الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

نجل محمد عوض يفتح قلبه لـ"البوابة نيوز"ويكشف أسرار حياته في ذكرى وفاته.. لقب بـ"الكوميديان الفيلسوف".. أصدقاؤه الفنانون والأدباء أطلقوا على بيتنا اسم "البرلمان".. تصفيق الجمهور له كان أكبر شهادة تكريم

المخرج عادل عوض نجل
المخرج عادل عوض نجل الفنان محمد عوض لـ"البوابة نيوز"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«جلفدان هانم»، «نمرة 2 يكسب»، «مطرب العواطف»، «الخاطبة»، «العبيط»، «الطرطور»، مسرحيات من الصعب أن تمحى من ذاكرة جمهور المسرح المصرى والعربي، إضافة إلى الأعمال السينمائية والتليفزيونية من بينها «السيرك»، «مدرسة المشاغبين»، «إخواته البنات»، «شياطين البحر»، وغيرها فنحن نتحدث عن موهبة تميزت بالفكاهة وخفة الظل لقب بـ«الكوميديان الفيلسوف».. إنه الفنان القدير محمد عوض.
كان شعاره الذى يردده دائمًا هو: «شعار الضحك للضحك هدف عظيم، وإضحاك الجماهير فى حد ذاته عمل عظيم أيضا، والأعظم أن يمزج الممثل بين الضحك والمواقف الإنسانية المؤثرة»، من خلال دراسته للفلسفة وعلم الاجتماع جعلته يقدم أى شخصية على المسرح بدراسة واعية ومنطقية وواقعية، صار الفن مصدر رزقه طوال مسيرة مشواره الفنى فى المسرح والسينما والتليفزيون.
حرصت «البوابة» فى ذكرى وفاته فى مثل هذا اليوم 27 فبراير الجاري، على أن تلتقى بنجله المخرج الكبير عادل عوض، لكى يفتح قلبه للحديث عن نشأته، بداية ظهوره فى الفن، وأول مرتب تقاضاه، وعلاقته بالرئيس جمال عبدالناصر، والدور الوطني، ورحلة مرضه، بالإضافة إلى محطات أخرى؛ فإلى نص الحوار...


■ ما تأثير النشأة والبيئة على الفنان محمد عوض؟
- من مواليد حى العباسية بالقاهرة فى ١٢ يونيو ١٩٣٢، وتعود جذوره إلى محافظة الشرقية، وكان والده موظفًا، وأبى الأخ الأكبر والوحيد بين ٣ بنات، وأهم هواياته الكشافة وكرة القدم، وانضم لفرق الكشافة الملكية الرحلات والسفر والطبيعة والبحر، وهو ما كان له أثر كبير فى شخصيته المتفتحة، وحلم حياته كان يتمنى أن يلتحق بالكلية البحرية، ولكنه اصطدم بوفاة والدته حينما كان عمره ١٨ سنة، وكان فى الصف الثانى الثانوى، وأكد له والده أنه يجب أن يتخلى عن حلمه كضابط، لأنه سيكون العائل الوحيد لشقيقاته البنات بعد وفاته، وبعد عام من وفاة والدته توفى والده ليترك له مسئولية إخواته البنات.
■ متى بدأت موهبته فى الظهور؟
- كان يعشق التمثيل من الصغر، فقد شارك فى فرق التمثيل المدرسية حتى التحق بكلية الآداب قسم فلسفة، وحصل على المركز الثانى فى مسابقة القطر، فلقب بعد ذلك بالكوميديان الفيلسوف، ومن شدة عشقه للفلسفة كان يكتب على حوائط المنزل عبارات فلسفية ومقولات لأفلاطون وأرسطو ومن خلال مدرسه أنيس منصور، تولى إنشاء فرقته المسرحية، وحقق أبى وفرقته تفوقا كبيرا، حيث كان يستعين ببطلات فرقة الريحانى للمشاركة فى المسرحيات التى تقدمها الفرقة، ومنهن مارى منيب، وزوزو، وميمى شكيب، وحصل والدى على العديد من الميداليات والجوائز خلال هذه الفترة، وتعرف خلالها على جيرانه الفنانين الذين سبقوه فى النجومية، ومنهم توفيق الدقن، عبدالمنعم مدبولى.


