الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الرئيس وسؤال الحرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ماذا يقصد الرئيس عبدالفتاح السيسى عندما يطالب الغرب بالنظر إلى الأوضاع فى بلادنا بعيون مصرية؟! هل يعنى تركيز السيسى فى أغلب أحاديثه وتصريحاته الصحفية على متطلبات التنمية الاقتصادية ومشكلات البطالة والتعليم والصحة والزيادة السكانية، وغياب قضايا السياسة وحرية الرأى والتعبير عن أجندة اهتماماته وأولوياته كرئيس؟!
هذا النوع من التساؤلات يطرح عقب كل مقابلة صحفية يجريها الرئيس السيسى مع إحدى المؤسسات الصحفية الأجنبية أو مؤتمر صحفى يجمعه مع أحد الرؤساء الغربيين، وقد تكون خلفيات إجابات الرئيس ليست واضحة كفاية بالنسبة للصحفيين الأجانب، الذين يجهلون حقيقة الأوضاع الداخلية فى مصر، أو أنهم قد لا يستطيعون تفهمها بسبب انتمائهم لبيئة اجتماعية وسياسية وثقافية مغايرة، علاوة على الدور الذى تلعبه العناصر المعادية للدولة المصرية الهاربة فى أنقرة وبعض العواصم الأوروبية التى تستغل مثل هذه المناسبات للزج بهذا النوع من التساؤلات سعيا لتشويه النظام المصرى وإظهاره مستبدا ومعاديا للحريات، ومنتهكا لحقوق الإنسان ولا يرى أن التنمية السياسية أحد شروط ومتطلبات النمو والتقدم، شأنها فى ذلك شأن التنمية الاقتصادية.
يغيب عن هؤلاء أن الدولة المصرية عرفت أول برلمان فى منطقة الشرق الأوسط عام 1866، وعاشت تجربة حزبية وصحفية عريقة عمرها أكثر من قرن ونصف من الزمان.
إذًا، ما الخلفيات التى جعلت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تغلب على خطاب الرئيس؟! لنتأمل ردود السيسى فى المؤتمر الصحفى الذى جمعه مع إيمانويل ماكرون، لقد قال بالحرف الواحد «مصر مش هتعيش بالمدونين»، وربما تكون هذه الكلمات مفتاح بوابة تلك الخلفيات.
المدونون كانوا ولا يزالوا أحد الأعراض الدالة على الأمراض التى أصابت الأحزاب السياسية المصرية، فكما كان لتشوهات النظام السياسى للرئيس الأسبق حسنى مبارك انعكاساتها السلبية على كافة مؤسسات الدولة، كانت أيضا لها انعكاساتها على الحياة الحزبية التى أصيبت بالعديد من الأمراض سواء بسبب عيوب النظام السياسى أو نتيجة لعيوب تخصها، المحصلة أن هذه الأحزاب عجزت عن القيام بأدوارها المنوطة بها، وفقدت تأثيرها المحدود أصلا، فكان من الطبيعى أن تظهر بدائل لها تجسدت فى ظهور حركات احتجاجية وجماعات غير قانونية إلى جانب ظاهرة المدونين، ولأن هذه الحركات وصفحات المدونين تعمل أصلا خارج أى إطار قانونى أنتجت أيضا خطابا سياسيا خارج الإطار الدستورى والقانونى، وللأسف هيمن هذا الخطاب على المجال العام، وبات السائد حتى فى الصحف وغيرها من وسائل الإعلام.
وسبق ظاهرة الائتلافات والحركات الاحتجاجية بما يزيد على عقد تقريبا نشأة مؤسسات المجتمع المدنى العاملة فى مجال حقوق الإنسان، ولأن أغلب مؤسسيها خرجوا من عباءة أحزاب فاشلة وعاجزة حولوا جمعياتهم ومؤسساتهم الحقوقية إلى منصات حزبية وسياسية، ليضيفوا إلى تشوهات النظام السياسى تشوهات أخرى أخطر وأعمق فى مفاهيم العمل الحقوقى والأهلي.
حيث ركزت أغلب تلك الجمعيات على ما تسمى بـ«الحقوق السياسية والمدنية» والقليل منها من عمل على ملف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وغلبت طريقة العمل الحزبى والأداء السياسى على أسلوب معظمها، إذ كانت تصدر بيانات سياسية أكثر منها حقوقية بشأن ما كانت ترصده من انتهاكات وغابت عن معظم بياناتها وتقاريرها وجهة النظر الرسمية، والردود الحكومية على ما تنشره من وقائع.
