الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوادث وقضايا

حكم بعدم دستورية مادتين بقانون إنشاء نقابة المهندسين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قضت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار حنفى على جبال في الدعوى رقم 132 لسنة 37 قضائية "دستورية" المحالة من محكمة القضاء الإداري، بعدم دستورية المادتين (20) و(43) من القانون رقم 66 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهندسين، فيما نصتا عليه من أن يكون الطعن فى صحة انعقاد الجمعية العمومية للنقابة، وفى انتخاب النقيب وأعضاء مجلس النقابة المكملين، من مائة عضو على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية، بالنسبة للنقابة العامة، ومن خمسين عضوًا على الأقل، بالنسبة للنقابة الفرعية، ومصدق على الإمضاءات، الموقع بها على التقرير به فى الحالين، من الجهة المختصة ".
وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن النصين التشريعيين المحالين قد تضمنا قيدين خطيرين، يعصفان بحق عضو النقابة، فى الطعن على القرارات المشار إليها، أولهما إيجابه أن يكون الطعن، فى انتخابه، مقدمًا من مائة عضو، على الأقل، من أعضاء النقابة، ممن حضروا جمعيتها العمومية، بالنسبة للنقابة العامة، ومن خمسين عضوًا، على الأقل، بالنسبة للنقابة الفرعية، وثانيهما أن يكون الطعن بتقرير مصدق على الإمضاءات الموقع بها عليه من الجهة المختصة، وقد قرن المشرع هذين القيدين بجزاء، رتبه على تخلف أحدهما، أو كليهما، هو اعتبار الطعن غير مقبول "بقوة القانون".
وحيث إنه عن القيد الأول، الذى تضمنه النصان التشريعيان المحالان، فإن حقيقة الأمر فيهما، أنهما لا يعتبران تنظيمًا لحق النقابة، فى الدفـاع عن المصالــح الجماعية لأعضائها. ولا يتوخيان، من جهة أخرى، تأمين المصالـــح الذاتيــــة، لكل متقاض من بينهم، ويكون هذان النصان – بتطبيقهما عليه - قد أخلّا بأحد الحقوق، التى كفلها الدستور له، ملحقين به، على هذا النحو ضررًا مباشرًا، وآية ذلك أن المصالح الجماعية، لا تحميها إلا النقابة ذاتها، بوصفها شخصًا معنويًّا، مستقلًا عن أعضائها. كذلك فإن المصالح الذاتية، لا يكفلها إلا أصحابها، من خلال ضمان حقهم، فى اللجوء إلى القضاء، والنفاذ إليه نفاذًا ميسرًا، لا تثقله أعباء مادية، ولا تحول دونه عوائق إجرائية جوهرية. ولا كذلك النصان التشريعيان المحالان، إذ أهدرا المصلحة الذاتية، لكل عضو من أعضاء النقابة، فى ضمان أن يكون النقيب وأعضاء النقابة منتخبين، وفقًا للدستور والقانون، وفى إطار قواعدهما، لضمان أن يباشروا مهامهم، مستندين فى ذلك إلى أغلبية، تكون قد أولتهم ثقتها، اطمئنانًا إليهم. وهى، فى كل حال، أغلبية، تمثل القاعدة الأعرض، التى منحتهم تأييدها، وقوفًا إلى جانبهم، ودفاعًا عن برامجهم، وتوجهاتهم، التى أداروا حملتهم الانتخابية على ضوئها. ومن ثم تكون شرعية انتخابهم، انتصافًا للديموقراطية، وانحيازًا لجوهرها، فى دائرة العمل النقابى، وموطئًا لتحقيق المصالح المشروعة، التى تسعى النقابة إلى بلوغها، بما مؤداه: أن لكل عضو، من أعضاء النقابة، مصلحة محققة، فى إرساء هذه الشرعية، تثبيتًا لها، وتعميقًا لمجال تطبيقها، سواء فى ذلك، من كان منهم مرشحًا لمنصب النقيب أو لعضوية مجلس النقابة، متزاحمًا مع غيره فى الفوز بها، أم كان غير منافس لهم، فى الظفر بمقعدهم. وهذه المصلحة الشخصية الذاتية، لكل عضو من أعضاء النقابة، هى التى كان يتعين على المشرع أن يدخلهــــا فى اعتباره، فى مجال تنظيمــــــــــــــه لحق الطعن فى الانتخاب، بما لا يعطلها، ولكنه آثر أن يعمل على نقيضها، وأن يسقطها، كلية، متجاوزًا عنها، ذلك أن إيجابه أن يكون الطعن مقدمًا من مائة عضو على الأقل من أعضاء النقابة ممن حضروا جمعيتها العمومية، بالنسبة للنقابة العامة، ومن خمسين عضوًا على الأقل بالنسبة للنقابة الفرعية، يفترض توافق مصالحهم فى الطعن، لإبطال الانتخابات، وأن كلمتهم منعقدة على افتقار فوزهم، إلى الشرعية، فى كامل أبعادها، وهو افتراض قد لا يظاهره واقع الحال. وحقيقة مرماه، بل وغايته النهائية، هى أن يكون الطعن بالقيود الإجرائية، التى أحاطته أكثر عسرًا، وأبهظ مشقة. وليس ذلك إلا إعناتًا، بما لكل مواطن من حق، يتكافأ فيه مع غيره، فى اللجوء إلى القضاء، وينحدر بالنفاذ إليه إلى مرتبة الحقوق محدودة الأهمية، التى يجوز الانتقاص منها.
