الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سيد درويش.. اللحن الذي لم يكتمل بعد!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الدكتور طارق القيعى رئيس المجلس الشعبى بالإسكندرية لعدة دورات، وكان من أكثر عمداء جامعة الإسكندرية ديناميكية، وهو خريج كلية الزراعة وزميل النجم محمود عبدالعزيز، وله تاريخ فى الإسهام العام بروح لا تعرف اليأس، وكم أصيب من لهيب السياسة، لكنه صمم على أداء رسالته، فآخر معاركه هذه الأيام هى قيادته لحركة من الطلائع الثقافية فى مصر يتحركون ضد فكرة إلغاء اسم فنان الشعب خالد الذكر سيد درويش من على المسرح الذى يحمل اسمه بوسط المدينة تحت ساتر التحفة الإبداعية بإطلاق اسم (أوبرا الإسكندرية) على المسرح، لكى يقدم العروض الأوبرالية، فقد أثارت غضب الرموز التى تتذوق الإبداع الفنى لعدم سلامة القرار الوزارى الصادر من وزارة الثقافة ويستحق المعارضة ولو أدى الأمر من جانب شخصية غيورة على رموز الفن لكى تلجأ لساحة القضاء، لأن مثل هذه الإجراءات تخالف صريح القانون، فإذا جاء شهر مارس، فإن ذكرى ميلاد سيد درويش تحل علينا، والتى بدأت وقائعها صباح يوم 17 مارس 1892م، حيث وضعت (ملوك بنت عيد) بمساعدة الداية (فطومة الوردانية) حيث كانت المقابلة لهذا الطفل بالمنزل 112 حارة البوابة الشهيرة بحارة الحاج بدوى بشارع السوق تحت رعاية شيخ الحارة بسيونى العدس وقد رزق به ثلاث بنات.
كان الطفل المدلل يقظا فى التقاط الأصوات وكان يتابع مصدرها وبدأت موهبته تنمو، وألحقه والده كتاب (سيدى أحمد الخياشي) وتوفى الوالد فى سن السابعة فألحقته الوالدة بمدرسة أهلية، حيث تلقى أول إشعاع موسيقى وظهرت بوادر نبوغه وبدأت المسيرة، فهى موثقة فى جميع المراجع، لكن هناك تواريخ فى حياته فقد عاش بداية الاحتلال البريطانى وزرعت فيه الأحداث الثورية مبكرة وتصاعدت فى فترة مثالية وعاش انطلاق ثورة 1919 وعاش الزخم السياسى وتفاعل مع جماهير الأمة وقاد تحركها وتحقيق المصلحة الوطنية بحراسة جماهيرية مشددة ضد كل ألوان الاحتلال.
كل المعانى ترجمتها ألحان خالد الذكر عبقرية الخلود، أتصور أن هناك حراسا على فن هذا المبدع ومهما تعرضت مسيرة العمالقة لعقبات فإن إبداعهم قادر على أن يصحح المسيرة، لأن الزمن دائما فى صالح المفكر والمبدع وفى حالة سيد درويش فقد قوى عديدة تواجه هذا الينبوع الصافى من تدفق العطاء الذى لا يمحوه الزمن.
نشر مقال رائع للأستاذ فتحى رضوان أول وزير ثقافة بعنوان (جوهر سيد درويش)، حيث وصف السنين التى تلت ثورة 19 هى عهد سيد درويش فشهادة من هذا السياسى المتمرس والمسئول مؤكدا بفكرة الوزارى أنه لا يجوز أن يقوم فى وهم أحد المشتغلين بالموسيقى من الأحياء والمعاصرين أن الاحتفال بذكرى سيد درويش أو الإشادة بعمله الفنى ينطوى ضمنًا الإساءة إليهم، فإنهم مرجوون أن يعملوا لفنون بلادهم أقصى ما يستطيعون.
سألت صديق عمرى الدكتور حسن البحر درويش أستاذ اللوجستيات حول موقفه أذا أقيمت أمام المحاكم، رد قائلًا: أنا لست طرفا بالقضية؛ لأننى أنفذ وصية والدى والأسرة لمجرد الإسهام فى إحياء ذكراه، لكن تاريخه ملك الأجيال، فهل هناك تكريم أعظم من أن الدنيا تهتف من أعماقها «بلادى بلادي» فهى كلماته وألحانه وإحساسه.
إذا كان قلم العملاق عباس محمود العقاد ومؤلف العبقريات ورافع راية الفكر االموسوعى حين سطر بهذا القلم التاريخى مقالا عن هذا المبدع بعنوان (إمام الملحنين ونابغة الموسيقى) كل ما تسمعه اليوم من الموسيقى هو أثر من آثاره، فإن هذا العملاق نشر قصيدة فى رثائه ولم يحدق من فنان قبله عنوانها (موسيقى خالد) بنى مطلعها «أبناء مصر تذكروا وتذكروا.. ما مصر خالدة لمن يذكر» المهم أن العقاد جاء بفكرة من جنوب البلاد ليلتقى بفكر مبدع موسيقى جاء من شمال البلاد وهى تترجم أنها بلاد تنبت فى أرجائها الزهور.
