الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من يخلف المرشد الإيراني؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدو أن إيران على شفا الوصول للحظة الحاسمة، فمرشد الجمهورية على خامنئي، البالغ من العمر ٧٩ عاما، يعانى وضعًا صحيًا معقدًا، إثر إصابته بالسرطان. والسؤال هنا: من سيخلفه فى حال وفاته، ويكون المرشد الثالث للجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ المعلومات المتداولة بشأن تدهور حالته الصحية تثير الكثير من التكهنات حول الخليفة المحتمل، وهو أمر قد يُدخل إيران فى مأزق حقيقي، لاسيما مع تزايد الغليان الشعبى بسبب تدهور المستوى الاقتصادى للسكان، وتراجع سقف الحريات، إضافة للضغوط الأمريكية المتصاعدة والهادفة إلى تغيير سلوك النظام الإيراني. غياب خامنئى أكبر تغيير سياسى فى الجمهورية الإسلامية، منذ وفاة المرشد الأعلى السابق، آية الله الخمينى عام ١٩٨٩. ويكتسب المنصب المذكور أهمية كبيرة، تنبع من كون المرشد الأعلى هو الشخص الأقوى فى البلاد، ويمتلك سلطات مطلقة تطول كل المؤسسات فى الدولة، وهو الذى يحدد التوجهات الداخلية والخارجية لإيران.
ومع وفاة المرشح الأكثر حظوة لنيل منصب المرشد آية الله محمود الشاهرودى فى ٢٤ ديسمبر ٢٠١٨، فإن عملية إحلال مرشد جديد بدلًا عنه قد تزداد صعوبة مع تزايد ذلك الصدع الداخلى بين المتمسكين بخط مؤسس الثورة آية الله الخميني، وخليفته المرشد الحالى خامنئي، والمعروفين بـ(المحافظين)، وأولئك المتطلعين لإيجاد طريق ينقذ الثورة الإيرانية من احتمالات السقوط عبر طرح منهج ثورى بلباس أكثر انفتاحًا على العالم، والمعروفين بـ(الإصلاحيين)، وللإجابة عن سؤال من سيخلف المرشد؟ لا بد من طرح جملة من الإشكاليات على النحو التالي:
١- آلية اختيار المرشد 
بحسب المادة ١٠٧ من الدستور الإيراني، توكل مهمة اختيار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية إلى «مجلس خبراء القيادة»، وهو المسئول عن مراقبة تنفيذ الدستور حرفيًا وهو مؤلف بالكامل من علماء الدين، ويضم ٨٨ عضوًا يتم انتخابهم كل ٨ سنوات، ويرأسه حاليًا الأصولى المتشدد أحمد جنتي، فضلًا عن كونه الهيئة الدستورية الوحيدة التى تملك الصلاحيات لعزل المرشد بحسب المادة ١١١من الدستور ذاته.
٢- سمات المرشد
وضع آية الله الخمينى مجموعة من السمات، على المرشح أن يتصف بها ليكون مؤهلًا لتولى منصب (المرشد الأعلى). ومنذ تولىّ خامنئى المنصب عام ١٩٨٩، أنشأ بصورة مطردة بنية أمنية واستخباراتية واقتصادية معقدة تتألف من أتباع موالين له بقوة، ولرؤيته للشكل الذى يجب أن تكون عليه الجمهورية الإيرانية. وتحرص هذه البنية على أن يحمل الشخص الذى سيخلف خامئنى الآراء المتشدّدة نفسها التى تحملها هي، ويكون ملتزمًا بتحقيق وحماية مصالحها على المدى الطويل.
٣- السيناريوهات المحتملة:
أ- الاختيار بالتوافق: فى حالة عدم ترك المرشد الحالى وصيّة بشأن ترشيح شخص بعينه يخلفه، فقد يلجأ مجلس خبراء القيادة إلى الخيار التوافقى الأوحد إذا لم يظهر مرشح قوي.
ب- تشكيل مجلس قيادة ثلاثي: مثل السيناريو الذى تم اعتماده عام ١٩٨٩ بإنشاء مجلس للقيادة يتألف من: رئيس الجمهورية، ورئيس السلطة القضائية، ورئيس مجلس خبراء القيادة، وذلك لمدة محدودة لحين تمكن القوى السياسية والدينية من الوصول لتسوية لانتخاب مرشد جديد.
