الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

"ليلة هنا وسرور".. الكنيسة الأرثوذكسية تحتفل بـ"الغطاس"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«ليلة هنا وسرور».. الكنيسة الأرثوذكسية تحتفل بـ«الغطاس»
الفولكلور الشعبى يمتزج بطقوس الكنيسة المصرية
بطريرك الكنيسة يُصلى قداس ليلة العيد بالإسكندرية كتقليد قبطى قديم


«ليلتك يا بلابيصا ليلة هنا وسرور».. «وحوى يا وحوي».. أغنيتان يغنيهما الأطفال، الأولي للأقباط حاملين الفوانيس فى استقبالهم لليلة عيد الغطاس «معمودية المسيح»، والثانية يستخدمها الأطفال لاستقبال شهر رمضان، وفى النهاية تبقى الأغنيتان والفانوس انعكاسًا لحضارة مصرية واحدة تناقلتها الأجيال وجمعت بين النسيج الواحد.
«جَاءَ يَسُوعُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى الأُرْدُنِّ إِلَى يُوحَنَّا لِيَعْتَمِدَ مِنْهُ».. «فَقَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ، وَاعْتَمَدُوا».. «يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَاءٍ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتُعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ».. هكذا تحدث الإنجيل المقدس عن أحداث المعمودية فى عدة مواضع بالشواهد من الكتاب المقدس على حدث معمودية السيد المسيح على يد يوحنا المعمدان فى نهر الأردن.
وتحتفل الكنيسة الأرثوذكسية القبطية بالمعمودية أو «عيد الغطاس» بعد عيد الميلاد بـ12 يومًا. ويترأس بابا الكنيسة صلاة القداس لهذا الاحتفال الكنسى بمدينة الإسكندرية، طبقًا لتقاليد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أن تقام صلاة الغطاس بالإسكندرية، ويكون صوم «الغطاس» لمدة ثلاثة أيام، يومان منها يتم صومهما، وفى الثالث يقام القداس المسائى بكل الكنائس الأرثوذكسية بالطقس الفريحي، حيث يقوم آباء الكنيسة برسامة جبهة المصلين بالمياه داخل الكنيسة كرمز لتذكار الحدث الديني.

يوحنا المعمدان.. «الحق أقول لكم»
«اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ» هكذا تحدث الإنجيل عن شخصية يوحنا المعمدان، الذى عمد السيد المسيح بنهر الأردن، الذى وصفه السيد المسيح بأنه أعظم مواليد النساء.
وقد سبق «يوحنا» المسيح فى الآلام والموت، إذ تحدى الملك هيرودس انتيباس، ووجه له اللوم على تزوجه من امرأة أخيه.. «هيروديا» وراح يندد بهذه الجريمة الأخلاقية فشعر «هيرودس» بعار الفضيحة بين قومه، فأمر هيرودس بالقبض على يوحنا وأوضعه سجن قلعة مكاور الأردنية، وفى ليلة عيد ميلاده رقصت له ابنة زوجته «سالومي» فعندما أعجبته، وعدها بتنفيذ أى طلب تطلبه، فسألت أمها «هيروديا» فأخبرتها أن تطلب رأس يوحنا ولأن «كلام الملوك ملوك الكلام» نفذ هيرودس، وعده فأمر هيرودس بقطع رأس «يوحنا» فى قلعة مكاور الأردنية، الواقعة عام 29م.
«يوحنا» هو آخر أنبياء العهد القديم، الذى استشهد عندما قال للباطل لا وتمسك بالحق.. وتصفه الكنيسة بـ«لسان الحق» والشاهد للحق. فلا يمكن للحق أن يموت، وتحتفل الكنيسة بعيد استشهاد يوحنا المعمدان فى (2 توت) فى اليوم التالى لعيد النيروز، أى عيد الشهداء ورأس السنة القبطية. و«يوحنا» شهد للحق لأنه شهد للسيد المسيح الذى هو الحق نفسه. وقال بعد عماده للمسيح: «وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ اللَّهِ» (يو1: 34).

