الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

القطن المصري.. "ذهب" مع الريح.. 2.4 مليون طن قطن في المخازن.. الزراعة: تخفيض المساحة المنزرعة 40.5%.. خبراء: سوء التسويق وعدم تطوير مصانع الغزل وراء المشكلة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل قرنين من الزمان، وتحديدًا في العام 1816، استجلب محمد علي، والي مصر آنذاك، بذرة القطن من الهند، لأول مرة إلى مصر، بعد اقتناعه برأي رجل فرنسي يُدعى؛ غوميل، بأهمية القطن كمحصول استراتيجي، وعصبًا في تأسيس مصر الحديثة.
ومُنذ ذلك الحين، ومصر أصبحت رائدة العالم أجمع في إنتاج الأقطان الفاخرة، وصناعة الغزل والنسيج، بعد إنشاء أول مصنع حكومي لها هو؛ "مصنع الخرنفش للنسيج" لحلج وكبس القطن، حتى تحول القطن من مجرد محصول تنتجه الأرض المصرية إلى سلعة زراعية ضرورية لمصانع الغزل والنسيج فى إنجلترا فى عهد الاحتلال الإنجليزي عام 1882.

93% من مجمل عائدات التصدير لـ"القطن"
وفي كتابه "أزمة الكساد العالمي الكبير وانعكاسها على الريف المصري"، ذَكَرَ الكاتب المصري علي شلبي، أن الحرب الأهلية في أميركا عام 1861، حرمت مصانع بريطانيا من القطن الأميركي، وهو ما أدى إلى زيادة إنتاج مصر من الأقطان حتى صارت عائدات القطن تمثل 93% من مجمل عائدات التصدير، ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك بفتح قنصلية لها في مدينة المنيا.
كما كان وصول القطن المصري الخام إلى مصانع الغزل والنسيج في بريطانيا، أحد أسباب الاحتلال البريطاني لمصر سنة 1882، ومع تصاعد الحركة الوطنية ضد الاستعمار عام 1927، قام بنك مصر في المحلة الكبرى بتأسيس شركة مصر للغزل والنسيج، وبعد ثورة يوليو 1952، التمس آيزنهاور، الرئيس الأمريكي آنذاك، من الزعيم جمال عبد الناصر، تقليل زراعة القطن المصري لمصلحة المزارعين الأميركيين.

من مليون فدان بداية التسعينات لـ200 ألف فدان في 2019
وعلى مدار تلك السنوات، ازدادت المساحة المزروعة من القطن في مصر تارة وتراجعت تارة أُخرى، فوفقًا لتقارير وزارة الزراعة فإن محصول القطن شغل 22.4 % من المساحة المنزرعة عام 1913، مقابل 11.5 % عام 1879، وزاد محصول القطن من مليون و818 ألف قنطار إلى 6 ملايين و250 ألف قنطار بين عامي 1884 و1908، كما ارتفعت قيمة الصادرات القطنية من 6 ملايين و424 ألف جنيه إلى 17 مليونًا و91 ألف جنيه أثناء الفترة نفسها، وهو ما يمثل 67 % من مجموع الصادرات عام 1884، و83 % عام 1906.
الجدير بالملاحظة، أن المساحة المزروعة من القطن انخفضت من مليون فدان بداية التسعينات من القرن الماضي إلى 131 ألف فدان العام الماضي، إلى أن وضعت الحكومة خطة لزيادة المساحة المزروعة بالقطن إلى 350 ألف فدان في 2018. كما وضعت الحكومة خطة لاستغلال الإنتاج المحلي للقطن باستهلاك 4.5 مليون قنطار بحلول عام 2020، حيث انخفض استهلاك القطن فى المصانع المصرية من 8 ملايين قنطار عام 2012 إلى 670 ألف قنطار خلال العام 2016.

الحكومة تتراجع عن خطة عودة الذهب الأبيض لمكانته

لكن يبدو أن الحكومة تراجعت عن خطتها لعودة تربع القطن المصري على عرش الأقطان العالمية مرة أًخرى، فقبل أيام، أعلن عزالدين أبوستيت، وزير الزراعة، خفض المساحات المستهدفة لمحصول القطن الموسم الجديد بنسبة 40.5%، لتصل إلى 200 ألف فدان فقط مقابل 336 ألف فدان تمت زراعتها الموسم الماضي، لعدم وجود مشترين له. 
وأضاف أبوستيت، في بيان، أن فائض محصول الموسم الماضي يُقدر بنحو مليون قنطار من إجمالي 2.4 مليونًا إنتاجية الموسم، موضحًا: "لم تُبع، ولم تُصدر، وبلغت تعاقدات التصدير 1.28 مليون قنطار، ما سبب هزة فى السوق للمزارعين وسعر الشراء". وتابع: "سنربط المساحات مع احتياجات المغازل، ولن نعتمد على التصدير وحده لتصريف الإنتاج، ولن تزيد المساحات مرة أخرى قبل ارتفاع الطلب المحلي، وسيتم توجيه الفلاحين إلى محاصيل أخرى مثل البنجر".

