الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

25 يناير.. ثورة أخرجت "الشيطان" من "القمقم"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد أن ظلت التيارات الإسلامية على مسافة من الساحة السياسية، تطول أو تقصر بدرجةٍ أو بأخرى على مدار حِقَبٍ متتالية، أصبحت الأكثر حضورًا فى الساحة السياسية المصرية بعد الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، التى أطاحت بنظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك. 
جماعةُ «الإخوان» كانت توصف قبل ذلك بـ«الجماعة المحظورة»، وتأكد حظرها بالمادة الخامسة من التعديلات الدستورية التى أُجريت عام ٢٠٠٧ على دستور ١٩٧١، التى أقرت عدم جواز مباشرة أى نشاط سياسى أو دينى أو قيام أحزاب سياسية على أية مرجعية أو أساس ديني، لكنها تخلت عن مبدأ «لا حزبية فى الإسلام»، وقامت بتأسيس حزب «الحرية والعدالة» بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، والذى استطاعت الجماعة من خلاله الفوز بنسبة ٤٣.٧٪ من مقاعد مجلس الشعب فى انتخابات ٢٠١١/٢٠١٢ مقابل مقعد واحد فى انتخابات ٢٠١٠، بعد ما كانت الجماعة قد فازت بـ٨٨ مقعدًا فى انتخابات ٢٠٠٥. وفى انتخابات مجلس الشورى الأخيرة فاز حزب «الحرية والعدالة» بـ ١٠٥ مقاعد ليأتى فى المركز الأول مقابل لا شيء من المقاعد فى انتخابات الشورى عام ٢٠١٠، إلى جانب دفعه بالمرشح محمد مرسى الذى أصبح فيما بعد الفائز فى أول انتخابات رئاسية بعد ٢٥ يناير، ليقضى عامًا كاملًا رئيسًا لمصر إلى أن أطاحت به ثورة المصريين فى الثلاثين من يونيو عام ٢٠١٣.
كذلك كان الظهور القوى للجماعات السلفية فى الساحة السياسية، أحد التطورات اللافتة بعد ٢٥ يناير، بعد ما جنحت إلى إعادة رسم خرائط سلوكياتها وسياستها وتنظيراتها على قاعدة العمل السياسي، بعد أن ظلت أسيرة الخط الدعوى – الخيري، فأسست مجموعة من الأحزاب أبرزها «حزب النور» الذى فاز بنسبة ٢٢.٤٪ من مقاعد مجلس الشعب بعد ٢٥ يناير ليأتى فى المركز الثانى بعد حزب «الحرية والعدالة»، ويحتل المركز نفسه فى انتخابات الشورى بـ٤٥ مقعدًا.
صعود مفاجئ 
بعد الصعود المفاجئ للتيارات الإسلامية والمكاسب السياسية التى حققتها بعد ٢٥ يناير، أدركت تلك التيارات حاجتها لأذرع إعلامية خاصة بها لتحافظ على هذه المكاسب، ولتكون خطا للدفاع عنها وعن سياساتها من جهة، والترويج لأفكارها من جهة أخرى. وسارعت تلك التيارات باقتحام الفضاء الإعلامى بإطلاق عدد من الوسائل الإعلامية التقليدية كالقنوات التليفزيونية والصحف. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل وصلت هذه التيارت زحفها إلى أن زرعت لها أذرعا إعلامية فى الواقع الافتراضي، بإطلاق مئات المواقع على شبكة الإنترنت منها ما هو نظير للوسائل التقليدية بإنشاء مواقع لها على شبكة الإنترنت، ومنها ما هو قائم بذاته على مواقع التواصل الاجتماعى مثل فيس بوك وتويتر.
لكن الصحف التى أصدرتها تيارات الإسلام السياسى فى مصر بعد ٢٥ يناير كانت من أهم ما غير خريطة الإعلام المصرى لا سيما الخريطة الصحفية، وتحديدًا معالم الخريطتين الصحفيتين الحزبية والخاصة اللتيْن أضيفت لهما قطاع جديد تمثل فى الصحف المملوكة للتيارات الإسلامية، سواء للأحزاب التى تمثل أذرعًا سياسية لتلك التيارات أو الشخصيات المحسوبة على تلك التيارات. ومن هنا فقد سعت هذه الدراسة للتعرف على ملامح وسمات صحف التيارات الإسلامية التى ظهرت فى مصر عقب ثورة ٢٥ يناير. 
الأذرع الإعلامية 
كان من تداعيات ٢٥ يناير أن بات للتيارت الإسلامية أذرعها الإعلامية، وكانت الصحافة أحد أهم هذه الأذرع، والتى تميزت بمواصفات وسمات تختلف إلى حد كبير عن الصحف الأخرى التى كانت حاضرة فى الساحة الصحفية باعتبارها تعبر عن تيار له أفكاره وأيديولوجياته الخاصة، ومن هنا تتركز هذه الدراسة فى رصد صحف التيارات الإسلامية فى مصر بعد ٢٥ يناير ومواصفات تلك الصحف، مع التركيز على صحافة جماعة «الإخوان». 
لم تكن الجماعة طوال تاريخها بعيدة عن استخدام وسائل الإعلام، حيث شهد تاريخها إصدار عدد من الصحف والمجلات فى فترات تصالحها مع السلطة السياسية، والتى زاوجت بينها وبين استخدام أساليب الاتصال المباشر عبر الخطب والمؤتمرات ونشاط الجمعيات الأهلية (الدينية)، وهى الأساليب التى كانت تمثل البديل الوحيد للتواصل مع عموم الناس فى فترات الصدام والصراع مع السلطة. وقد كتب حسن البنا مؤسس الجماعة عديدًا من المقالات والملاحظات والتعليقات التى تمثل أيديولوجيته فى الصحف والمجلات التى أصدرتها جماعة الإخوان. وفى هذا السبيل، يمكن رصد عشر صحف ومجلات أصدرتها الجماعة منذ نشأتها وحتى العام ١٩٥٧، وهذه الصحف والمجلات وفقًا لترتيب صدورها هي: صحيفة «الإخوان المسلمون» الأسبوعية (١٩٣٣ – ١٩٣٨)، ومجلة «النذير» الأسبوعية (١٩٣٨ – ١٩٣٩)، ومجلة «المنار الشرعية» (١٩٣٩ -١٩٤٠)، ومجلة «التعارف» الأسبوعية (١٩٤٠)، ومجلة «الشعاع» الأسبوعية (١٩٤٠)، وصحيفة «الإخوان المسلمون» الأسبوعية (١٩٤٢ – ١٩٤٦)، وصحيفة «الإخوان المسلمون» اليومية (١٩٤٦ – ١٩٤٨)، ومجلة «الشباب» الشهرية (١٩٤٧- ١٩٤٨)، ومجلة «الكشكول الجديد» (١٩٤٨)، ومجلة «الدعوة» (١٩٥١ – ١٩٥٧). 
العلاقة بين الإخوان والقصر
كان القصر الملكى أحد أضلاع المثلث الذى يمثل القوة الفاعلة فى إدارة شئون الحياة السياسية المصرية قبل ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، ويتمثل الضلعان الآخران للمثلث فى حزب «الوفد»، وهو الحزب الأكثر شعبية ونفوذًا فى الشارع المصري، وفى الإنجليز قوة الاحتلال والدولة ذات الخصوصية والقدرة على التأثير بسفارتها وجيشها معًا.
وكان الملك فؤاد حريصًا على إحكام قبضته على المؤسسات الدينية، لا عن صلاح وتقوى، وإنما لرغبة ملحة فى استثمار الرصيد الشعبى الكبير لهذه المؤسسات فى صراعاته السياسية من أجل الاستحواذ على كل مؤسسات الدولة. وقد بدأ حسن البنا دعوته وعينه على القصر الملكي، وحاول أن يرتبط به، على اعتبار أنه من مصلحة العرش أن تكون جماعة «الإخوان» ركيزةً له.

