الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مصر وفرنسا.. تاريخ ممتد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
72 ساعة كان العناق الحار بين عاصمة الحضارة وعاصمة النور.. عناق صادق بين عنوان قيم القارة الأفريقية والمنظومة الفرانكفونية والجسور الثقافية.
72 ساعة شكلت علامة فى صفحة السجل الوثائقى بين البلدين تحتضن ملامح أسطورية وتفجر ينابيع الارتواء عن المصادر التاريخية.
والحديث عما دار فى هذه الساعات خصص عائدًا متبادلًا بين الدولتين بما لهما من أدوار فاعلة على الساحة الدولية، فمهما تعرضت العلاقات لأزمات لكنها لم تغير مسارها من أجل الصالح الدولى والحملة الفرنسية لا يجب أن يتم تناولها بمنظور أحادى والموقع العبقرى لمصر وما زال، ودورها الفاعل والهرولة الدولية حول إمكانياتها وقدرتها، ورغم ذلك فإن الباب ظل مفتوحًا لدى الفكر المصرى ليثبت ذاته فقد كانت باريس هى (الفراندة) التى كانت تطل منها الرموز الثقافية المصرية على العالم الجديد منهم الإمام محمد عبدة ورفاعة الطهطاوى وطه حسين وتوفيق الحكيم ومن ساحة الجهاد الزعيم مصطفى كامل ومن الرواد الدعوة الإسلامية الشيخ عبد الحليم محمود وآخرهم الدكتور أحمد الطيب، وهناك بصمات راسخة بين البلدين ولكل مرحلة دلالتها العلمية.
والحديث عن (وصف مصر) تناولت الدراسة الأولى حيث وضع (البارون لاري) أحد كبار أطباء الجيش الفرنسى أمام موسوعة وصف مصر التى تعرف باسم (طبعة نانكوك) والتى صدرت بموجب مرسوم ملكى فرنسى بعهد لويس الثامن عشر وتم تغيير الاسم إلى (المصريون المحدثون)، وكان السلطان النارى بونابرت وكان يبلغ 29 عامًا ليضع نهاية للولاية العثمانية لكن لم يشكل فارقًا لمصر، فكانوا شهودًا لجيوش كثيرة من داريوس إلى الإسكندرية فقيصر إلى جيوش عمرو بن العاص، فقد بدأ بونابرت حلمه الشرقى فى مصر حيث قرر احتلالها فى 1798م وقاموا بعمليات مخابراتية قام فيها قنصل فرنسا وأجرى تبادل معلومات مع كارلو روزيتى الذى كان تاجرًا وقنصلًا للنمسا وتوصلت إلى أن مصر التى كانت تابعة لإسطنبول أى أنها لم تكن دولة بالمعنى السياسى التام، حيث لا يوجد سفير على أراضيها، فالأمر يقتصر على التمثيل فيها على القنصليات التى هدفها الدفاع عن مصالح المواطنين.
نشير إلى أن هذه الحقبة بدأت جذورها حين توجت بإرساء الإسكندرية عام 3232 ق. م ونظر الشعب للاسكندر على أنه صديق وحليف يحترم، وتوج نفسه على نهج الفراعنة وحمل اسم عين آمون، ورغم أن الحملة الفرنسية حملت السلاح والقلم ووقعت معارك، لكن يمكن أن يقال إن الحقبة الفرنسية استنسخت الحقبة المقدونية وشكلت فكرًا حضاريًا، ومع ذلك تم استدراك سياسى واستراتيجى فى الفكر الفرنسي، وتم مواجهة الإنجليز بضراوة ضد الوجود الفرنسى، لأن انتشار الإسلام على يد قائد فرنسى سوف يطرح معادلة جديدة، وجاء محمد على وكانت تربطهم علاقات عميقة وتتابعت هذه المدرسة بإشعاعها وتحققت فى قناة السويس، وبعد الثورة واجهت مصر بشجاعة قضايا حقوق الإنسان واللغة العربية والهوية العربية وجاء عهد الرئيس التاريخى شارل ديجول، الذى أعاد تصويب المسار مع مصر بمواقف الشجاعة كسياسى وفارس خالد بالتاريخ الفرنسي.