ولا ينال مما تقدم، القول أن ما تطلبه النص المحال من أن يكون الطعن مقدمًا من مائة عضو أو خمسين عضوًا من أعضاء النقابة، لا يعدو أن يكون إعمالًا للديموقراطية، وتعميقًا لفحواها تطبيقًا لنصى المادتين (76، 77) من الدستور التى تنص أولاهما على أن إنشاء النقابات على أساس ديموقراطى حق يكفله القانون، وتقضى ثانيتهما على أن ينظم القانون النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطى، ذلك أن ما قصد إليه الدستور، من ذلك هو ضمان حق أعضاء النقابة فى صياغة أنظمتها، وبرامجها، وتنظيم إدارتها، وأوجه نشاطها، واختيار ممثليها فى حرية تامة. وتلك هى الديموقراطية النقابية، التى تكفل حرية النقاش، والحوار، فى آفاق مفتوحة، تتكافأ الفرص، من خلالها، وتتعدد معها الآراء، وتتباين داخل النقابة الواحدة، إثراء لحرية الإبداع، والأمل، والخيال- وهى أدوات التقدم- ليعكس القرار فيها الحقيقة، التى بلورتها الآراء المتعددة، من خلال مقابلتها ببعض، وقوفًا على ما يكون منها زائفًا، أو محققًا لمصلحة مبتغاة، وعلى تقدير أن النتائج الصائبة، هى حصيلة الموازنة بين آراء متعددة، جرى التعبير عنها، فى حرية كاملة، وأنها، فى كل حال، لا تمثل انتقاءً لحلول بذواتها، تستقل الأقلية بتقديرها، وتفرضها عنوة. كذلك فإن الديموقراطية النقابية، فى محتواها المقرر دستوريًّا، لازمها أن يكون الفوز داخل النقابة، بمناصبها المختلفة - على تباين مستوياتها، وأيًّا كان موقعها - مرتبطًا بإرادة أعضائها الحرة الواعية، وبمراعاة أن يكون لكل عضو من أعضائها الفرص ذاتها، التى يؤثر بها - متكافئًا فى ذلك مع غيره - فى تشكيل السياسة العامة لنقابته، وبناء تنظيماتها المتعددة، وفاء بأهدافها، وضمانًا لتقدمها، فى مختلف الشئون التى تقوم عليها. وبذلك يتحدد المضمون الحق لنصى المادتين (76، 77) من الدستور التى لا تكفل الحرية النقابية، لفئة بذاتها، داخل النقابة الواحدة، ولا تقرر أفضلية، لبعض أعضائها على بعض، فى أى شأن، يتعلق بممارستها، ولا تفرض سيطرة لجماعة من بينهم على غيرها، لضمان أن يظل العمل الوطنى قومًيا، وجماعيًّا فى آن واحد، من أدق مجالاته، وأكثرها خطرًا.
وحيث إن النصين التشريعيين المحالين لم يقفا، فى مجال تقييدهما، لحق الطعن، عند حد إيجابه، أن يكن الطعن مقدمًا، من عدد لا يقل عن مائة عضو من أعضاء النقابة العامة، ممن حضروا جمعيتها العمومية، أو خمسين عضوًا بالنسبة للنقابة الفرعية، وإنما جاوزا ذلك، إلى فرض شرط آخر، يتعين، بمقتضاه، أن تكون توقيعاتهم على تقرير الطعن، مصدقًا عليها، من الجهة المختصة، كاشفًا بذلك عن أن غايته من إيراد هذين القيدين هى إرهاق حق اللجوء إلى القضاء، فى هذا النطاق، بما قد يصد عن ممارسته. وليس ذلك تنظيمًا لحق التقاضى، بل هو تعطيل لدوره، وحد من فعاليته، وتدخل من المشرع فى المهام، التى تقوم عليها السلطة القضائية، ممثلة فى محاكمها المختلفة، التى تتولى الفصل فى الخصومات المعروضة عليهــــا، وتتحقق فى إطار وظيفتها، من صفــــــــــــــات المتنازعين أمامها، إذا بدا لها ما يريبها.
وحيث إنه إذ كان ما تقدم، وكان النصان المحالان، بإيرادهما لهذين الشرطين، قد مايزا – فى مجال ممارسة حق الطعن القضائى - بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية، دون أن يستند، فى هذا التمييز، إلى أسس موضوعية، ذلك أن ما تضمنه كل من النصين المشار إليهما، باعتبارهما الوسيلة التى اختارها المشرع، لتحقيق الغايات التى سعى إلى تحقيقها من وراء ذلك، وهو تنظيم الحق فى الطعن، لا تتناسب مع تلك الغايات، والالتزام الدستورى الملقى على عاتق المشرع بكفالة الحق فى التقاضى، بل وتناقضه بتقييدها لهذا الحق، إلى حد إهداره ومصادرته، بما تقع معه مصادمة لمبادئ العدل وتكافؤ الفرص والمساواة التى كفلها الدستور فى المواد (4، 9، 53) منه، فوق كونهما بما تضمناه من أحكام على النحو المتقدم تجاوز نطاق السلطة التقديرية المقررة للمشرع فى مجال تنظيم ممارسة الحقوق والحريات التى ضمن الدستور نص المادة (92) منه قيدًا عامًّا عليها، بمقتضاه لا يجوز تقييدها بما يمس أصلها وجوهرها، الأمر الذى يكون النصان المطعون فيهما فى حدود النطاق المتقدم قد وقعا بالمخالفة لنصوص المواد (4، 9، 53، 76، 77، 92، 94، 97) من الدستور.