كما كان «الإخوان» حريصين على إذكاء المديح للملك فؤاد والثناء الدائم على سلوكه الإسلامي. وتوالت مراثيهم له بعد موته، وأشاروا فيها إلى أنه «حامى الإسلام ورافع رايته». وقد رثته صحيفة «الإخوان» بما يجذب عطف ولى عهده (فاروق) على أسلوب الجماعة. كما نشرت عدة مقالات تهدف إلى دعوة ولى العهد للتمسك بالتقاليد الإسلامية التى كان يتحلى بها والده؛ وتصف «الفاروق» بـ «سمو النفس وعلو الهمة وأداء فرائض الله واتباع أوامره واجتناب نواهيه». وعند تولية فاروق ملكًا، ظهرت أصواتٌ بعضها إخوانية تطالب بأن يتم التتويج فى احتفال دينى يُقام فى القلعة، ويُقلده فيه الشيخ المراغى – شيخ الأزهر آنذاك وأحد معلمى فاروق – سيفَ جَدِه محمد على، أو أن يُقام الاحتفال لأداء اليمين الدستورية، بأن يؤم الملك الناس إثر التتويج باعتبار أنه الإمام الذى تصدر باسمه أحكام الشريعة. ويذهب «ريتشارد ميتشل» إلى اتهام فرق «جوالة الإخوان» بأنهم قاموا بدور «شرطى القصر»، كما أنه اتهم «الإخوان» بتلقى مساعدات من أحزاب الأقلية وبعض زعمائها، دعمًا للملك نِكَايَةً فى «الوفد».

