السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

بينيديتو كروتشه.. فيلسوف الفن

بينيديتو كروتشه
بينيديتو كروتشه
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ولد الفيلسوف والناقد الإيطالي بينيديتو كروتشه، الذي تحل ذكرى ميلاده اليوم 25 فبراير، في بسكا سيرولي عام 1866، وكان منذ طفولته يحب المطالعة فيقرأ كل ما يقع تحت يديه، وكان مولعًا بقراءة الروايات بشكل خاص، فما إن بلغ التاسعة من عمره حتى كان قد قرأ أمهات الآثار الأدبية الإيطالية.
وكان كروتشه يحب الفنون والآثار القديمة، وكانت أمه تغذي فيه هذه الميول، فتصحبه إلى كنائس نابولي، وتقف معه أمام روائع اللوحات الفنية، وكانت عاطفته الدينية قوية، حتى لقد كان يتقشف ويفرض على نفسه أنواعًا من الحرمان، وكان يؤنب نفسه على أنه لا يحب الله محبة خالصة من الرهبة، فقد كان شبح جهنم يرعبه كثيرا.
وقضى طفولته المبكرة في نابولي، وكان أبواه من ملاك الأراضي، وتوفيا في هزة أرضية عام 1883 فتركاه طفلًا يتيمًا ثريًا.
وشغل كروتشه منصب وزير التربية مرتين وكانت ثانيتهما ضمن حكومة التحرير، وذلك فهو خلافًا لصديقه الكاتب المثالي اللامع جيوفاني جانتيلي، الذي خدم الفاشيستية.
وظل كروتشه وفيًا لآرائه في الحرية والديمقراطية، وتعد سنة 1903 هامة في حياته، إذ ظهر له خلالها أول عدد من مجلة النقد، وهي المجلة التي كانت تحبر معظم مقالاتها بقلمه، إذ أن تلك المجلة كانت ذات تأثير كبير على الحياة الفكرية الإيطالية، حيث إن اهتمامها لم يكن منصبًا على الفلسفة وحدها بل كان يتعداها إلى التاريخ وتاريخ الفن والأدب ومسائل السياسة. 
ويمكن القول إن كروتشه، كان مؤرخًا للفن وناقدًا أدبيًا أكثر منه فيلسوف. إلا إن ذلك لن يمنعه من إصدار كتاب شامل أسماه فلسفة الروح، وتضمن هذا الكتاب دراسات في علم الجمال وعلم الأخلاق إلى جانب فلسفة تطبيقية وفلسفة للتاريخ. 
وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى، اشتعل كروتشه غضبًا ورأى فيها نزاعًا اقتصاديا يوقف تطور العقل الأوربي ونموه، وأن الواجب يقضي بمنعها، وإنها جنون وانتحار على الرغم من إن الضرورة دفعت بإيطاليا إلى الدخول في الحرب بجانب الحلفاء. 
وبقي كروتشه بمعزل عن قومه وأصبح مكروهًا منهم، لكن إيطاليا صفحت عنه وغفرت له موقفه، ورأي الشباب فيه مرشدًا مستقيمًا وفيلسوفًا وصديقًا، وأصبح لهم بمثابة المعهد العلمي الذي لا يقل أهمية في توجيهه عن الجامعات. وقد قيل عنه أن تفكيره سيبقى أعظم غزو فكري للفكر المعاصر. 
رأى كروتشه أنه لا ينبغي الخلط بين الفن وبين المعرفة الجمالية التصورية، فالفن ليس سوى نشاط الروح، والجمال غير موجود في الطبيعة؛ لأن الجمال والفن فكرة واحدة من الممكن التعبير عنهما بلفظين مختلفين، وعلم الجمال هو العلم الذي يدرس تجلي الروح في جميع مظاهره والذي تعبر فيه الروح عن نفسها في أمثلة جزئية مجسمة، وليس المعنى الأخلاقي أو الديني في الأثر الفني هو الذي يُكّون الجمال، لأن الجمال لا يوجد فقط في المضمون، إنما في الشكل والمضمون معًا، وهذه الرابطة تقوم في العاطفة والخيال معًا، باعتبارها تركيبًا قبليًا للعيان الجمالي الحسي، ولا يوجد موضوع فني خارج الوحدة العضوية بين الخيال والعاطفة، والصورة الخالية من العاطفة هي شكل خاوٍ، وكذلك العاطفة من دون صورة هي مادة عمياء، فهنالك وحدة بين الخيال العقلي وبين التعبير عنه، فلا توجد صورة جميلة من دون ألوان وخطوط، كما لا توجد صورة موسيقية من دون نغمات وتوافقات، ويعتبر كروتشه أن الشعر هو الدرجة الأولى في الفن.
كان لفلسفة كروتشه الغنية تأثيرًا قويًا في الفلسفة الإيطالية والأوربية برمتها، واحتلت أعماله مكانة بارزة في كلاسيكيات مثالية القرن العشرين، فكان له أثر كبير في معظم من أتى بعده من المفكرين والفلاسفة.
ورحل كروتشا عن العالم في 20 نوفمبر 1952.