■ ما أول مرتب تقاضاه الراحل من المسرح؟
- عين والدى فى فرقة الريحانى بمبلغ ٧ جنيهات فى الشهر، وهو ما ساعده إلى جانب وظيفة والده فى الإنفاق على شقيقاته، وتبنته الفنانة مارى منيب، ومنحته جزءا من دولابها؛ لأنه لم تكن له غرفة يغير فيها ملابسه، وكان أبى يقوم بأدوار صغيرة.
■ من هو أول ما تبنى موهبته الفنية؟
- الفنان بديع خيرى بعدما شاهد موهبته ووجده يحفظ كل أدوار الريحانى، وفى أحد الأيام غاب عادل خيرى، بطل الفرقة، بسبب مرضه، فقام والدى بدور البطولة، وتألق وتكرر هذا مع تكرار غياب عادل خيرى.
■ من هو مثله الأعلى؟
- الفنان نجيب الريحانى، حيث كان يذهب إلى باب مسرح الريحانى ليراه يركب الحنطور، ويظل يمشى إلى جواره حتى يصل الريحانى إلى بيته.
■ ماذا عن الجانب العاطفى فى حياته؟
- جمعته بوالدتى قصة حب خلال الدراسة الجامعية أثناء التنافس المسرحى، وقد تشابهت حياتهما كثيرًا، فهى فى نفس سنه، وتوفى والدها وعمرها ١٩ عاما، بينما توفيت والدتها وعمرها ٣ سنوات، وكانت والدتى حفيدة رياض باشا، رئيس الوزراء، وتعيش فى قصر بجاردن سيتى، فأراد أبى أن يكون عش الزوجية بمستوى مناسب، فاستأجر شقة بشارع طلعت حرب، وتقدم لها والدى وتزوجها.


■ متى بدأت نجوميته فى عالم الفن؟
- مسرحية «جولفدان هانم» التى عرضها عليه الفنان عبدالمنعم مدبولى، وحققت نجاحا مذهلا، ولأول مرة فى تاريخ مسرح التليفزيون الذى تعرض فيه المسرحية ثلاثة أيام، ويتم تصويرها فى اليوم الرابع، وامتدت هذه المسرحية لمدة شهر، والنقلة الكبرى فى حياة أبى بمسرحية «نمرة ٢ يكسب»، التى لعب فيها ٤ أدوار، وحققت نجاحا غير مسبوق، وأصبحت أيقونة المسرح فى الستينيات بما حققته من دخل وإيرادات، وبعدها تألق فى عدد من المسرحيات، منها مسرحية «العبيط»، وحقق نجاحات غير مسبوقة فى أعداد المتفرجين.
■ ما حكاية «الفرسان الأربعة»؟
- هناك عدد من نجوم الكوميديا تألقوا خلال هذه الفترة، وأطلق عليهم «الفرسان الأربعة للمسرح العربى»، وهم: «محمد عوض، عبدالمنعم مدبولى، أمين الهنيدى، فؤاد المهندس»، ولكن كان شباك التذاكر دائما فى صف محمد عوض، الذى كان دائما رقم واحد فى المسرح.
■ ماذا عن علاقته بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر؟
- بعد نكسة ١٩٦٧، اتجهت الدولة لتشجيع الفرق الخاصة، ووقتها كان محمد عوض الأنشط والأكثر نجاحا، فقررت أن تعطيه مسرح الزمالك بأمر مباشر من الرئيس عبدالناصر، وبإيجار شهرى ١٠٠٠ جنيه، وكوّن محمد عوض فرقته الخاصة التى كانت من أوائل الفرق فى تاريخ المسرح العربى، وقدّم مع فرقته أول موسم صيفى فى المسرح العائم، بمسرحية «الطرطور»، ومعه نبيلة عبيد لأول مرة على المسرح، بعدما شاركته بطولة فيلم «السيرك»، الذى حصل فيه على جائزة أحسن ممثل، وحققت المسرحية نجاحا مدويا.