ويرى بعض المؤرخين أن علاقة «الإخوان» بالقصر ورجاله (على ماهر باشا تحديدًا)، كانت من أسباب الانشقاق الذى شهدته صفوف الجماعة سنة ١٩٣٩، وأسفر عن تكوين جماعة «شباب محمد»، فقد رفض المنشقون أن يصبح «الإخوان» أداةً فى يد على ماهر لمحاربة «الوفد» وتدعيم نفوذ القصر الملكي.
وبلغ من حرص القصر على العلاقة بـ«الإخوان» أن الملك سعى لتحسين صورتهم أمام الإنجليز، فقد أخذ حسين سرى باشا – رئيس الوزراء – فى السعى لتحسين صورة «الإخوان» لدى السلطات البريطانية التى اكتشفت أن رئيس الوزراء يفعل ذلك بناء على تعليمات الملك.


وعندما اعتُقل حسن البنا بناءً على تقارير من المخابرات البريطانية حول قيام الإخوان بدعاية مضادة لإنجلترا واستعدادهم لعمليات تخريبية ضد منشآت بريطانية، سعى مجلس النواب وبمساندة ضغط القصر للإفراج عن حسن البنا، وهو ما تم بعد أقل من شهر من اعتقاله. وعقب خروجه من المعتقل عاد «البنا» أكثر حرية وأكثر نشاطًا يجوب البلاد للدعوة لجماعته، ويتمتع وحده دون بقية الأحزاب والهيئات بحرية الحركة والخطابة والاجتماع. ويمكن القول إن جماعة «الإخوان» نجحت فى أن تستغل الفراغ الذى نتج عن الضعف الذى ألم بالأحزاب السياسية، وتعثر النظام الديمقراطي، ومن ثم فقد كان منهج «الإخوان» السياسى يعتبر رد فعل للصراع الحزبى الذى لا يتفق مع إخوة الإسلام – فى نظر الجماعة – من جانب، وخلو البرامج الحزبية من المناهج الإصلاحية من جانب آخر.
عبد الناصر والإخوان 
قامت ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، بينما الخلافات بين قادة «الجماعة» على أشدها، لدرجة أن الخلاف بدأ يطال معسكر الهضيبى نفسه، وارتبط ذلك بالخلاف على مشاركة «الإخوان» فى حكومة الثورة، والذى أُثير بمناسبة دخول عضو مكتب الإرشاد «أحمد حسن الباقوري» وزارة محمد نجيب، التى تشكلت فى ٧ سبتمبر ١٩٥٢.