سطر العملاق توفيق الحكيم وقال فى مقال تاريخى أن سيد درويش يرى من أسرار الفن أكثر مما نرى.. وأن توفيق الحكيم قال إن المكان الذى يجلس فيه الفقراء أتاح لى أن التقى بالفنان الموسوعي، وعندما كان توفيق بك يقوم بزيارة قبر نجله بمدافن (المنارة) يحرص على زيارة قبر سيد درويش الذى لا يبعد خطوات، وكتب عنه المفكر عبدالرحمن الشرقاوي.. أنغامه تلهبنا وتحركنا.. وهناك عشرات المقالات والآراء من رياض السنباطى وأروع ما كتب أحمد رامى قائلًا.. كان من سوء حظى أن أغنياتى لم تحظ بتلحينه حتى يكتب لها الخلود.. ودار الكثير من الجدل حول هذه الظاهرة داخليًا وخارجيًا لكنها صمدت وانتصرت وقد تصرفت الإذاعة المصرية أمام حرصها على أن تقدم هذا الفن بكل دقة لنترجم بصدق (النوتة الأصلية) وحضر للقاهرة ابن الفنان محمد البحر ووافق على اقتراح الراحل عبدالحميد الحديدى أن يتم تشكيل لجنة لمراجعة اللحن الأصلى مع الكلمان بدون أى أضافة ولتحمل المسئولية وارتضى الجميع بحكم هذه اللجنة لتطويق أى نزاع وهى أمور لا تخص مستحقات مالية، لكنها مهمة تراثية على اعتبار أنها جزء مهم فى تاريخ مصر وهى أول وآخر لجنة على هذا القدر من الإجلال تقوم إبداع لفنان ولم تحقق إلا لخالد الذكر.
ورغم أن عمى محمد البحر ابنه الأكبر كما كنت القبة الذى ولد أول يناير 1909م وهو تاريخ ميلاد المبدع إحسان عبد القدوس لم تكن مطالب خاصة بحق الأداء العلنى لم تكن أخلاق العمل فى الغناء، حيث التحق بمدرسة محمد على الصنايع أقدم معهد علمى فى مصر وأمله أن يصبح موظفًا فى بلدية الإسكندرية، لأنه كان مشفقًا على هذا المجال الصعب والمعاناة لكن الابن تعلق بالفن وبدأ يمارسه بعد رحيل والده عام 1923م وبدأ بنشر التراث على الشيخ محمود مرسى، وتم تكوين فرقة من أعضائها جورج ميشيل وقصة لجوء محمد البحر لساحة القضاء عندما حصلت فرقة عكاشة على نصوص مسرحتى (شهر زاد) والباروكة من زوجة سيد درويش الثانية نظير خمسين جنيها، لاتخذ محمد البحر قراره باللجوء إلى منصة القضاء وهذه أول مرة فى التاريخ الاحتكام لمنتج فنى وصدر حكم ساطع يسترد نتاج إبداع الفنان إلى وضعه القانوني.
واستطاع الحكم بالحراسة على تراث والده بعد أن تم ترشيح رموز فنية فى مقدمتهم موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب ومحمد حسن الشجاعى لكن المنصة العالية كان لها قرار آخر.
وتحمل عمى محمد البحر صعوبة المشوار وأهواله الذى تنبأ والده، لكن الشىء الذى يدعو للتفاؤل أنه عندما اعترفت مؤسسة السينما إنتاج فيلم عن والده بطولة كرم مطاوع وقام بدورى نقيب الموسيقين الفنان هانى شاكر وثارت حول الفيلم ضجة فجرها الصحفى عبد الفتاح البارودى، حيث اعترض على مشاهد تسيئ للفنان وعندما قرأ هذه المقالات المحافظ حمدى عاشور وعرض الأمر على مجلس المحافظة الذى قرر بالإجماع دعوة شيخ الجغرافيين العالم سليمان حزين، وزير الثقافة ودعاه للإسكندرية لكى يواجه حملة أبناء الإسكندرية، واستطاعت القوى الشعبية أن تتدخل لأول مرة فى تاريخ الإنتاج السينمائى لتعديل النهايات التى تسيئ للفن المصرى وأكثر من هذا ودون طلب من أحد طلب المحافظ تغيير اسم مسرح محمد على الذى أسسه القطاع الخاص لإحدى الشركات وأهدته لبلدية الإسكندرية ولم تهده إلى وزارة الثقافة، وأطلق اسم (محمد علي) وحرص المحافظ أن يكون هذا فى وجود الوزير واعتماد الفكر وإخطار المنظمات الفنية بهذا الاسم وهو (مسرح سيد درويش) عرفانًا بدوره الوطنى وبعد التطوير أصبح الموقف الرسمى (أوبرا الإسكندرية مسرح سيد درويش) واعتبار هذا حلا توفيقيا، لكن الذريعة لقاعات المحاكم وشطب اسم سيد درويش والاكتفاء بأوبرا الإسكندرية.
سيد درويش هو اللحن الذى لم يكتمل ويكفى أن شباب نادى سبورتنج بقيادة الدكتور أحمد وردة يبذلون جهد الطاقة لوضع عطاء شبابها على خريطة الاهتمام بالإبداع العام للعالم العربى والوفود الخارجية التى تزور النادي.
الفنانة الدكتورة إيناس عبدالدايم لن يمر أمامها هذا الحدث وسنجد الجميع مكتوفى الأيدى فى استخدام الدفاع عن تاريخ مصر والسؤال هل هذه هدية الوزارة لفنان الشعب فى ذكرى مولده ومئوية الوفد ودوره بالبلاد لفنان الشعب أعلى وسام بالدولة، لكن هذه الفكرة المطروحة من الوزارة ستشمل تصادما حضاريا مع حركة التاريخ.