الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

انطلاق دورة اليوبيل الذهبي لمعرض الكتاب.. يوم مجيد في تاريخ العروبة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يفتح معرض القاهرة الدولي للكتاب، اليوم "الأربعاء"، أبوابه أمام الجماهير من كل حدب وصوب على امتداد مصر وأمتها العربية والعالم ككل في مستهل اليوبيل الذهبي لهذا العرس الثقافي المصري الذي يستمر حتى الخامس من شهر فبراير المقبل، واختيرت جامعة الدول العربية "ضيف الشرف" فيه وبما يشكل يوما مجيدا في تاريخ "العروبة الثقافية".
وبقدر ما بات معرض القاهرة الدولي للكتاب أهم حدث ثقافي عربي وأحد أهم الأحداث الثقافية الكونية على مدار العام في عالم الكتاب، بقدر ما يعبر عن حقيقة أن "مصر عربية الثقافة وتحمل رسالة حضارية للعالم"، وهو المعرض الذي اقترن منذ بدايته في عام 1969 بالثقافة العربية وحيويتها التاريخية وقدرتها المتجددة على إثراء حياة الإنسان العربي ووجوده ودعم مقاومته لنوازل التحديات وتجاوز المحن.
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد افتتح أمس "الثلاثاء" رسميا دورة اليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في لفتة تعبر عن حرص الدولة المصرية على نشر الثقافة والوعي بين المواطنين وبناء الإنسان فكريا وثقافيا وعلميا، بقدر ما ترسخ دور مصر المحوري كمنارة للثقافة في المنطقة.
وواقع الحال أن حدثا في حجم ووزن ودلالات وفعاليات وحوارات اليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب من شأنه رسم خارطة طريق للأولويات الثقافية المصرية والعربية لسنوات قادمة وسبل مواجهة التحديات الفكرية التي تواجه الإنسان العربي في تلك السنوات القلقة من القرن الواحد والعشرين.
ولا ريب أن الحضور العربي المتوهج في هذا العرس الثقافي المصري يوميء لأهمية تفعيل التعاون الثقافي بين أقطار الأمة العربية على كل المستويات وتهيئة السبل، لبيئة ثقافية عربية تتيح للإنسان العربي تفجير الإمكانية الإبداعية بقدر ما تحول دون مزيد من الهدر للإمكانات والطاقات الإنسانية العربية. 
والحضور العربي واضح منذ البداية في دورة اليوبيل الذهبي لهذا العرس الثقافي المصري المقام على مساحة 45 ألف متر مربع في "مركز المعارض الدولية بالتجمع الخامس في القاهرة"، بمشاركة 1273 ناشرا يمثلون 35 دولة ويتوزعون على 723 جناحا، ويشارك فيه لأول مرة 62 ناشرا مصريا و24 دار نشر عربية وأجنبية.
كما يتجلى الحضور العربي بوضوح في الفعاليات التي تقام على هامش المعرض ويصل مجموعها إلى 419 فعالية ثقافية و144 فعالية فنية إلى جانب 600 حفل توقيع كتب بمشاركة 170 ضيفا من العرب والأجانب واكثر من 300 شاعر و2500 كاتب وناقد وفنان. 
وإذ هددت المخاطر البشر والحجر والمستقبل والتراث والنسيج الاجتماعي بين جنبات الأمة العربية لترسم المشهد المخيف على مدى عدة سنوات في العقد الأخير يبقى الرهان صائبا على بناء ثقافة عربية جديدة وعلى إمكانية تطوير العلاقات الثقافية العربية وتعزيز أفكار وحضور "العروبة الثقافية بفعاليات كبرى وأحداث ثقافية كونية كمعرض القاهرة الدولي للكتاب".
وفي مواجهة "محاولات التعمية على الإنسان العربي وفرض العماء التاريخي على الأمة العربية"، يأتي هذا العرس الثقافي المصري بثقافة عربية تؤكد قدرة الإنسان العربي على صنع مستقبله الأفضل وتحقيق أحلامه وطموحاته المشروعة والاستجابة لطبيعة الزمن وضروراته المستجدة. 
وفيما يحتفي معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخمسين باثنين من أبرز المثقفين المصريين كشخصيتين للعام في هذا العرس الثقافي؛ وهما الدكتور ثروت عكاشة والدكتورة سهير القلماوي، فإن إسهامات هذين المثقفين الكبيرين في إثراء الثقافة العربية غير منكورة وكلاهما قدم للمكتبة العربية العديد من الكتب المهمة ناهيك عن دورهما الرائد في تأسيس هذا المعرض حيث كان ثروت عكاشة وزيرا للثقافة وسهير القلماوي رئيسا للهيئة المصرية العامة للكتاب.