وعقب خلافها مع مجلس قيادة الثورة بعد ثورة يوليو ١٩٥٢، ومحاولتها امتطاء هذه الثورة، وفرض الوصاية عليها، تم حظر جماعة «الإخوان». وعندما باءت تلك المحاولات بالفشل، قامت الجماعة بمحاولة فاشلة لاغتيال جمال عبد الناصر، وهو ما وضعها فى مواجهة مع النظام، حيث تعرضت لمحنتيْن كبيرتيْن فى عهده أدتا إلى اعتقال عديدٍ من قيادات الجماعة، والتضييق على أعضاء الجماعة فى ممارسة أية أنشطة حتى ولو كانت دعوية، والأكثر من ذلك والأهم هو منعها من إصدار الصحف والمجلات لعدم إتاحة منابر إعلامية تدعو لهذه الجماعة المحظورة بحكم القانون. 
السادات والإخوان

بدأت العلاقة بين السادات والإخوان فى السنوات الأولى لحكمه وحتى منتصف السبعينيات يحكمها طابع التعاون قبل أن تظهر على السطح بوادر التوتر بين الجانبيْن، بعدما اتخذ «الإخوان» جانب المعارضة لسياسات النظام. ومنذ تولى الرئيس الراحل أنور السادات السلطة عام ١٩٧٠ بدأ الصدام بينه وبين الصحافة على الرغم من أنه كان فى العهد الناصرى رئيسًا لتحرير صحيفة «الجمهورية»، وترتب على هذا الصدام تحويل عدد غير قليل من الصحفيين إلى وظائف حكومية بعضها لا علاقة له بالصحافة، لكن انفراجًا نسبيًا طرأ عقب حرب أكتوبر ١٩٧٣، وإطلاق سياسة الانفتاح على المساريْن الاقتصادى والسياسي. وعَمِدَ السادات إلى إطلاق حرية إنشاء أحزاب فى النصف الثانى فى عقد السبعينيات، وإصدار صحف لهذه الأحزاب فصدرت صحف «الأحرار» و«الأهالي» و«الشعب» و«الوفد»، وتميزت هذه الفترة كذلك بإصدار عدد من المجلات الإسلامية مثل «الاعتصام» و«الدعوة» التابعتيْن لجماعة «الإخوان». ومع دخول السادات فى سلام فردى مع إسرائيل ومقاطعة جموع المصريين له، بدأ صدام بينه وبين الصحف الحزبية واليسارية وهو ما ترتب عليه مصادرة أعداد بعض الصحف والمجلات مثل «الأهالي» اليسارية و«الدعوة» الإخوانية، وانتهى الأمر إلى إغلاق هذه الصحف فى سبتمبر عام ١٩٨١ ضمن قرارات السادات الشهيرة التى تضمنت اعتقال المئات من رموز الحركات الإسلامية واليسارية فى مصر.

مبارك والإخوان

لم تكن علاقة نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك مع «الإخوان» تسير على خطٍ مستقيم أو فى اتجاهٍ واحد، لكن المتتبع لهذه العلاقة سيجد أنها مرت بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: وتمتد طيلة فترة الثمانينيات، وقد تميزت هذه المرحلة بقدرٍ من الاستيعاب الجزئي، واستغلال الجماعة للانفتاح السياسى النسبى خلال هذه الفترة بالتوغل فى الجامعات ومحاولات تعزيز حضورها فى البرلمان من خلال التحالف مع بعض الأحزاب. 
المرحلة الثانية: وأُطلق عليها مرحلة الصدام المبكر، وتمتد طيلة فترة التسعينيات، وقد حاول خلالها النظام تضييق الخناق على الجماعة خاصةً فى المجاليْن السياسى والإعلامى. 
المرحلة الثالثة: وهى المرحلة الممتدة طيلة العقد الأول من الألفية الثالثة، وكانت تلك المرحلة أكثر المراحل تعقيدًا، ما جعل خيارات النظام تتراوح بين القمع النوعى للجماعة من جهة، والعمل على تحجيم طموحاتها السياسية من جهة أخرى.
أما على مستوى الصحافة، فشهد عصر الرئيس مبارك إغلاق عدد من الجرائد وحبس عدد من الصحفيين خاصة فى الفترة الأخيرة فقد تم إيقاف جريدة «الدستور»، وتمت مصادرة وإيقاف جريدة «الشعب» وحزب العمل الذى تصدر منه وتمت مصادرة جريدة «النبأ» وعدد آخر من الصحف الخاصة. لكن بالنسبة لصحيفة «الشعب»، فبعد أن كانت منبرًا للاشتراكيين فى الفترة من عام ١٩٧٩ إلى عام ١٩٨٥ أصبحت منبرًا أساسيًا لقيادات التيار الإسلامى بوجهٍ عام وجماعة «الإخوان» بوجهٍ خاص.

