السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

بعد حصوله على جائزة اتحاد الكُتاب في الترجمة.. حسام نايل: مصطفى ذكرى أبرز كُتاب ما بعد الحداثة في مصر وأكثرهم تأثيرًا.. ترجمتي المقبلة تدور حول سؤال "ما الذي يحدث حين تُهاجم شبكةٌ نظامًا هرميًا"؟

حسام نايل في حواره
حسام نايل في حواره للبوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اهتم بالتفكيك، فأتخذ منه مشروعًا لأغلب ترجماته، إنه الدكتور حسام نايل، مدرس النقد الأدبى بأكاديمية الفنون، الحاصل على درجة الدكتوراه فى تخصص النقد الحديث، دراسات التفكيك، من جامعة القاهرة كلية الآداب بإشراف الناقد الكبير الدكتور جابر عصفور.
كما حصل «نايل» على جائزة الدولة التشجيعية عن ترجمته كتاب «ضد التفكيك» فى عام 2014؛ ومنذ أيام قليلة فاز بجائزة اتحاد الكُتّاب فى الترجمة عن ترجمته لكتاب «مداخل إلى التفكيك.. البلاغة المعاصرة». وكان لـ«البوابة» معه الحوار التالي.


■ ما أهم الكتب المترجمة التى صدرت لك من وجهة نظرك؟.. ولماذا؟
- من الصعوبة إنكار أهمية ترجمة التفكيك، وهى ستة أعمال صدر بعضها قبل ٢٠١١ وبعضها بعده؛ ومنها الكتاب الحاصل على جائزة اتحاد الكُتّاب، وهو فى الأصل مجموعة مقالات متنوعة عن التفكيك وقع اختيارى عليها من كتب متعددة أثناء دراستى للماجستير والدكتوراه، ومن ضمن هذه المقالات مقالان تأسيسيان فى التفكيك لجاك دريدا وبول دى مان.
ولكن ترجماتى الأهم هي: (المجتمع المفتوح وأعداؤه/هيجل وماركس) لكارل بوبر عن دار التنوير ٢٠١٥؛ (النظام السياسى فى مجتمعات متغيرة) لصمويل هنتنجتون وتصدير فرانسيس فوكوياما عن دار التنوير ٢٠١٧؛ (جسد متألم: صُنْع العالم وتفكيكه) لإيلين سكارى عن المركز القومى للترجمة ٢٠١٨؛ (نهاية السياسة التمثيلية) لسايمون تورمى عن المركز القومى للترجمة ٢٠١٩. وغرضى منها فَهْم الآخر السياسى عبر الترجمة.
■ هل تؤجِّل مشروعك فى النقد الأدبى لصالح الترجمة فى مجالات بعيدة عن تخصصك الأصلي؟
- كنتُ أخطط لدراسة روايات جيل التسعينيات فى مصر، ثم دراسة التصوف، من منظور تفكيكي. لكن حدث تأجيل قَسْرى بسبب صدمة عام ٢٠١١. عدم فهم ما يحدث وعدم فهم العالم من حولك شعور مخيف ومرعب. الحياة ليست أفكارًا فلسفية أو مناهج نقدية معزولة. لم أستطع تحمل الإحساس بأنك عُرْضة للتلاعب والنوايا الشريرة. فاتجهت إلى الترجمة فى النظرية الاجتماعية والعلوم السياسية، وحاليًا نظرية الشبكة. ولا أعرف متى أعود إلى اهتماماتى الأولى. كان ما يشغلنى أثناء ذلك هو تكوين موقف شخصى واجتماعى وسياسى واضح نحو ما يجرى فى مصر وما يجرى فى العالم بشكل عام. ودون ذلك لا يمكن التحرك نحو أى عمل فى النقد الأدبي.