بل إن بعض تلك المؤسسات اشتبكت مع قضايا سياسية خارجية ليست فى نطاق عملها منها التنسيق مع مؤسسات أجنبية للضغط على الحكومة المصرية لفتح معبر رفح بالتظاهر وتنظيم الوقفات الاحتجاجية، وبعضها كان يسهم فى عمليات تهريب البضائع والأفراد عبر أنفاق سيناء، وكنت شاهدا على بعضها التى جرت فى عام 2008.
المفارقة أن قيم الديمقراطية بما تعنيه من تداول السلطة، قد غابت عن أغلب الأحزاب السياسية المعارضة ومؤسسات المجتمع المدنى الحقوقية التى كانت تطالب نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك صباح مساء بالعمل على تحقيق دولة مدنية ديمقراطية، فمعظم تلك الأحزاب والمؤسسات باتت معروفة بأسماء رؤسائها الذين لم يتغيروا منذ تأسيسها، وبعيدا عن الثروات التى تراكمت لدى أقطاب المجتمع المدنى، كانت الانتهاكات فى حق موظفى وعمال تلك المؤسسات ترتكب بشكل ممنهج بدءا من التلاعب بمستحقاتهم المالية، وصولا إلى الاستبعاد والفصل، الأخطر من ذلك أن الخطاب السياسى لمعظم تلك الأحزاب والمؤسسات المدنية قد تشبع بخطاب جماعة الإخوان الإرهابية المناهض بطبيعته للدولة المدنية، ودخلوا معها فى عدة تحالفات وائتلافات دون شروط مسبقة، خاصة بفكر الجماعة الدموى وتاريخها مع الإرهاب ومعاداة الحركة الوطنية المصرية.
الأخطر من ذلك كله أحدثت مؤسسات المجتمع المدنى الحقوقية، اختراقا خطيرا فى الخطاب الإعلامي، حيث بدأت تتحدث عن ظاهرة المواطن الصحفى الذى يقوم بتصوير واقعة ما ونقلها مباشرة عبر حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي، وإبداء رأيه فيها رغم افتقاده لمهارة وخبرة الصحفى المحترف فى تدقيق الخبر والفصل بين المعلومة والرأى، وشيئا فشيئا ساد هذا الأسلوب عبر مواقع التواصل الاجتماعى، ووجدت ما باتت تسمى بالصحافة ووسائل الإعلام التقليدية نفسها، مضطرة لاستخدام نفس المنهج فى مخاطبة جمهورها، وأصبحنا إزاء خطايا إعلامية وصحفية كارثية أصابت المجتمع بأثره بحالة من الاضطراب والسيولة.
صحيح أن أحزاب المعارضة لم تكن تؤسس مواقفها ضد سياسات حكومات نظام مبارك على معلومات أو دراسات علمية دقيقة، لكن هذه الحالة تكرست وأصبحت منهجا يستخدمه الكل، مستغلين جهل الجمهور بالتفاصيل، وقد أفرز هذا المناخ إعلاميين يتعاملون مع الشاشات التى يطلون منها باعتبارها منصات سياسية، ويرون أنفسهم زعماء سياسيين وخبراء فى علوم الاقتصاد والاجتماع والأمن القومي.
وأصبحنا أمام أحزاب لا تعرف الفارق بين المعارضة وبرامج وسياسات الحكومة، وبين المناهضة للدولة والتحريض عليها، وأصبحنا أمام إعلاميين لهم تاريخهم لا يميزون بين الرأى والمعلومة، بين المطالبة بتغيير قانون ما، عبر خلق رأى عام ضاغط على الحكومة والبرلمان، وبين التحريض على مخالفة القانون وعدم احترامه وانتهاك نصوصه.
من هذه الزاوية يهتم الرئيس بملف الحقوق السياسية والمدنية، لذلك نقترح على الرئيس الاجتماع مع قيادات الأحزاب السياسية والمؤسسات الحقوقية، وفتح حوار شفاف لاستعادة المفاهيم الضائعة وليس لإعادة اختراع عجلة العمل الحزبى والحقوقى مجددا.
ali.elfateh2017@gmail.com