صحافة الإخوان بعد ٢٥ يناير 

بعد ٢٥ يناير وتحديدًا فى يوم ٢١ فبراير ٢٠١١، وبعد أيامٍ قليلة من تنحى حسنى مبارك أعلن الدكتور محمد بديع المرشد العام للجماعة عن عزم الجماعة تأسيس حزبٍ سياسي. وبالفعل تأسس حزب «الحرية والعدالة» يوم ٦ يونيو ٢٠١١ بمرجعية إسلامية، ويتبنى أيديولوجية إسلامية، رغم أن الدستور كان يحظر تأسيس أحزاب بمرجعية دينية. وأدركت الجماعة أهمية أن تكون لها أذرعها الإعلامية، ومن هذه الأذرع الصحافة المطبوعة، فأسست صحيفة «الحرية والعدالة» صحيفة مصرية حزبية يومية، صدرت عن حزب «الحرية والعدالة» الذى كان يوصف بالذراع السياسية لـ«جماعة الإخوان»، وقد أُنشئت هذه الصحيفة فى عام ٢٠١١ وصدر العدد الأول منها فى ٢٨ أكتوبر من العام ذاته. وتعتمد السياسة التحريرية لصحيفة الجماعة «الحرية والعدالة» فى النقاط التالية:
التأييد المطلق لجماعة «الإخوان» والدعاية والـتأييد المطلق للدكتور محمد مرسي، سواء فى مرحلة ترشحه للانتخابات الرئاسية بتكثيف نشر الموضوعات الخاصة به، والتى كانت أقرب للدعاية منها إلى الموضوعات الصحفية. وحتى بعد فوز مرسى بالانتخابات الرئاسية، واصلت الصحيفة الترويج لمرسى وسياساته، واستبقت انتهاء أول ١٠٠ يوم من توليه الرئاسة لتقدم كشف حساب بما رأت أنها إنجارات تحققت خلال أول مائة يوم له فى الحكم. وقد قامت بتشويه رموز ٢٥ يناير واتهامها بالسطحية وعدم التنظيم والسعى لتحقيق مصالح شخصية دون الالتفات لمصلحة الوطن، كما وضعت الصحيفة الثوار والفلول والبلطجية والباعة الجائلين فى سلة واحدة. وتشويه رموز المعارضة المصرية وتقديمها على أنها كانت شريكًا لنظام مبارك إلى جانب تشويه اليساريين والليبراليين. 
ولم تسلم الصحيفة من الانزلاق إلى خلط الدين بالسياسة على صفحاتها خلال معالجتها لبعض الموضوعات، وحتى بعد ثورة المصريين على حكم الإخوان فى ٣٠ يونيو عام ٢٠١٣ واصلت الصحيفة محاولات التلاعب بمشاعر المصريين باسم الدين. ففى يوم الأحد الموافق ٢٥ أغسطس ٢٠١٣، حيث كانت الصحيفة لا تزال تصدر، كان مانشيت الصحيفة يقول: «لجنة الانقلابيين لتعديل الدستور تجيز سب الدين والرسل وتشجع انتشار الفساد وتدعم تدهور الأخلاق»، حيث ادعت الصحيفة أن لجنة الخبراء العشرة، القائمة على تعديل دستور ٢٠١٢ المُعطل بإجازتها سب الدين والأنبياء، والتشجيع على انتشار الفساد وتدهور الأخلاق فى المجتمع. 