ج- احتمالية تدخل الحرس الثورى حيث يلعب هو والمؤسسات العسكرية ذات النفوذ الاقتصادى الكبير، ومؤسسة بيت المرشد، دورًا بارزًا فى تعيين خليفة خامنئي، فهى تشكل الكتلة المهيمنة على السلطة، وبالتالى ستتولى اختيار شخص تابع لخطها السياسى والفكري.
٤- أبرز المرشحين لمنصب المرشد
تطرح المؤسسة الدينية والتشريعية فى إيران عددا من المرشحين لتولى المنصب، ويتميز هؤلاء بتمسكهم بمبادئ وتعاليم الثورة الإيرانية التى ترسخت على مدى السنوات الأربعين من عمرها. ويمكن النظر فى سيرة كل واحد من هؤلاء المرشحين على النحو التالي:
أ- صادق لاريجاني، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، عمره ٥٧ عامًا، ولد فى النجف بالعراق. وهو عضو منتخب لمجلس خبراء القيادة منذ عام ١٩٩٨، وعضو فى مجلس صيانة الدستور، وعُين رئيسا للسلطة القضائية عام ٢٠٠٩، خلفًا لآية الله شاهرودي، ولديه وجهة نظر معادية للغرب مثل تلك التى يحملها خامنئى، ويتخذ لاريجانى مواقف متشددة تجاه القضايا الداخلية والخارجية، مما وضعه فى خانة «التيار الأصولي». إلآ أن ثمة عقبة رئيسة تقف فى طريقه وهى توجيه تهم لعائلته بالفساد واتهامه بتحويل الأموال العامة إلى حساباته الشخصية فى البنوك. 
ب- إبراهيم رئيسي، ويبلغ من العمر ٥٨ عامًا، وعين فى مارس ٢٠١٦ رئيسًا لمؤسسة (أستان قدس رضوي)، وهى منظمة ضخمة يسيطر عليها مكتب المرشد، وتدير ضريح الإمام الرضا فى مشهد. ومن خلال هذا المنصب، يشرف رئيسى على الإمبراطورية التجارية الكبيرة، والتى تحول الهبات المالية للجمعيات والمؤسّسات الدينيّة فى إيران وخارجها. وعمل منذ عام ١٩٨٠كقاض فى المحاكم الثورية، وفى عام ١٩٨٨، أمر رئيسي، بصفته مدعيًا عامًا للبلاد، بتنفيذ عمليات إعدام جماعية للسجناء السياسيين، بمن فيهم أعضاء حركة مجاهدى خلق المعارضة التى تدعو إلى الإطاحة بالثورة الخومينية. وفى عام٢٠٠٤، تم تعيينه نائبًا لرئيس القضاء. وعلى مدى عشر سنوات، كان رئيسى عضوًا فى مجلس إدارة شركة سيتاد، التى تخضع لسيطرة خامنئي، ولها نشاط واسع فى قطاعات الأدوية، والعقارات، والاتصالات، والطاقة فى إيران، وتملك أصولًا تبلغ نحو ٩٥ مليار دولار. إلا أن أكبر عائق يواجه رئيسى هو خلفيته الدينيّة المتواضعة، كونه لا يتمتع بالمستوى الفقهى المطلوب، ولا يتمتع أيضا بالسمعة الحسنة، فهو لم يدرس فى المعاهد الدينية التى تؤهله لأن يكون عالم دين مرموقا. 
ج- مجتبى خامنئى (النجل الثانى للمرشد) وهو من مواليد مدينة مشهد عام ١٩٦٩. وقد انتقل إلى مدينة قم عام ١٩٩٩ للدراسة الدينية، ويمتلك نفوذًا كبيرًا على ميليشيا الباسيج والجماعات شبه العسكرية المتشددة الأخرى. وقد لعب دورًا كبيرًا فى القضاء على الحركة الخضراء التى اعترضت على نتيجة الانتخابات الرئاسية فى يونيو ٢٠٠٩. ويبذل المقربون منه جهودًا حثيثة لتلميع صورته لتقديمه على أنه مرشح مهم لوالده. وبما أن المذكور يفتقر إلى القاعدة الشعبية، وغير قادر على كسب تأييد أعضاء مجلس خبراء القيادة لتثبيت مكانته فهو بحاجة ملحة إلى دعم ومساندة الحرس الثورى والقوات العسكرية الأخرى أكثر من غيره من بقية المرشحين لتولى المنصب.