فانوس البرتقال.. «فى ليلتك يا بلابيصا حنو العصفور»
«وحوى يا وحوى» تلك الأغنية التى يتغنى بها الأطفال فى كل عام مع حلول شهر رمضان، حاملين فى أيديهم الفوانيس ويرجح بعض المؤرخين أن هذه الأغنية تعود للعصر الفرعونى والنص الأصلى للأغنية هو «قاح وى واح وى إحع» وترجمتها باللغة العربية «أشرقت أشرقت يا قمر»، وتكرار الكلمة فى اللغة المصرية القديمة يعنى التعجب.
ويقول هنا المهندس ماجد الراهب، رئيس جمعية المحافظة على التراث المصري، عن الارتباط الوثيق ما بين المسيحيين والمسلمين فى الكثير من العادات والتقاليد، المستمرة عبر العصور المختلفة، والتى لا يستطيع أى شخص إنكارها.
وفكرة «الفانوس» لدى الأقباط تعود لليلة عيد الغطاس التى تحل فى ١٩ يناير من كل عام، وهذا التوقيت ثابت ولا يتغير من عام لعام، مضيفًا نحن نعلم شدة البرد القارس فى هذا التوقيت من العام، وبالرجوع إلى ما ذكره المؤرخون، فإن الأقباط كانوا يحتفلون بعيد الغطاس على ضفاف نهر النيل، وكانوا يستعملون الفوانيس للإنارة، فى ليلة عيد الغطاس، وكان الكهنة والرهبان يأتون ويغطسون الصلبان فى المياه، ويقيمون الصلوات.
والاحتفال لم يكن يقتصر على كبار السن فقط، ولكن الأطفال كانوا يشاركون، ومن أهم ما سجله التاريخ تلك الأغانى التى كانوا يتلونها ومنها، تلك الأغنية الشهيرة التى تقول كلماتها: «ليلتك يا بلابيصا ليلة هنا وسرور.. وفى ليلتك يا بلابيصا حنو العصفور» وهي، أغنية قديمة للأطفال كانت تتغنى، وهم يحملون فى أيديهم «البلابيصا»، و«البلابيصا» عبارة عن قشر خارجى لثمرة «البرتقال» أو «اليوسفي» بداخلها شمعة مضيئة، ومحفور على القشرة صليب مفرغ، ويبدع شباب الكنائس ببورسعيد وفى الوجه البحرى عمومًا فى عمل «البلابيصا».
و«البلابيصا» تعد من المظاهر الاحتفالية التى ما زالت حتى الآن ومتصلة بعيد الغطاس المجيد، وأشار إلى أن الكلمة «البلابيصا» هيروغليفية الأصل وتعنى «الشموع»، والتى هى أساس الاحتفال فى محافظات الصعيد، خاصة الأقصر وقنا، وارتبط الاحتفال بموسم حصاد البرتقال، فكانت المنازل تتزين بفانوس «البلابيصا» يشع منها ضوء الشموع.
وعن طريقة عمل البلابيصا؛ يتم قطع رأس ثمرة البرتقال، ويفضل أن يكون حجمها كبيرا، ثم عمل تجويف داخلها دون أن تتأذى القشرة الخارجية، حتى لا تتبقى أى مواد سائلة بها. ويتم وضع شمعة داخلها وتعليقها بثلاث سلاسل تزين بحبات المكرونة أو الخيوط الملونة، مع حفر شكل الصليب على القشرة وإشعالها حتى تنطلق رائحة البرتقال الذكية.
وتعود فكرة فانوس البرتقال إلى الشهور الباردة من العام، والتى اعتاد المصريون خلالها الخروج ليلا للاحتفال بعيد الغطاس، حاملين المشاعل لتضىء الشوارع التى لم تكن قد عرفت الكهرباء والبنزين، فلجأوا إلى هذه الفكرة للطبيعة لتساعدهم فى الإضاءة للوصول إلى الطريق المناسب، وكان البرتقال أبرز ثمار هذا التوقيت من العام.
ومن البلابيصا إلى «فانوس رمضان»، الذى ظهر منذ يوم ١٥ رمضان ٣٦٢ هـجرية ٩٧٢ ميلادية، حين وصل المُعزّ لدين الله إلى مشارف القاهرة ليتخذها عاصمة لدولته، وخرج أهلها لاستقباله عند صحراء الجيزة، استقبلوه بالمشاعل والفوانيس وهتافات الترحيب.
وكانت تلك العادة مستخدمة منذ القديم فى الاحتفالات بعيد الغطاس، حيث كان المصلون يحملون فى أيديهم الفوانيس المصنوعة من قشور البرتقال لتضىء لهم الطريق للذهاب إلى الاستحمام ليلة عيد الغطاس. وتعود تلك العادة حيث احتفل المسيحيون بتناول البرتقال فى هذ اليوم لما له من علاقة سحرية لها طابع خاص وذكرى جميلة، وينتظر الأطفال عمل «فانوس البرتقال» للذهاب به إلى الكنيسة ليلة الاحتفال بعيد الغطاس، وهو إحياء ذكرى معمودية السيد المسيح فى نهر الأردن على أيدى يوحنا المعمدان والتى كانت فى ليلة عيد الغطاس.

