الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ماذا في جعبة السيسي لأفريقيا؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ربما تساءل بعضهم عما يمكن للرئيس عبدالفتاح السيسى تقديمه لأفريقيا بكل ما تواجهه من تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة، علاوة على الصراعات الداخلية، ومشكلات الإرهاب، بينما بلاده لا تزال تمر بمرحلة إعادة بناء وإصلاح نظامها الاقتصادى والسياسي، بخلاف ما تعانيه من مشكلات اجتماعية، ناهيك بانهماكها فى التعامل مع ملفات إقليمية ودولية متشعبة لا تبدأ بجارتها غير المستقرة ليبيا، كما لا تنتهى عند القضية الفلسطينية والأزمتين السورية واليمنية، وتمتد إلى التحرشات الإيرانية بمنطقة الخليج، وإلى شرق المتوسط؛ حيث تعمل على تدشين منتدى للغاز يجعلها مركزًا إقليميًا للطاقة، ويعزز من أدوارها الحيوية على المستويين الإقليمى والدولى فى ظل سعى أطراف معادية لإجهاض هذا المنتدى، والعمل ضد المصالح المصرية فى المنطقة.
كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى التى افتتح بها أعمال القمة الـ«٣٢» للاتحاد الأفريقى، يؤكد مضمونها أمرين مهمين، أولهما أن الدولة المصرية كما استطاعت إلغاء قرار تجميد عضويتها فى الاتحاد بعد ١١ شهرا فقط، استطاعت أيضا تجاوز العديد من أزماتها السياسية داخليا وخارجيا، وتمكنت من وضع قدمها على أول الطريق الصحيح لمعالجة مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية، من خلال استراتيجية وطنية مستدامة، وثانيهما أن الإدارة المصرية الحالية تتبنى منهج العمل بالمسارات الموازية، أى أنها تقتحم جميع الملفات الملحة فى آن واحد، ولا تقوم بترحيل هذا الملف أو ذاك لحين الانتهاء من ملفات أخرى، لأنها جاءت فى فترة كان فيها كل شىء على حافة الهاوية، بسبب سنوات الفوضى التى تلت يناير ٢٠١١، وسوء إدارة التنظيم الإرهابى لشئون البلاد خلال فترة حكم المخلوع مرسي.
العودة إلى أحضان أفريقيا المجال الحيوى والعمق الاستراتيجى للدولة المصرية، كان من الملفات الملحة بسبب إهماله لأكثر من ثلاثة عقود متتالية، ولا يقل فى أهميته عن ملفات سكان العشوائيات والمناطق الخطرة والإصلاح الاقتصادى والتعليمى والصحى، وتثبيت أركان الدولة، لذلك ذهب الرئيس السيسى إلى قمة يونيو ٢٠١٤ بوكالة التنمية المصرية المعنية بالعمل مع الدول الأفريقية. ورغم الخيارات الكثيرة التى كانت متاحة للإدارة المصرية الجديدة بالتعامل مع أزمة سد النهضة، إلا أنها تمسكت بخيار التعاون مع الجانب الإثيوبى والدخول فى مفاوضات شاقة لإنهاء الأزمة، حتى تتمكن من مد جسور الثقة مع باقى الدول الأفريقية، سواء تقع فى إطار دول شرق أفريقيا وحوض النيل، أو وسط وجنوب القارة السمراء.
