصر، وجمع الشعب توقيعات لتوكيل سعد ورفاقه فى التحدث باسم الشعب، تضم دار الكتب والوثائق المصرية العديد من النماذج والوثائق التى وقعها الشعب لتوكيل الوفد.
وكان نص التوكيل: «نحن الموقعين عن هذا قد أنبنا عنّا حضرات سعد زغلول باشا وعلى شعراوى باشا وعبدالعزيز فهمى بك ومحمد على بك وعبداللطيف المكباتى بك ومحمد محمود باشا وأحمد لطفى السيد بك؛ ولهم أن يضموا إليه من يختارون فى أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعى سبيلا فى استقلال مصر استقلالا تاما».
وكان خروج الناس للتوقيع على تلك الوثائق أمرا محيرا، ففكرة التوكيل نابعة من عقل درس الحقوق والقانون، لكن الأمر المحير والغريب أن سعد زغلول نجح فى تنظيم استفتاء شعبى على ذهابه لباريس من عدمه فى وقت لم يكن هو يملك شيئا، فنظام الدولة هو الوحيد الذى يحتكر الانتخابات والاستفتاءات الشعبية، فيخرج أحدهم لينجح فى تنظيم ذلك الاستفتاء بعيدا عن الدولة، وهذا يدل على حب الشعب الجارف لسعد ورفاقه ورغبته الطامحة فى الاستقلال والحرية».
وصلت الوثائق والتوكيلات تباعًا لدار المندوب السامى البريطاني، فألقى الإنجليز القبض على سعد وثلاثة من رفاقه، الأمر الذى أدى إلى تأجيج مشاعر الشعب الوطنية والحماسية فقاموا بحركة احتجاجية واسعة.
بدأت أحداث الثورة فى صباح يوم الأحد ٩ مارس ١٩١٩، بقيام الطلبة بمظاهرات واحتجاجات فى أرجاء القاهرة والإسكندرية والمدن الإقليمية، تصدت القوات البريطانية للمتظاهرين بإطلاق الرصاص عليهم، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، استمرت أحداث الثورة إلى شهر أغسطس وتجددت فى أكتوبر ونوفمبر، لكن وقائعها السياسية لم تنقطع واستمرت إلى عام ١٩٢٢، وبدأت نتائجها الحقيقية تتبلور عام ١٩٢٣ بإعلان الدستور والبرلمان. 
اضطرت السلطات البريطانية للإفراج عن سعد زغلول وزملائه، وسمحت لهم بالسفر لباريس، كانت فى هذا الوقت قد رتبت مع حلفائها كيفية مقابلة الوفد المصرى والتعامل مع فى فرنسا، ووصل الوفد المصرى إلى باريس فى ١٨ أبريل، وأُعلنت شروط الصلح التى قررها الحُلفاء، مؤيدة للحماية التى فرضتها إنجلترا على مصر.
الرئيس الأمريكى ولسون الذى أصدر وثيقة «حق الشعوب فى تقرير المصير» لم يتعامل بحيادية مع الوفد المصري، وكان أول من اعترف بالحماية البريطانية على مصر؛ ولم تتوقف موجات الاحتجاج فى الشارع المصري، ففكرت بريطانيا فى إرسال لجنة ملنر للوقوف على أسباب تلك المظاهرات والاحتجاجات، ولما وصلت اللجنة حاولت المفاوضات مع بعض الساسة، وفى كل محاولة للوصول لأى طرف، كانت اللجنة تقابل بعبارة «اسأل سعد»، لذا قررت أن تدعو سعد زغلول ورفاقه إلى لندن لعقد مفاوضات، وأوفد الوفد ثلاثة من أعضائه، هم: محمد محمود وعبدالعزيز فهمى وعلى ماهر؛ للتأكد من استعداد الحكومة البريطانية فى التفاوض نحو مطالب الأمة، وأسفرت تلك المرحلة عن مشروع للمعاهدة بين مصر وإنجلترا قدمه اللورد ملنر إلى الوفد فرفضه الوفد، ثم قدم الوفد مشروع إلى اللجنة لكن رفضه ملنر وتوقفت المفاوضات.
استؤنفت المفاوضات مرة أخرى بوساطة عدلى يكن، وقدمت لجنة ملنر مشروعًا يشمل بعض التعديلات اليسيرة دون أى تغير فى جوهر المعاهدة، الأمر الذى انتهى بعرض مشروع المعاهدة على الرأى العام المصري، وتم رفضه أيضًا، وغادر اللورد ملنر مصر فى ٦ مارس ١٩٢٠.
ودعا الزعيم سعد زغلول الشعب المصرى إلى مواصلة كفاحه وحراكه الشعبى الذى كان يهز عرش الاستعمار البريطاني، وقد تمتع زغلول بقدرة عالية على التأثير فى الجماهير وإشعال حماسه، وهنا يقول الدكتور زكريا الشلق: «إن زعيم الثورة سعد زغلول تمتع بشخصية لها سحرها الطاغى فى التأثير على الجماهير بما يمكن أن نسميه «كاريزما» بلغة العصر، أما رفاقه فهم لا يقلون عن سعد زغلول أهمية فى حين أنهم لم يتمتعوا بقدراته فى التأثير على الجماهير»، فاعتقلت السلطات الإنجليزية سعد وزملاءه مجددا وتم نفيهم إلى جزيرة سيشل، لكنها عادت وأفرجت عنه فى ٣٠ مارس من العام ١٩٢٣.
ونتج عن الحراك الشعبى عدة نتائج كان من أهمها إعلان تصريح ٢٨ فبراير الذى أنهى الحماية البريطانية على مصر، واعترف بحق مصر فى الاستقلال وتحويل مصر من سلطنة إلى مملكة وإلغاء الأحكام العرفية، ورحبت أحزاب من بينها الأحرار الدستوريين بتلك النتائج، بينما اعتبرها سعد زغلول نكبة وطنية لأن الإنجليز لم يضعوا فى أيدى الشعب شيئا من كل هذه الوعود، وفندها ورد عليها، واعتبرها أن أحدا قال لك أعطيتك ألفًا من الجنيهات إلا ألفا فكأنما لم يعطك شيئا.
نجحت الثورة فى الوصول إلى دستور للبلاد يقره الملك رغم تحفظات بعض رجال الحركة الوطنية على اللجنة التى شكلت دستور ١٩٢٣.
ضربت المرأة المصرية أروع الأمثلة فى التضامن مع الرجال والخروج إلى الشارع للمشاركة فى احتجاجات ثورة ١٩، وكانت السيدة هدى شعراوى من أبرز تلك النساء، حيث وقفت فى وجه فرق الشرطة وخاطبتهم بالإنجليزية أنها لن تتراجع طالما لم يحصل الشعب على حقوقه.
اتحدت الأمة، المسلمون والمسيحيون فى مشهد وطنى رائع، رافعين شعار «يحيا الهلال مع الصليب» ليعلنوا بذلك أنهم قد تخلصوا من دعوات الفرقة والتقسيم التى حاول المستعمر أن يعمقها بين أبناء الوطن الواحد، وقد تعجب سعد زغلول من تلك المشاركة العظيمة من ناحية الأزهر والكنيسة، وأشاد بذلك مرارا قائلا: إن الشعب المصرى ظهر بصورة لم يماثله أمة من الأمم فى اتحاد عنصريها الكريمين.