■ كيف كانت علاقاته بنجوم الفن؟
- والدى وقتها عندما يرى أحد زملائه النجوم الكبار لم يحقق نجاحا ينتج له مسرحية، سواء شارك أو لم يشارك بالتمثيل فيها، فأنتج لكل زملائه، حتى إن فؤاد المهندس طلب الانضمام لفرقته التى كانت أقوى فرقة فى هذه الفترة، وبالفعل أنتج له والدى عددا من المسرحيات، وأصبحت فرقة محمد عوض تضم العديد من النجوم، ولم تتوقف نجاحاته.
■ هل وصل الراحل إلى العالمية؟
- انطلق للمستوى العالمى، وذهب بالفرقة ليعرض على مسارح أمريكا سنة ١٩٧٢، وعرض فى ٥٢ ولاية، كما ذهب إلى المكسيك، وأقام ٣ حفلات فى أكبر مسارح باريس، لندن، اليابان، وكلها كانت كاملة العدد، وللأسف لم يذكر المؤرخون هذه النجاحات.
■ لعب محمد عوض دورا وطنيا.. فما هو؟
- والدى كان يذهب بفرقته مستقلا قطار البضائع ليعرض للعمال والمهندسين فى السد العالى لمدة ١٠ سنوات دون أجر، حتى إنه مرض من شدة الحرارة والإرهاق، فأرسل له الدكتور عبدالقادر حاتم ٣ أطباء بطائرة عسكرية لعلاجه، وفى المساء وقف على المسرح ليقدم العرض، أما بعد هزيمة ٦٧ ارتدى والدى ملابس تشبه ملابس الجنود، واصطحبنى وذهبنا على الجبهة بالسيارة، والفلاحون يقفون قبل المنطقة الممنوعة ومعهم أقفاص الخضراوات والفاكهة يريدون توصيلها إلى الجنود، وكان أبى يأخذ هذه الأقفاص ومعها جراكن مياه وينقلها بالسيارة مسافة ٢٠ كيلو لتوصيلها إلى الجنود بالسويس ويعود بالعساكر الجرحى.


■ ما المفارقات التى واجهته فى تلك الفترة؟
- كان يكتب لعمتى خطابات بمديونياته وما له وما عليه من أموال؛ لأنه لم يكن يضمن أنه سيعود حيا، وطوال فترة حرب الاستنزاف كان يذهب بفرقته على الجبهة ليقدم عروضا للجنود، وسافر ليعرض للجنود فى حرب اليمن، وتعرض للموت، كما أنه عندما عرض فى أمريكا حذرته الشرطة الأمريكية وجعلته يكتب إقرارا على نفسه بتحمل المسئولية عن العرض، وتعرضت الفرقة لحادث انقلاب الأتوبيس.
■ ماذا عن أشهر شخصية قدمها وهى «شرارة»؟
- سارت شائعات غير صحيحة فى تلك الفترة، وتشبه الشائعة التى تشير إلى أنه كان يهوى قراءة الفنجان، والمسلسل قد نجح نجاحا كبيرا، وكان والدى سعيدا به، كما أنه كان علمانيا ومثقفا وصاحب فلسفة، ولم يخف من هذا الدور.
■ حدثنا عن الأب محمد عوض؟
- كان أبى رجلا إداريا، يعمل ٢٤ ساعة، سواء فى المسرح أو فى البيت، وكانت لديه ٣ شركات إنتاج وتوزيع، «أفلام الجزيرة» و«أفلام الوطن العربى» و«كوميك فيلم»، وشركة توزيع سينمائى، وكان يعمل طوال الوقت، أو يستقبل أقاربه الفلاحين الذين يأتون لطلب خدمات، كما كان يستقبل أصدقاءه الفنانين والأدباء الذين أطلقوا على بيتنا اسم «البرلمان»؛ حيث كان يجمع اليسارى واليمينى، وعمالقة الفن والأدب والإخراج، ويتناقشون فى الفن والسياسة، ونشأنا فى هذا الجو وتأثرنا به، وكان والدى يضع القوانين فى البيت للمذاكرة واللعب والمصيف، ووالدتى تتحمل مسئوليات الإدارة، وكان هناك ترابط وتفاهم شديد بين أبى وأمى، وكانت تترجم له المسرحيات لأنها تجيد ٧ لغات، وتأخذنا لنشرف على نظافة ونظام المسرح، كما كنا نوزع خريطة مسرح الزمالك، الذى لم يكن يعرفه أحد وقتها، وأصيبت والدتى باكتئاب عندما عرفت أنه أصيب بالسرطان، ولم تستطع أن تعيش بعد وفاته وماتت فى يوم الأربعين.