بداية الانتكاسة والخروج من البورصة العالمية للأقطان

في البداية، يرى الدكتور سعيد خليل، رئيس قسم التحوّل الوراثي بمركز البحوث الزراعية، أن تصريحات وزير الزراعة، بخفض المساحة المزروعة بالقطن، في الموسم الجديد، إلى 200 ألف فدان، تُعتبر انتكاسة ثانية للقطن المصري بعد الأمل الذي دب في قلوب كثير من الفلاحين بأن تزيد المساحة إلى 600 ألف فدان، بتعليمات القيادة السياسية. ويُتابع: "الانتكاسة الأولى للقطن كانت في العام 2013/2014 والتي أدت إلى خروج مصر من سوق القطن العالمي".
ويعّول خليل، في تصريح لـ"البوابة نيوز"، انهيار القطن المصري خلال السنوات الماضية إلى القرار جمهوري رقم 210 لسنة 1994 والذي ينص على فك منظومة القطن المصري، وقرارًا آخر بإلغاء بورصة القطن صدر في نفس العام. ويُكمل: "من وقتها تفرق دم القطن المصري بين ما يزيد على 18 وزارة وهيئة حكومية مُختلفة، فتفرقت مسئولية الذهب الأبيض الذي تربع على عرش الأقطان لمدة تبلُغ 181 عاما، وأضحي الخاسر الوحيد هو الفلاح المصري".
وتساءل خليل: "كيف لا نستطيع تسويق 2 مليون قنطار، في حين أن مصر كانت تسوق ما يزيد على 10 مليون قنطار في السابق؟". منوهًا بأن سوء الإدارة السبب الرئيسي في عدم قدرة تسويق الذهب الأبيض المصري. ويُتابع: "الحل دائمًا يكمن في التقارير التي يكتبها أساتذة الزراعة المصرية، كُل في تخصصه، وعلى رأسهم خبراء معهد القطن التابع لمركز البحوث الزراعية".
يقول المهندس حسام رضا، الخبير الزراعي، إن خفض المساحات المزروعة بالقطن بنسبة 40.5% يُعد فشلًا زريعًا لوزير الزراعة الحالي، نتيجة لسياسات زراعية سيئة بدأت في عهد وزير الزراعة السابق يوسف والي. ويوضح: "هؤلاء يدعمون المزارع الأمريكي، لأن كل قنطار يخرج للتصدير من مصر يقابله قنطار يدخل إليها من القطن الأمريكي الأقل جودة والأكثر سرعًا، كما أن أمريكا تدعم مُزارعي القطن لديها بحوالي 40 مليار دولار سنويًا لزيادة صادراتهم".
ويُضيف لـ"البوابة نيوز": "نستورد الأقطان قصيرة التيلة من أمريكا واليونان وأوكرانيا مُنذ أن أوقفنا تحديث مصانع المحلة للغزل والنسيج بأوامر من البنك الدولي سنة 1986، كما أننا فشلنا في تسويق القطن المصري ذائع الصيت في العالم أجمع، بسبب عدم وجود خطة متكاملة من الزراعة والصناعة والاستثمار".
ويُشير رضا، إلى أن مصر تستورد بمبلغ يصل نحو 22 مليار جنيه سنويًا زيوت مصنوعة من الأقطان، رديئة ومهندسة وراثيًا، في حين أننا نغفل مُخلفات بذرة القطن المصري التي تُنتج نحو 20 لترا من الزيوت والمُخلفات الأخرى التي تستخدم كأعلاف للمواشي. مُضيفًا: "الحل في منظومة مُتكاملة لزراعة القطن المصري، وتطوير مصانع الغزل والنسيج التي تستوعب 32% من العمالة المصرية".

منظومة مُتكاملة للتربع على عرش الأقطان

ويقول الدكتور أحمد الخطيب، أستاذ الاقتصاد الزراعي بمركز البحوث الزراعية، أن وزارة الزراعة لا تملك إمكانية زيادة أو خفض المساحة المزروعة بالقطن أو أي محصول آخر لكنها تتخذ من السياسات السعرية التي تضعها ما يُشجع المزارعين على تقبل أو زيادة المساحة من محصول معين. موضحًا: "الطريقة الزراعية المتبعة في مصر مُذ عام 1990 وحتى الآن، أن المزارع حر في زرعة ما يشاء".
ويُتابع لـ"البوابة نيوز": "القطن محصول استراتيجي، والمفروض أن الحكومة تتخذ من السياسات ما يُشجع ويحفز المزارع على زراعة هذا المحصول، ويوفر زيادة الطلب التصديري له". منوهًا بأن أسعار الأقطان المستوردة أرخص من المحلية كون تكاليف الإنتاج في مصر مُرتفعة كما أن الأصناف المصرية الأفضل عالميًا.
وشدد الخطيب، على ضرورة تطوير شركات الغزل والنسيج وإلحاق أحدث التكنولوجيا بها، بما يمكنها من الاعتماد كليًا على أصناف القطن المصري طويل التيلة وفائق الطول، فضلًا عن؛ منظومة متكاملة من وزارات؛ الزراعة والتجارة والصناعة والاستثمار لوضع خطط مُحددة لتسويق المُنتج المصري.