نجاح الدولة المصرية فى إدارة هذا الملف رغم خطورته على الأمن المائى المصرى بأدوات السياسة الهادئة وتبنيها منهج العمل على تحقيق مصلحة جميع الأطراف كان فى رأيى الخطوة الأولى فى مسار العودة إلى أحضان أفريقيا، فالجميع كان يراقب وعن كثب الأداء المصرى، وشيئا فشيئا تفاعل مع جسور الثقة التى راحت الدولة تمدها فى أنحاء القارة من خلال أذرعها ومؤسساتها عبر مشروعات تنموية مشتركة فى مجالات الطرق والزراعة والرى وبناء السدود، وفى ذات الوقت دأبت أجهزة الدولة على إعداد البرامج والخطط لتفعيل مختلف أشكال التعاون عبر آليات تنفيذية واضحة تبلورت فى منتدى أفريقيا بشرم الشيخ ديسمبر الماضى، لتعلن الدولة عن استراتيجيتها للتعاون مع كافة دول القارة، ورؤيتها لتحويل هذا التعاون من ثنائى أو متعدد عبر التجمعات الاقتصادية الأفريقية المختلفة إلى تعاون قارى فى إطار الاتحاد الأفريقي. وقد تجسدت خطة الدولة فى تدشين صندوق لضمان مخاطر الاستثمار فى أفريقيا من أجل تشجيع المستثمرين المصريين، وحثهم على ضخ أموالهم فى المشروعات التنموية داخل مختلف دول القارة، كما أعلنت عن تدشين أكاديمية لتدريب الشباب الأفريقى فى المجالات المختلفة، ومركز لتوطين التكنولوجيا وتدعيم البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، من أجل تدعيم الاقتصاد الرقمى أو المعرفى داخلها، ووضعت رؤيتها لتعزيز هذا التعاون من خلال الاتحاد الأفريقى عبر إعلان البدء فى تفعيل مشروع الربط البرى بين القاهرة وكيب تاون عاصمة جنوب أفريقيا والمشروعات المماثلة. كل ذلك الجهد أسفر عن استراتيجية العمل الأفريقى المشترك التى أعلنها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته، والقائمة على التكامل من خلال مشروعات بنية تحتية عابرة للحدود، والربط البرى بين دول القارة والبحر المتوسط وبحيرة فيكتوريا، والاندماج من خلال منطقة للتجارة الحرة. غير أن اللافت أن هذه الاستراتيجية عكست ثبات الرؤية المصرية تجاه عمقها الأفريقى، فكما دعم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حركات التحرر الوطنى فى أفريقيا من الاستعمار الأجنبى، ها هو الرئيس السيسى يجعل عماد استراتيجية الاتحاد الأفريقى بناء الدولة الوطنية المستقلة التى تملك برامج التنمية تماما، كما تملك المشكلة، وتعزيز أركان هذه الدولة لتفرض هى حلولها لمشكلاتها فى مواجهة الأساليب المبتكرة والمعاصرة للاستغلال بحسب تعبير الرئيس، وبعبارة أخرى فى مواجهة الاستعمار الأجنبى بثوبه الجديد. الاستراتيجية المصرية تؤكد ضرورة أن تفرض أفريقيا الحلول التى تناسب خصائص القارة، وخصوصية كل دولة على حدة، وعلى منظمات التمويل العالمية وباقى الأطراف الدولية أن تدرك أن عملها فى أفريقيا من الآن فصاعدا سيكون فى إطار شراكة تحقق المصالح المشتركة لا مصلحة هذه المنظمة أو تلك الدولة دون أدنى مراعاة لمصالح أفريقيا ودولها. اللافت أيضا فى هذه الاستراتيجية، أنها وضعت عدة قواعد وآليات تضمن عامل الاستدامة بالتعامل المستمر مع الأزمات داخل القارة، حتى لا تتعرض للانتكاس مرة أخرى، وأنها جعلت من التنمية بكل صورها الاقتصادية والفكرية والمعرفية والسياسية سلاحا رئيسيا للقضاء على الصراعات الداخلية ومواجهة خطر الإرهاب، وستكون النسخة الأولى لمنتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة، أول خطوة لترسيخ هذه القاعدة.
مجمل الاستراتيجية التى أعلنتها مصر يؤكد أن أمام الاتحاد الأفريقى فرصة حقيقية، ليكون أقوى وأهم منظمة إقليمية عرفها تاريخ العالم الحديث، فالمشكلات والصراعات التى تعانيها الدول الأفريقية أقوى شىء ممكن أن يجمع إرادة هذه الدول لمواجهتها فى إطار رؤية العمل التى وضعتها الدولة المصرية للاتحاد الأفريقي، وفى طنى أن أغلب دول القارة تعى جيدا أن ما تعانيه من صراعات ومشكلات وأمراض وفقر وإرهاب كفيل بتوحيد إرادتها لفرض الحلول الأفريقية، لا سيما أن التدخلات الأجنبية والشراكات المزعومة السابقة لم تنجح فى إنهاء أى من تلك الملفات إن لم تكن قد عملت على تكريسها، وأن هذا الوعى سيدفعها للعمل فى إطار استراتيجية التكامل والاندماج، ما سيساعدها على الفوز بمقعدين دائمين فى مجلس الأمن بمجرد مضيها فى اتخاذ الخطوات الأولى فى مسار تنفيذ هذه الاستراتيجية.