الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نداء إلى نقيب الموسيقيين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تلقيت منذ أيام مكالمة تليفونية محزنة.. لم أتعرف فى البداية على صوت المتصل، ربما لأننى لم أسمعه منذ سنوات طويلة، وربما لما أصابه من كبر ومرض.. كان المتصل أحد العازفين الكبار، والذى كان يعمل منذ سنوات فى أعرق وأرقى كيان فنى فى مصر «أوركسترا القاهرة السيمفونى».. ولكن بعد صدور قرار عام 2011 بعدم تجديد التعاقدات بعد سن الستين، تم الاستغناء عنه مع اثنين آخرين!!.. ورغم مكاتباتنا ومطالباتنا لكل المسئولين آنذاك، بالإبقاء عليهم، لعدة أسباب: أولا لأن الفنان لا يخضع لنفس معايير العمل الإدارى، طالما لديه القدرة على العطاء، وخاصة أن مجال العزف الكلاسيكى يتسم بندرة العاملين به، وبالتالى يتم الاستعانة بعازفين أجانب يتقاضون ضعف ما يتقاضاه العازفون المصريون!!.. ثانيا لأن العاملين بالأوركسترا وفقا للتعاقد ليس لديهم معاشات أو تأمينات، وبالتالى كان القرار مجحفا لهم، لأن هذا القانون لا ينطبق إلا على المصريين فقط، وبالتالى لم يطبق على الأجانب الذين تجاوزوا الستين وتم الإبقاء عليهم!!..ولكن للأسف باءت المحاولات بالفشل، وانقطعت أخبار الزملاء الكبار مع مرور الأيام!!.. وخاصة أننى تركت الأوركسترا منذ سنوات، حتى فوجئت بصوت الزميل العزيز، الذى اتضح أن سبب اتصاله، احتياجه الشديد لمساعدة مالية، بسبب ظروفة الصحية التى اضطرته لإجراء عملية جراحية، وتتطلب إجراء عملية أخرى!!..ورغم أن تكاليف العملية ليست باهظة، حيث من المفترض أن تتكلف 14 ألف جنيه، والنقابة تتحمل جزءا من المبلغ، إلا أنه ليس لديه ما يكفى لإجرائها.. وأخبرنى بأنه حاول الاتصال بالكثيرين.. وللأسف البعض تهرب، والبعض وعد ثم اختفى، ولم يساعده سوى ثلاثة أشخاص فقط!!..وكانت دموعه تسبقه وهو يتحدث بانفعال، قائلا: «ساعدونى ولا عايزنى أشحت!!».. لم أتمالك دموعى بعد المكالمة، فهذا الرجل الفاضل أحد القلائل الذين تلقوا تعليما موسيقيا راقيا، يمكنه من ممارسة الموسيقى الكلاسيكية فى أكبر صرح فنى وثقافى، ولمن لا يعلم فالموسيقى الكلاسيكية أحد أصعب المجالات، التى تحتاج جهدا كبيرا وتدريبا مستمرا، وبالتالى هذا الفنان أفنى حياته فى تعلمها وممارستها، ولم يكن لديه مجال عمل آخر.. ولكن لأن الأوركسترا فى ذلك الوقت، لم يكن يخضع للتأمينات والمعاشات فقد انتهى دوره، دون الحصول على أدنى الحقوق التى توفر له حياة كريمة!!..ولم يعد لديه سوى المعاش الذى يتقاضاه من نقابة الموسيقيين!!..وهو بالطبع لا يكفى متطلبات الحياة، وخاصة بعد موجات الغلاء الأخيرة!!.. لم تكن حالة الزميل الكبير فقط ما دفعنى للكتابة، بل أيضا حالات الكثيرين كبارا وصغارا، والذين لم يكن لديهم عمل ثابت، وبالتالى ليس لديهم تأمينات ومعاشات فى حالة المرض!!.. فقد تألمت أيضا بخبر إصابة زميل دراسة بالكونسرفتوار بالسرطان، ورغم أنه ما زال فنانا شابا، إلا أن مرضه أفقده القدرة على العمل تماما، ولم يعد لديه أيضا سوى معاش النقابة والمساعدات التى يقدمها زملاؤه إذا سمحت ظروفهم.. والمشكلة الأكبر هى نفقات العلاج والعمليات الجراحية، لأن النقابة تتحمل فقط جزءا من العلاج، ولا تتكفل برعاية صحية كاملة!!.. فماذا يفعل هؤلاء الفنانون الذين قضوا سنوات عمرهم - طالت أم قصرت - فى قاعات التدريب والدراسة حتى يتمكنوا من ممارسة أرقى أنواع الفنون؟!..وغيرهم الكثيرون من فنانى الباليه والسينما والمسرح والسيرك..إلخ.. فهل ينتهى بهم الحال وهم يتسولون المساعدة من زملائهم للعلاج!!.. لذلك أتوجه للفنان/هانى شاكر نقيب الموسيقيين، وكل المسئولين فى نقابة المهن الموسيقية، وللمخرج الكبير/عمر عبدالعزيز رئيس اتحاد النقابات الفنية، لإيجاد حل لهؤلاء الزملاء، الذين ليس لديهم دخل ثابت، أو ليسوا معينين فى أى جهة حكومية، والتكفل بعلاجهم كاملا على نفقة النقابة، أو السعى لعلاجهم على نفقة الدولة، فلا يصح أن نتركهم يمدون أيديهم طلبا للمساعدة، والتى قد لا يتمكنون حتى من طلبها لظروفهم الصحية!!..فلنرحمهم ونعفهم عن السؤال وذل الحاجة، سواء بزيادة الاشتراكات والرسوم المقررة من أعضاء النقابات، أو توفر النقابة من ينوب عنهم فى المطالبة بحقوقهم، ومخاطبة وزارة التضامن الاجتماعى أو الجهات التى عملوا بها سابقا.. أعلم أن المسئولين فى النقابة سعوا خلال الفترة الماضية، لتحسين المعاشات، والتى زادت لخمس مرات خلال العامين السابقين، ووصلت لستمائة جنيه تقريبا، كما رفعوا النسبة التى تتحملها النقابة فى العمليات الجراحية، وبعد أن كانت النقابة تتحمل 2000 جنيه فقط كحد أقصى، أصبحت تتحمل 25 ألفا فى العمليات الكبرى، ولكن تظل النقابة تتحمل جزءا محددا فقط من نفقات العلاج أو العمليات الجراحية.. وبالطبع مهما بلغ المعاش ومهما زاد، لن يكفى مصاريف العلاج والعمليات والأدوية.. عافانا الله من شر العوز والعجز والمرض، فكلنا معرضون لولا رحمة الله.. وعجبا لمن يأمن تقلبات الدهر وتغيرات الأيام، فكما يقول الزاهد أبوعمران الأندلسي: 
«يا غافلا عن صروف الدهر فى سنة، والــــدهـــــر يــــوقـــــظ بــــالآيـــــات والـــعـــبــــر.. كـــــم ذا تــنـــام وعــيـــن الــدهـــر ســـاهـــرة، لــــــه حــــــوادث فــــــى الـــغــــدوات والــبــكـــر.. لا تـأمــن الـدهــر واحـــذر مـــن تـقـلـبـه، شـيـمــة الــدهـــر شـــــوب الـصــفــو بـالــكــدر».