إغلاق «الحرية والعدالة»

فى ٢٥ سبتمبر ٢٠١٣ أغلقت السلطات مقر صحيفة «الحرية والعدالة»، وقد جاء الإغلاق بعد يومين من صدور حكم قضائى بحظر نشاط جماعة «الإخوان» فى كامل الأراضى المصرية والتحفظ على ممتلكاتها، وهو الحكم الذى أصدرته محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بناءً على الدعوى القضائية المقامة من أمانة حريات «حزب التجمع»، والتى طالبت بإصدار حكم قضائى بحظر تنظيم «الإخوان»، إضافةً إلى حظر أنشطة التنظيم فى مصر وأى مؤسسة متفرعة منه أو تابعة له أو منشأة بأمواله، أو تتلقى منه دعمًا ماليًا أو أى نوع من أنواع الدعم، وكذلك الجمعيات التى تتلقى التبرعات ويكون بين أعضائها أحد أعضاء الجماعة. وقد أغلق مقر صحيفة «الحرية والعدالة» بمنطقة المنيل بمصر القديمة وتم إغلاق المقر والتحفظ على جميع محتوياته، على خلفية اتهامها بالتحريض على العنف والإرهاب خلال المرحلة التى تلت ثورة ٣٠ يونيو التى أطاح فيها الشعب المصرى بحكم الجماعة. ومن بين ما نُسب لصحيفة «الحرية والعدالة» أنها أصدرت أعدادًا تتضمن بث وإذاعة أخبارٍ مغلوطة لا تمت للحقيقة بصلة بقصد التحريض، علاوةً على بث شائعاتٍ وأخبارٍ غير صحيحة عن القوات المسلحة والحكومة.
خلط الدين بالسياسة
كشفت نتائج الدراسة أن الخطوط والقواسم المشتركة بين صحف التيارات الإسلامية بعد ٢٥ يناير تمثلت فى خلط الدين بالسياسة، وهى نتيجة منطقية خاصة أن مُلاك تلك الصحف يقعون فى الخلط ذاته. كما كانت هذه الصحف تشوه المعارضة المصرية لا سيما التى تنتمى للتيار الليبرالي، ويرجع ذلك لأن التيار الليبرالى على النقيض تمامًا من التيارات الإسلامية فكريًا وأيديولوجيًا، كما هاجمت تلك الصحف نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك ورموزه، وقد كان هذا متوقعًا لتيار يعد نفسه ليكون بديلًا لنظام مبارك، وهو ما حدث بالفعل، حيث جلس رئيسٌ ينتمى لجماعة «الإخوان» هو د. محمد مرسى على نفس مقعد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، إضافةً إلى مساندة مرشحى التيارات الإسلامية سواء فى الانتخابات التشريعية أو الرئاسية. وأوضحت النتائج مدى الضعف الذى اعترى تبويب صحف التيارات الإسلامية التى صدرت بعد ٢٥ يناير، فلم تكن عناوين الأبواب تعبر عن مضامينها بدقة، كنشر أخبار اقتصادية فى باب السياسة، وربما يعود ذلك لضعف الخبرات التى تم الاعتماد عليها فى إصدار الصحيفة والتعجل فى إصدارها حيث صدرت بعد أشهر قلائل من ثورة ٢٥ يناير. 
وختامًا يمكن القول إن الخريطة الصحفية المصرية بعد ٢٥ يناير ٢٠١١ قد تبدلت وتغيرت معالمها بفعل التيارات الإسلامية. وقد طال هذا التغيير النمطيْن الصحفييْن الحزبى والخاص، بإصدار حزبيْ «الحرية والعدالة» و«النور» صحفًا تعبر عنهما وتنطق باسمهما. وعلى صعيد الصحف الخاصة صدرت صحيفة «الرحمة» التى كان يديرها محمد حسان المنتمى للتيار السلفي؛ ولأن هذه الصحف وكما هو معروف تكون لسان حال مُلاكها، فوقعت فيما وقع فيه هؤلاء الملاك المنتمون لتيارات الإسلام السياسى من خلط الدين بالسياسة، وقد اتضح ذلك من خلال معالجتها لعديد من الموضوعات والأبواب التى اشتملت عليها تلك الصحف.