ويبدو البعد الثقافي العروبي واضحا في الكلمة التي وجهها الدكتور ثروت عكاشة عند افتتاح الدورة الأولى لمعرض القاهرة الدولي للكتاب حيث وصف هذا المثقف المصري الكبير الذي قضى عام 2012 افتتاح المعرض "بيوم الكتاب العربي"، مؤكدا ضرورة الاستفادة منه "لخدمة القضايا العربية"، بينما قالت الدكتورة سهير القلماوي التي قضت عام 1997 إن معرض القاهرة الدولي للكتاب كأول معرض يقام في المنطقة "يدل على أن رسالة الكتاب العربي تتطور مع تطور رسالة الكتاب في العالم كله".
واعتبرت الدكتورة سهير القلماوي أن الكتاب " وسيلة فعالة لكل تقدم حضاري يدل اتساعها على مدى قابلية الأمة وأملها في أن تتقدم ركب الحضارة"؛ وهو توجه ثقافي لجيل رائد من المثقفين العرب ضم شخصيات مثل الراحل العظيم كلوفيس مقصود وكلهم اعتنقوا أفكار العروبة الثقافية وشغفوا جديا بدور مصر الجوهري والمحوري في التكوين العربي على مر حقب التاريخ.
وبينما تتجه الأنظار لجامعة الدول العربية أو "بيت العرب" كضيف رسمي لهذا العرس الثقافي المصري، يرى الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط أن الثقافة العربية المعاصرة تقف اليوم في مفترق طرق حقيقي؛ "ولا بد أن تجدد نفسها وفي الوقت نفسه تتواصل مع التاريخ"، موضحا أن "الثقافة كائن حي يتطلب دائما التجديد".
والذاكرة الثقافية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب تقول إن جامعة الدول العربية شاركت بمعروضات في الدورة الأولى لهذا العرس الثقافي، كما شاركت عدة دول عربية بإصدارات في تلك الدورة وهي لبنان وسوريا والجزائر وليبيا وتونس والكويت.
والمتأمل لاهتمامات الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، يمكنه أن يخلص بوضوح إلى أنه من الدبلوماسيين الذين يعلون من أهمية الثقافة فضلا عن وجود مكونات ثقافية واضحة في تكوينه العام بقدر ما تتجلى في كتاباته. 
وفيما أعاد للأذهان التجربة الثرية لعميد الأدب العربي الراحل الدكتور طه حسين عندما تولى أمر الثقافة في الجامعة العربية كان الكاتب الصحفي الكبير مكرم محمد أحمد قد تمنى على الأمين العام لجامعة الدول العربية أن يولي اهتماما كبيرا بقضايا الثقافة العربية بحيث تستحوذ على جزء مهم من اهتمامات الجامعة المثقلة بقضايا سياسية.
ورأى مكرم محمد أحمد أنه ينبغي أن يكون من ضمن شواغل الجامعة وأهدافها "تهيئة مناخ ثقافي مشترك في العالم العربي يساعد على خلق أجيال عربية جديدة ترفض الخرافة والعنف والإرهاب وتحسن استخدام عقولها"، كما دعا الجامعة العربية للعمل على تقريب المفاهيم بين المثقفين والمتعلمين العرب من خلال برامج مدروسة للنشر والترجمة والتعاون الثقافي بما يتيح تبادل التجارب والأفكار عبر مؤتمرات ثقافية متنوعة تعقد في عواصم العالم العربي ومراكزه الثقافية.
ولا ريب أن حضور جامعة الدول العربية كضيف لدورة اليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب يعزز "أدب التكامل والاندماج العربي ويبشر بحدوث "صحوة في الفكر المؤسسي للنظام الإقليمي العربي بأسره في لحظات استثنائية وتحديات غير مسبوقة".
ولم يبالغ مثقف عربي مثل الدكتور هنري العويط المدير العام لمؤسسة الفكر العربي عندما وصف اللحظة العربية الراهنة بأنها "استثنائية"، وأن "التكامل العربي مطلوب بإلحاح في ظروف ومعطيات بالغة الدقة والخطورة" تمر بها عدة دول عربية بعضها يواجه مخاطر وجودية بالفعل وتهديدات جسيمة للبنية المجتمعية ومحددات الهوية القومية.
ولئن كانت الأفكار ساحة يتلاعب بها الإرهاب فإن جامعة الدول العربية مدعو بكل الإلحاح لصياغة أفكار جديدة لتعزيز مناعة الأمة العربية في مواجهة الإرهاب والتطرف بكل صوره، ناهيك عن أن هذا الفكر العربي الأصيل والمبتكر هو القادر اكثر من غيره على الإسهام بقوة في تأسيس النظام العربي الجديد وبحيث يتعامل هذا النظام مع القوى الإقليمية والدولية على قاعدة التكافؤ والعلاقات المتوازنة.