مصر دخلت الحقبة الماكرونية لأفريقيا من بوابتها الرئيسية لكى تحاول استعادة مكانتها والقيام بدور جيوستراتيجى فى سوريا بعد الانسحاب الأمريكى والوجود بشكل متوازن فى ليبيا وجاء التوقيت تسلم رئاسة الأفريقى بعد غياب ربع قرن من رواندا.
كما أن العاصمة الإدارية مسجدها وكنيستها يتعانقان كشاهدى صدق على الهوية الوطنية لمصر ولا نملك إلا أن نقول آخر كلمة قالها اللورد كرومر بعد عزله، «لم أجد فارقًا بين مسلم وقبطى فى مصر، غير أن أحدهما يصلى فى مسجد والثانى فى كنيسة» والتجارب تؤكد، ولا ننسى أن قادة الكنيسة اعتلوا المنابر فى مناسبات عديدة، وفى مقدمتهم منبر الأزهر الشريف، ولا ننسى كلمات الخالد مكرم عبيد، حين قال: «إننى مسلم وطنًا قبطى دينًا».
ولنا فى هذه الزيارة ملاحظة هامة ذلك أن مصر كما معروف عنها تاريخيًا أن أول اهتماماتها أن الحقوق متكاملة ومصر كمجتمع ليست لديها المقومات على إهدار هذه الحقوق الأساسية لكى تفرغ طاقتها لتحقيق رؤية أحادية تسرفها فى تحقيق رفاهية الجدل العقيم والتنابذ والتصادع دون جدوى وكل توجه فى هذه الاتجاه هو تبديد حقيقى لقدرات البلاد، وإذا تحدثنا عن المجتمع المدنى بمصر وزحام المؤتمرات وكثرة البحوث والجهد وفى تصورى أن حلقات الفكر المنظم من خلال المجتمع ليست فيض فليسوف فإن الحقوق الأساسية والطبيعية تتحول لمواقف وأساسيات وفى تصورى أن حملة «المليون صحة» أكثر إضافة لمجتمع يجيد فكرة وتماسك التجربة الإنسانية والكتلة الحضارية التى أجبرت الرئيس ماكرون لأن يشيد بما تم فى قلب العاصمة الإدارية.
وكان للرئيس السيسى موقف حينما قال بجرأة إنه يستلهم قراراته من إرادة الشعب باعتباره صاحب الكلمة أى أنه زاهد فى سلطة الحكم كهدف مؤكدًا أن هناك مسافة بين حرية الرأى وهدم الدول وأن التعددية هى جوهر فلسفة المنهج الواقعي، فإن مصر استعادت مكانتها الدولية من دور فاعل فى مختلف المجالات، فهناك أكثر من ثلاثين اتفاقية فى جميع المجالات فهذه الزيارة يمكن اعتبارها دخول العلاقات إلى دائرة المنطقة الدافئة المستنيرة لما تميزت به من تفاهم يضاف إليها الدعم الثقافى الإنسانى فى مختلف المجالات التنوير، ويكفى أن نستفيد من كلمات الرئيس شارل ديجول بكل ما يملك من تاريخ عسكرى وبطولة بأنه عندما استمع لصوت أم كلثوم قال بكل صراحة «لقد مس هذا الصور الرائع شغاف قلبي» ولا نعلم حتى الآن ما هو السر المصرى فى صوت سيدة الغناء العربى أم كلثوم التى نحتفل بمرور 44 عامًا على رحيلها وإشعاعها الذى نفذ إلى قلب مقاتل يتميز بالبطولة والشجاعة والشموخ والكبرياء الوطنى والعناد متمثلًا فى شخصية ديجول التاريخية التى نفذ إحساسه إلى قلبه فقال إننى رغم عدم معرفتى باللغة التى تتغنى بها إلا أنها نفذت إلى عميق مشاعرى بل إن جميع المفكرين والمؤلفين الفرنسيين كتبوا بعمق عن أم كلثوم أكثر مما كتب أبناء العربية.