«البلابيصا».. غنى لها الأبنودي
عيد الغطاس.. لم يكن مسيحيو مصر فى الجنوب بالذات يحتفلون بأعيادهم بعيدًا عن المسلمين
اشتهرت منطقة نقادة بمدينة قنا، فى صعيد مصر بـ«البلابيصا»، وله طقس خاص فى هذه المدينة، فتتحول المدينة ليلة عيد الغطاس إلى شمعة كبيرة مضيئة فى طول المدينة وعرضها. عبدالرحمن الأبنودي، الشاعر الكبير الذى رحل عن عالمنا، كانت له حكايته الخاصة عن عيد الغطاس القبطي، ويقول فى كتابه «أيامى الحلوة عن طقس البلابيصا»: «فى الـ11 من الشهر القبطى «طوبة» يتم فى قُرانا هذا الطقس المُسمى «البلابيصا» والمستمر من قديم الأزمان إلى الآن، ولكن الكهرباء أفقدته كثيرًا من بهجته، وسحره، وغموضه، وتوهته فى حياتنا، كما تاه «المسحراتي»، وكما فقد فانوس رمضان إضاءته الموضوعية لتتحول إلى إضاءة رمزية».
ويقول الأبنودي: «فى عيد الغطاس، وفى زحمة الأعياد والمناسبات القبطية المتوالية، لم يكن مسيحيو مصر فى الجنوب بالذات، يحتفلون بأعيادهم بعيدًا عنا نحن أولاد المسلمين، بل كنا نستولى على هذه الأعياد فى حميمية المشاركة؛ حيث لا يمكنك التفريق بين ابن المسيحى، وابن المسلم.. وللبلابيصا قبل مجىء الغروب كل أطفال القرية مسيحيين ومسلمين يرفعون صلبانهم المضيئة ليسطع النور فى أرجاء القرية المُظلمة.. تخيل نفسك تطل من فوق.. من سطح البيت، وترى جيوش الصلبان المضيئة، تمر من تحت دارك بالمئات، وأمهاتنا يرششن الفشار، وقِطَع السكر، والحمص ويزغردون».
«يمر الموكب من دار إلى دار، ومن درب إلى درب تتلألأ الشموع، وتعلو الزغاريد، ونحن نغنى تلك الأغنية المهيبة التى لا نعرف معنى محددًا لمعظم مفرداتها، بل لعنوانها أصلًا الذى هو اسم الطقس القبطى نفسه، ولقد سألت أهل اللغة القبطية، وعلماء الفرعونية ولم يدلنى أحد حتى الآن على معنى كلمة «البلابيصا»، وبالتالى الفعل «بلبصى»، ثم المفعول به «الجِلبة»، وهناك معانٍ متناثرة توحى بأن السنة القديمة قد انقضت وهى أشبه بامرأة ماتت لتأتى سنة على هيئة فتاة شابة ترحل فى نهاية السنة الجديدة، وصورة لجمل يحطم مدفعًا وأظنها صورة متبقية من حملة «ديزيه» على صعيد مصر إبان الحملة الفرنسية».
«أما نحن فكنا نغنى تلك الأغنية السريالية التى تحكى عن امرأة تنادى على ابنها «على» ليصحو مبكرًا؛ لأن السنة القديمة قد رحلت كأنها امرأة عجوز اختطفها الموت، وكيف أن الجمل «برطع»، وفى برطعته القوية كسر المدفع، ثم نعود نطالب هذه «البلابيصا» بأن «تبلبص الجِلبة»، ونحن لا نعرف ما هى البلابيصا، ولا كيف تبلبص، ولا ما هى الجِلبة».
وأضاف: «هناك حين تغول الليل، ويغول الليل فى زمن القرية حين تذوب الشموع النحيلة، نعود إلى الدروب.. كل جماعة فى ركن نلتهم البرتقالات، ثم نتجه نحو عود القصب ليلتهم بدوره الجزء الأكبر من الليل، أما فى الدُور وفى تجمعات الرجال؛ فإن لبشًا ضخمة من القصب تُمص فى تلك الليلة، وكأنه عيدًا للقصب، وليس عيدًا قبطيًا للغطاس».