د- آية الله مصباح يزدي: ولد عام ١٩٣٥ فى مدينة يزد، وسافر إلى النجف لتلقى علومه الدينية، ولكنه عاد بعد عام واحد بسبب الضائقة المالية. وتجمع يزدى علاقة قوية بالخميني، وقد قام يزدى بدعم من الأخير بتأسيس عدد من المؤسسات التعليمية، أهمها مؤسسة فى طريق الحق، ومؤسسة باقر العلوم، ويرأس حاليًا مؤسسة الإمام الخمينى للتعليم والبحث العلمى فى قم، وعضو مجلس خبراء القيادة. ويُعد موقف يزدى ضعيفًا نوعًا ما، لأنه لا يحظى بتأييد أى من التيارات السياسية داخل إيران، كما أن آراءه غالبًا ما تكون عرضة للانتقاد من داخل المؤسسة الدينية.
هـ- الرئيس حسن روحاني، وهو يبلغ من العمر ٧٠ عاما، ولكنه لا يتمتع بدعم أى من التيارات الأصولية المتشددة وقيادات الحرس الثورى والتعبئة، كونه مصنّف بانتمائه لجناح الإصلاحيين فى إيران. ورغم ذلك يبقى ابنًا للنظام. وعندما تقتضى الظروف، سيقف مع النظام السياسى بلا مواربة، رغم خلافاته العميقة والكبيرة مع المتشددين. وما يجدد الأمل لدى روحانى والمؤيدين له تلك السابقة التاريخية، التى يمكن أن تتكرر، والتى تجسدت باختيار على خامنئى كمرشد لإيران، بعد وفاة المرشد الأعلى الأول خميني١٩٨٩. حيث عدّ المراقبون المرشد الحالى خامنئي-الذى كان يشغل منصب رئيس الجمهورية- مجرد رقم فى مجموعة بدائل متاحة، وليس البديل الأوحد، حيث افتقر خامنئي- آنذاك- إلى مؤهلات وكارزيما الخميني. إلا أن الرئيس الأسبق للبرلمان والمقرب من آية الله الخميني، هاشمى رفسنجاني، أبلغ مجلس خبراء القيادة، فى اجتماع عقد فى ٤ يونيو ١٩٨٩، أن الخمينى عدّ خامنئى مؤهلًا لخلافته. وعلى هذا الأساس، انتخب مجلس خبراء القيادة المرشد الحالى بأغلبيّة ٦٠ صوتًا، وهذا دليل يؤكد إمكانية تكرار السيناريو ذاته مع الرئيس الحالى حسن روحاني.
ختامًا، فإن صادق لاريجانى يعد أنسب شخص لخلافة خامنئى من حيث المستوى الفقهى والعلمي، فضلا عن رئاسته لمجمع تشخيص مصلحة النظام، وعضو مجلسى الرقابة على القوانين، وخبراء القيادة، وهو مجتهد فى أصول الفقه. جدير بالملاحظة، هنا، أنه كُتب لصادق لاريجانى أن يخلف آية الله هاشمى شاهرودى فى المناصب التى شغلها لمرتين، الأولى حين خلف شاهرودي، وكان الأخير حيا يرزق فى رئاسة السلطة القضائية فى أثناء احتجاجات ٢٠٠٩، والثانية بعد وفاته بأيام قليلة، حيث أصدر المرشد الأعلى قرارًا بتعيينه رئيسًا لمجمع تشخيص مصلحة النظام. ولمّا كان آية الله شاهرودى أقوى المرشحين لخلافة المرشد على خامنئى فى منصب الولى الفقيه، فإن تعيين صادق لاريجانى خلفًا له يعد بمنزلة تهيئة لتوليه منصب المرشد الأعلى، والجلوس على كرسى الزعيم.