■ ما دوره فى الحركة المسرحية فى مصر؟
- لم يكن محمد عوض مجرد ممثل كوميدى يجيد التمثيل فحسب، بل إنه قام بإنشاء أكبر فرقة مسرحية فى تاريخ المسرح العربى، وعمل معه فى الفرقة العديد من نجوم الشباك فى ذلك الوقت بداية من فؤاد المهندس، شويكار، نبيلة عبيد، أمين الهنيدي، وآخرون.
■ ما عدد المسرحيات التى شارك فيها؟
- لا أبالغ إذا قلت إنه الوحيد فى العالم العربى، الذى قام بتمثيل ١٠٠ مسرحية كوميدية نال معظمها استحسان الجماهير والنقاد.
■ كيف كانت علاقته بأعضاء الفرقة؟
- كان يشمل الجميع بحبه وتعاطفه معه لدرجة أنه كان يدخر من مصروف المنزل ويقلل من ضرورياتنا الحياتية حتى يوفر مرتبات فرقته، وحينما كنت أسأله لماذا؟ يجيب أن هذه المرتبات مسئوليتى وهم يعتمدون عليها فلا يمكن تأخيرها ولو ليوم واحد.
■ ما الأزمات التى واجهها فى حياته؟
- من أكبر الأزمات فى حياته عندما أرادت الدولة أن تأخذ منه مسرح الزمالك سنة ١٩٧٤، بعد النجاح الذى حققه، وبعد أن كان هذا المسرح لا يعرفه أحد، إلا بعدما أصبح مسرح محمد عوض، الذى أخذه رغم تحذيرات أصدقائه من الفشل، وبعد أن طمع عدد من زملائه فى هذا المسرح، وتنافسوا للحصول عليه خلال مناقصة، فاضطر لدفع مبالغ كبيرة نظير الإيجار الذى أخذ يتصاعد حتى وصل إلى مليون جنيه، وكانت أزمة شديدة، فلم يكن ينام وهو يشاهد محاولات هدم كل ما بناه، ولا يعرف كيف يوفى هذه القيمة فى وقت كان سعر التذكرة جنيهان، ووسط كل هذا كان يقاوم وينجح، وكانت الأزمة الثانية فى حياته عندما أصيب بـ«فيروس سى» والسرطان فى آخر ٨ سنوات من حياته.


■ فى رحلة مرضه.. هل كان يعمل؟
- كان مكتئبا بعد معرفته بمرضه، ولكنه كان يعمل لآخر يوم فى حياته، وقام ببطولة مسرحيتى «مساء الخير يا مصر»، و«صباح الخير يا مصر»، وقام ببطولة فيلم «أى أى» وهو يعانى من السرطان، وساعده المرض فى هذا الدور، حيث فقد جزءا كبيرا من وزنه، حتى إن ليلى علوى حملته فى أحد المشاهد، وفى أواخر حياته كان يفضل العزلة، وأراد أن يقيم فى بيت ريفى به مزرعة، لكنه عجز ماديا عن تحقيق هذا الحلم.
■ هل حصل والدك على حقه فى التكريم؟
- لم يأخذ حقه، ولم يذكر أحد من المؤرخين أنه الفنان الوحيد الذى صنع ١٠٠ مسرحية فى تاريخ المسرح العربى، وكلها مسرحيات لها قيمة، لكبار الأدباء، مثل: نجيب محفوظ، يوسف إدريس، على أحمد باكثير، يسرى الجندى، بالإضافة إلى عدد من مسرحيات الأدب العالمى، وشعر والدى بهذا النكران فى حياته، ولم يتم تقديره.
■ ماذا حدث يوم الوفاة؟
- أصيب والدى بغيبوبة ودخل على أثرها الرعاية المركزة، وعندما أفاق سألنى: «أنا فين؟»، فقلت له فى غرفة الرعاية المركزة، فقال: «اسمها إن عاش»، وضحك وقال: «لبسنى شراب علشان رجلى ساقعة، وروحوا شوفوا شغلكم وخللى بالك من جميلة»، وكانت الحفيدة الوحيدة التى رآها وارتبط بها جدا، ومات بعد خروجنا من عنده.