قصيدة «يا بلابيصا..»
يا بلابيصا..
بلبصى الجلبة..
يا على يا بنى..
جُوم بنا بدرى..
دى السنة فاتت..
والمرا ماتت..
والجمل برطع..
كسر المدفع.. !!
ويغنون جميعًا بفرح
ليلتك يا بلابيصا
ليلة هنا وزهور
وفى ليلتك يا بلابيصا
حنو العصفور
ويقول الأطفال الأقباط إذا احتفلوا وحدهم
يا ليلة الغطاس
يا فرحة كل الناس
بعماد الرب إيسوس أي (يسوع)
نسجد ونقول أجيوس أى (قدوس)

طقس العيد.. قلقاس وقصب
تحتفل الكنيسة الكاثوليكية بمختلف دول العالم بعيد الغطاس فى 6 يناير من كل عام. أما بالنسبة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية، فيعتبر عيد الغطاس هو ثالث الأعياد السيدية الكبرى، 11 طوبة الموافق 19 يناير. ويصوم المسيحيين الأرثوذكس عن كل اللحوم بما فيها الأسماك خلال برامون الغطاس، ويأتى قبل عيد الغطاس مباشرة، ومدته من يوم إلى ثلاثة أيام، ويمتنع فيه الأقباط عن تناول اللحوم، ويكتفى بالبقوليات وما شابه.
و«البرمون» كلمة يونانية تعنى الاستعداد، وهو عادة يكون يوم أو يومين أو ثلاثة أيام، ولا يأتى إلا فى عيدى الميلاد والغطاس، ويعامل معاملة الصوم الكبير أى أنه يصام فيه فترة انقطاع ويمنع تناول الأسماك فيه.
القلقاس والقصب
واعتاد الأقباط فى هذا العيد الاحتفال به بتناول وجبات القلقاس والقصب، وهى من العادات التى توارثتها الكنيسة؛ حيث فى عيد الغطاس تمتلئ البيوت بـ«القلقاس»، وليس عبثًا الأكل بهذا الطعام بالذات فى عيد الغطاس، وطبقًا للرموز الروحية داخل الكنيسة القبطية؛ فإن القلقاس مادة سامة ومضرة للحنجرة، وهى المادة الهلامية، إلا أن هذه المادة السامة إذا اختلطت بالماء تحولت إلى مادة نافعة ومغذية، ونحن من خلال الماء نتطهر من سموم الخطية كما يتطهر «القلقاس» من مادته السامة بواسطة الماء.
وعيد الغطاس، يسمى عيد الظهور الإلهى، ويأكل الأقباط القصب كنبات ينمو فى الأماكن الحارة، ربما يذكرنا ذلك بأن حرارة الروح تجعل الإنسان ينمو فى القامة الروحية، ويرتفع باستقامة كاستقامة هذا النبات ونبات القصب ينقسم إلى عقلات وكل عقلة هى فضيلة اكتسبها فى كل مرحلة عمرية حتى نصل إلى العلو، وعندما نداخل القصب نجد القلب الأبيض والقلب الأبيض مملوء حلاوة، أما القلقاس فيرمز للمعمودية فيجب، وضعه فى الماء أولا وتنقيته ليخرج بمادة فائدة للطعام، وبداخله اللون الأبيض رمزًا للنقاء.

