الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس سهيل سعود يكتب: الحب الأعظم

القس سهيل سعود
القس سهيل سعود
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«ليس لأحد حب أعظم من هذا» من المناسبات الشبابية التى دخلت إلى مجتمعنا الشرقي، مناسبة يوم فلانتين أو «عيد القديس فلانتين» فى 14 فبراير. فمن هو القديس فلانتين؟ يخبرنا التاريخ أن هناك قديسين أو ثلاثة باسم فلانتين، أحدهم كان أسقفا، وآخر كان كاهنًا استشهد فى أفريقيا عام 269 ميلادية. لكن لا شيء معروف عن فلانتين سوى الاسم الذى لم يرتبط فى التاريخ القديم بالتعبير عن مشاعر المحبة والرومانسية كما هو اليوم. كثرت الأساطير حول هذا القديس. من هذه الأساطير، أن الإمبراطور كلوديوس الثانى، وكيما يحافظ على قوة وبسالة جيشه أصدر أمرًا منع فيه زواج الجنود كى يبقى على اهتمامهم بمتطلبات الجيش، وليس متطلبات العائلة، إلا أن الكاهن فلانتين رفض الامتثال لهذا القرار، وأصرّ على إقامة مراسيم الزواج سرًا للشباب، إلى أن اكتشف الإمبراطور الأمر وأوقفه وأودعه السجن. إن الارتباط، ربما الأول لاسم فلانتين بمشاعر الحب والرومانسية، ابتدأ فى القرن الرابع عشر مع الشاعر والكاتب الإنجليزى جيفرى تشوسر، إذ ألّف عام 1382، قصيدة بمناسبة الاحتفال بالذكرى الأولى لخطوبة الملك الإنجليزى ريتشارد الثانى على خطيبته آن، واللذين تزوجا عن عمر 15 سنة، فكانت القصيدة بعنوان «فى يوم فلانتين، يختار العصفور صديقته». وأيضًا ربط بين الاسم فلانتين ومشاعر الحب، الكاتب وليم شكسبير والكاتب الإنجليزى جان دان، وغيرهما. استنادا إلى هذه الخلفية الممتزجة بعوامل تاريخية وأسطورية وأدبية، يحتفل الشباب والشابات وبعض العائلات بعيد فلانتين، فيتبادلون الورود الحمراء وبطاقات المعايدة للتعبير عن مشاعر الحب والاهتمام ببعضهم البعض. وهو لا شك، أمر جميل جدا أن يعبّر الإنسان عن حبه للآخر.
إن مناسبة الحب هذه فتحت باب أفكارى للتأمل فى أسمى وأعظم حب فى الوجود، أشار إليه الرب يسوع المسيح بقوله «ليس لأحد حب أعظم من هذا، أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه» (يو 15: 13). يقول اللاهوتى بول تيليخ: «من طبيعة المحبة أنها تفتش عن من تشاركه، لتعبّر عن حقيقة نفسها له». وهذا القول يلخّص كل مفهوم الإيمان المسيحى حول محبة الله. ومفاده، لأن الله أحبنا، فهو أرسل ابنه يسوع المسيح ليشاركنا محبته، ويعبّر عن حقيقة محبته لنا، فى وضع يسوع المسيح نفسه على الصليب لأجل أحبائه البشر. تختلف محبتنا الفلانتية لبعضنا البعض، عن محبة الله لنا، فى كون محبة الله لنا، مجرّدة عن أى استحقاق أو غاية أو مصلحة شخصية، إذ لا تنتظر من المحبوب أى شيء سوى تبادل المحبة. وبالتالى عندما نحب بتجرّد ودون مصلحة، فإننا نقترب من الله أكثر فأكثر. يقول القديس كليمنص الإسكندرى «عندما نحب، نصير شركاء مع الله».
فى رسالته إلى أهل كورنثوس الإصحاح الثالث عشر، يصف الرسول بولس بكلمات لم تنطق من قبل ولن تنطق من بعد، طبيعة محبة الله التى تنسكب فى قلوبنا بالروح القدس. ونحن بحاجة للامتلاء من روح الله كيما نمارسها فى حياتنا. يذكر الرسول بولس لائحة مؤلفة من (15) ميزة سامية، تتميز بها المحبة الصادقة التى يسكبها الله بالروح القدس فى قلوبنا، وهى تشكّل الإطار الصحيح لعلاقات المحبة التى يجب أن تسود فى عائلاتنا، وتميز شهادتنا وسلوكنا المسيحى فى مجتمعنا الذى نعيش به. 7 من هذه الميزات هي، لاءات ترفض المحبة ممارستها، لكى تعبّر عن نفسها بصدق. وباقى الميزات تمارسها، كيما تحافظ المحبة على طبيعتها كمحبة.
اللاءات السبعة التى تتجنّبها المحبة، لتعبّر عن نفسها بصدق:
الحسد «المحبة لا تحسد» (عدد 4). التفاخر والانتفاخ والكبرياء «المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ» (عدد 4). التقبيح والاحتقار «المحبة لا تقبّح» (عدد 5). الأنانية والطلب ما للنفس «المحبة لا تطلب ما لنفسها» (عدد5). الحدّة والغضب الذى لا يصنع بر الله «المحبة لا تحتدّ» (عدد 5). ظن السوء «المحبة لا تظن السوء» (عدد 5). والمعنى الأساسى فى الأصل اليونانى لعبارة «المحبة لا تظن السوء»، هو المحبة لا تحفظ سجلًا بالأخطاء. الفرح بالإثم «المحبة لا تفرح بالإثم» (عدد 6).
أما الميزات الباقية التى تمارسها المحبة، لتحافظ على حقيقة نفسها، هي:
التأنى والرفق والاحتمال والصبر «المحبة تتأنى وترفق» (عدد 4)، «المحبة تحتمل كل شيء، تصبر على كل شيء» (عدد 7). الفرح بالحق: «المحبة لا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق» (عدد 6). الصدق: «المحبة تصدّق كل شيء» (عدد 7). الرجاء: «المحبة ترجو كل شيء» (عدد 7).
أعزائى القراء، فى الوقت الذى يحتفل فيه الكثير من الشباب والصبايا «بفلانتين» عيد الحب، دعونا نأخذ من محبة الله، مثالا لنوعية المحبة التى نحتاجها فى حياتنا. فمحبة الله، هى بالحقيقة الفلانتين الحقيقى لكل الذى يريدون أن يتعلّموا ويعرفوا كيف يكون الحب الحقيقي، الذى يصنع فرقا فى حياتنا وعائلاتنا ومجتمعاتنا التى هى بأشد الحاجة إلى المحبة الحقيقية.