فثمة تحديات تتطلب "لغة جديدة" و"إبداعات ثقافية استراتيجية" و"أدوات مختلفة عن السائد والتقليدي من أساليب الماضي، وأن الأمر هنا يتعلق بتحول شامل طال الساحة العربية فى مجملها ويتطلب صياغة جديدة للفكر العربى للإجابة على أسئلة خطيرة تمس الوجود العربى ومفهوم الأمة الواحدة ومضمون النظام الإقليمي الجديد.. ولعل جامعة الدول العربية تسهم بقوة في صياغة وإبداع تلك اللغة الجديدة والأدوات المغايرة.
ويحتفي معرض القاهرة الدولي للكتاب في يوبيله الذهبي "بأدب المهجر العربي" كمكون عزيز من مكونات العروبة الثقافية فواقع الحال أن علاقة مثقفين وأدباء مصريين كبار كوديع فلسطين مع "شعراء المهجر عبرت عن تفاعل ثقافي عربي خلاق كما ارتبط هذا المثقف المصري أيضا بعلاقات وثيقة مع مثقفين من لبنان أو من كانوا يوصفون "بالأدباء الشوام" مثل فؤاد صروف وفارس نمر ونيقولا الحداد وخليل ثابت وابنه كريم ثابت وانطون الجميل ونجيب كنعان وقد اسهموا بإيجابية في إثراء الصحافة والثقافة في مصر.
ويقول وديع فلسطين عن هؤلاء "المثقفين الشوام" إن اغلبهم كان يقيم في حي "الفجالة" أو "الظاهر" و"السكاكيني" دون أن يغفل ذكر الأديبة الكبيرة مي زيادة وصالونها الثقافي الشهير في قاهرة بنجوم ذاك الزمان مثل احمد لطفي السيد وعباس العقاد أو يتنازل عن طرائف تعكس خفة ظله مثل قصة زواج أحد "الأدباء الشوام" وهو الياس خليل بالفنانة الشهيرة بديعة مصابني بعد وفاة زوجها الفنان الكبير نجيب الريحاني ليمتطي هذا الأديب الرقيق الحال "سيارة فارهة بسائق".
وبحكم اهتماماته اللغوية العميقة وأسلوبه السردي البالغ الأناقة انتخب وديع فلسطين عضوا في مجمعي اللغة العربية بسوريا والأردن كما ذاع صيته الأدبي واللغوي في العالم العربي وهو من المثقفين المصريين الذين انتبهوا مبكرا للموهبة الروائية للنوبلي نجيب محفوظ وتنبأ له بالوصول إلى الشهرة على مستوى العالم كما انتبه لأهمية التمسك بالثقافة القومية دون الوقوع في شراك الانغلاق أو الجمود.
وشأنها شأن غيرها من الثقافات القومية تبدو الثقافة القومية العربية مدعوة بإلحاح لمواجهة واحتواء الجوانب السلبية للعولمة التي قد تصل إلي حد الرغبة في التهام الثقافات القومية لصالح تصور يرغب في تنميط العالم وفق نموذج محدد في الثقافة الغربية بما يجافي أي حديث جدي عن التنوع أو الديمقراطية والمساواة وحقوق الشعوب في الخصوصية الحضارية المعبرة عن هويتها.
وفيما يجيب حدث ثقافي كوني كاليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب بطريقته على أسئلة متعددة من بينها الهوية فإن هذه الإجابات التي تعبر عن العروبة الثقافية تأتي في "لحظة عصبية بمشهد عالمي عصيب يحاول فيه مثقفون في كل مكان عبر التوغل في قضايا الهوية العثور على المفتاح لفهم وتفسير هذا المشهد العصيب.
ولعل هذا الحدث الثقافي المصري والعربي والكوني يستنفر المزيد من جهود الباحثين العرب في التاريخ الثقافي والاجتماعي ناهيك عن حقل العلوم السياسية لتقديم المزيد من الدراسات الثقافية وصولا لناء ما يمكن وصفه "بثقافة حداثية قومية قادرة على الاستجابة لمتطلبات الواقع المعاصر".
فثمة حاجة لنوع من "التحليق الفكري" في الأجواء الثقافية العربية بحثا عن إجابات لتحديات اللحظة وشواغل المرحلة ناهيك عن الأسئلة الكبرى التي تفرضها تحديات وشواغل المستقبل وهو ما قد يتطلب "نضالا فكريا من أجل ثقافة عربية تأخذ بأسباب الحداثة وتتفاعل مع تحولات العصر دون تنكر لثوابت لم تتعارض يوما مع قيم ومتطلبات التقدم".
في فاتحة اليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب بكل دلالاته كحدث ثقافي إنساني مجيد قلوبنا وعقولنا ومشاعرنا كلها عربية ولعل هذا العرس الثقافي المصري يحمل البشارة لإمكانية تحويل الحلم العربي الواحد لدائرة الفعل.