غسيل الأولاد بالماء وزيارة المقابر.. فولكلور شعبى للكنيسة المصرية
ارتبط عيد الغطاس بفولكلور شعبى نرى ملامحه الرئيسيّة فى نهر النيل والطعام والأمثال الشعبية وأيضًا الاحتفالات. ومن جهة نهر النيل تقول معظم المراجع التاريخية، إن أقباط مصر يغسلون أولادهم فى الماء، رغم أن هذا العيد يقع فى شدة البرد فى شهر طوبة وبالتحديد 19 يناير.
ويقول المقريزى كان القبط، يخرجون من الكنيسة فى مواكب رائعة ويذهبون إلى النيل؛ حيث يسهر المسلمون معهم على ضفاف النيل، فى ليلة الغطاس والميلاد وكانوا يسهرون حتى الفجر، وكان شاطئًا النيل يسطعان بآلاف الشموع الجميلة والمشاعل المزخرفة، ولذلك أطلق عليه عيد الأنوار وفى هذه الليلة كان الخلفاء يوزعون النارينج والليمون والقصب وسمك البوري.
ويقول إدوار وليم لين فى كتابه «المصريون المحدثون شمائلهم وعاداتهم»: جرت العادة أن يقوم أغلب الأقباط بطقس غريب فى ليلة الغطاس، يغطس الرجال شيوخًا وشبابًا والصبيان فى الماء احتفالًا بذكرى تعميد المسيح، ولبعض الكنائس مغطس كبير يستعمل فى هذه المناسبة بعد أن يبارك الماء أحد القسس غير أن العادة الشائعة عند الأقباط هى القيام بهذا الطقس، ويعتبره أكثرهم للتسلية أكثر من اعتباره شعيرة دينية فى النهر، فيصبون فيه قبل الغطس بعض الماء المقدس من الكنيسة، ويكون ذلك عادة مناسبة لاحتفال كبير عند ضفتى النهر، وتقام الصلوات فى الكنائس عشية هذا العيد، ويبارك أحد القسس الماء فى جرن المعمودية ثم يبلل أو بالأحرى يمسح أو يلمس قدمى كل أعضاء الجماعة الكنسية، ويقام هذا الطقس الأخير أيضًا فى خميس العهد وفى عيد الرسل 5 أبيب.
وتعتقد الجماعة الشعبية فى كل جموع مصر أن الدفء يأتى بعد الغطاس فيقول المثل (يغطس النصرانى ويطلع الدفا الحقاني)، وهو كناية عن طول النهار.
واعتاد الأقباط رجالًا ونساء زيارة مقابر الأهل زيارة منتظمة ثلاث مرات فى العام، فى عيد الميلاد والغطاس وعيد القيامة، وهناك من يقوم بتوزيع الخبز أو القرص كعادة كل المصريين فى (الرحمة والنور)، وهذا الطقس الذى يكفر به المرء عن نفسه وأولاده يفعله مسيحيون ومسلمون فى أعيادهم غالبًا تكفيرًا أيضًا عن خطايا الميت.
ويذكر المؤرخون، أن مصدر هذا الطقس مصرى قديم، فقد تعود المصريون القدماء فى أعياد الآلهة توزيع قرابين من لحوم أو خبز أو محاصيل زراعية وفاكهة، وأشهرها البلح، وأحيانًا أخرى سمن وعسل على فقراء الأمة، عسى أن يتقبل الله ويغفر لموتاهم، ويظهر ذلك حاليًا فى صور ورسوم زيارة المقابر عند القدماء، وهم حاملون معهم سلال الرحمة (طلعة القرافة) كتعبير عن إحياء ذكرى موتاهم كلما انقضى عام، ورمزًا لعقيدة الخلود التى آمن بها المصريون القدماء، كما تشير الرسوم لتقديم القرابين للإله والمعبودات، بالإضافة لما يذكره كتاب الموتى عن أن الميت كان يحسن معاملة الفقراء ويقدم لهم العون. ويذكر المؤرخون أيضًا أن ما نمارسه حتى اليوم من عادة عزاء ثلاثة أيام والخامس عشر والأربعين والسنوية كلها عادات مصرية قديمة، فالأربعين هو الفترة الزمنية التى يقضيها المتوفى فى التحنيط، وكذلك الذكرى السنوية.

الأمثال الشعبية
«غطستم صيفتم ونوزتم شتيتم».. هذا المثل يقال عندما يكون هناك شاب «طلعت عليه السمن البلدي» كما يقولون، وفى عز البرد والشتاء القارس نجده يرتدى «قميص نصف كم»، أى ملابس صيفية ولا يبالى بهذا البرد، فيقول له المثل رغم إن الجو برد مثل توقيت الغطاس أنت تتعامل، وكأننا فى الصيف، بينما فى الصيف أى فى وقت النيروز أنت ترتدى الملابس الثقيلة.
ومثل آخر يقول: «إذا غطس النصرانى طلع الدفا الجواني»، وهذا مثل زراعى ويقصد به أنه بعد عيد الغطاس تبدأ الأرض فى دفء طبيعى يساعد على بداية نضج المحاصيل؛ لأن بعد منتصف يناير تبدأ البذور تثبت فى الأرض، وتنبت وتأخذ فى النمو حتى يأتى مارس «برمهات» تكون اكتملت.
ويذكر المؤرخون أن المصريِّين جميعًا كانوا يحتفلون بعيدى الغطاس والميلاد من خلال التنزه على نهر النيل، وركوب المراكب لتمتد فرحة العيد شاملة مِصر كلها. وكانت الاحتفالات غير مقصورة على المسيحيِّين فى مِصر، بل شاركهم المسلمون فيها أيضًا بحب وتسامح، إلا أن هذا تغيَّر فى العصر العثماني.