■ هل هناك ارتباط بين السياسة بمفهومها الواسع ومجال الأدب والنقد الأدبي؟
- هذا الارتباط طبيعى فى الأصل، الأمر الطارئ هو تيار ما بعد الحداثة الذى بدأ عمليًا فى مصر مع كُتَّاب التسعينيات، وأبرزهم وأكثرهم تأثيرًا الروائى والقاص، وكاتب السيناريو أيضًا، الأستاذ مصطفى ذكري. وبخصوصى أنا، جرفنى تيار ما بعد الحداثة عبر الاهتمام بدراسات التفكيك منذ منتصف التسعينيات، ولن أنكر افتتانى بالتفكيك وفيلسوفه دريدا، إلى درجة أنه أثناء زيارة جاك دريدا للقاهرة عام ٢٠٠٠ بدعوة من المجلس الأعلى للثقافة، وكان ضمن مطبوعات المجلس، على سبيل الحفاوة والترحيب بفيلسوف التفكيك، بوسترات له بحجم متوسط، كنتُ حريصًا على امتلاك واحد منها. وعندما عدت إلى منزلى علقت صورة الفيلسوف فى مكتبتي، وبينما كنت أعمل أتطلع إلى صورته من آنٍ لآخر. وظللت على هذا الحال حتى أحداث ٢٠١١، ثم مع مراقبتى للأحداث فى هذا العام أسقطتُ صورة جاك دريدا غير آسفٍ، ولا أعرف أين ذهبت الآن وسط «الكراكيب». ومع نهاية عام الصدمة- كما أسميه- أدركتُ أن النزوات الفكرية والفلسفية لا بد أن تنتهى أيضًا. «الحكاية مش لعبة». وهنا يظهر البعد السياسى على السطح، لكن الأعمق هو فكرة المصير، المصير الشخصى والعام. وعندما نتحدث عن المصير يجب أن تتوارى النزوات والأهواء الشخصية. النزوة الفكرية أو الهوى لا يصنعان مصيرًا.
خذ مثلًا الروائى ما بعد الحداثى النموذجى بامتياز مصطفى ذكري- وهو قارئ فلسفة من طراز رفيع- ستلمس حين تتبع صفحته الشخصية على فيسبوك انقلابه الحاد والعنيف، منذ عام ٢٠١١، على كل معارفه الفلسفية وبخاصة المنتمية إلى تيار ما بعد الحداثة. المصير الشخصي، ومصير مجتمع بكامله ليس لعبة تخضع للنزوات والأهواء الأدبية أو المواقف الفكرية والفلسفية غير المدروسة. وليس معنى كلامى رفض الآخر الفكرى والفلسفى والأدبى بل معناه التأمل والتفكر، وإعادة التوظيف بطريقة مختلفة عن الإعجاب أو الانبهار أو الاندفاع الأعمى فى طرق قد نكتشف بعد فوات الأوان أنها طرق مسدودة. علينا أن نتصل بكل العالم اتصال المتدبر والمتفكر وليس اتصال مسلوب الإرادة والقرار والمسؤولية. هذه المراجعة الجذرية سببها صدمة عام ٢٠١١، وهو سبب سياسى كما ترى.
■ نريد إيضاحًا لسمات تيار ما بعد الحداثة هذا.. الذى انقلبت عليه الآن كما أفهم من كلامك؟
- طبعًا الكلام هنا سيكون بشكل اختزالي. لابد أولًا من تحديد السمات العامة للحداثة، وأبرزها الشعور بالهوية والوحدة والقرب، واليقين أو السعى نحو اليقين، وتماسك المجتمع، وتماسك الأبنية الهرمية للسلطة والمؤسسات. إنسان الحداثة إنسان وثّاب متطلع، واثق وتقدمي، يسعى نحو أهداف وغايات واضحة تمامًا على المستوى الشخصي، وعلى المستوى المجتمعى والسياسى أيضًا.
أما ما بعد الحداثة التى بدأت عمليًا بعد الحرب العالمية الثانية، فهى على النقيض من هذا. فإنسان ما بعد الحداثة ممزق الهوية لا يشعر بأى انسجام، إنسان منفصل تملؤه الريب والشكوك بعد أن فقد اليقين بشكل نهائي. هو إنسان يحكى باختصار أفولَ المَرْويات الكبرى العظيمة بتعبير الفيلسوف الفرنسى جان فرانسوا ليوتار. ومن الممكن هنا أن أستعير عبارة فارقة ومهمة قالها مصطفى ذكرى تنطبق على إنسان ما بعد الحداثة: «عندما تزهد الذات فى الوطن والتاريخ والجماعة والسياسة والقضايا الكبرى لا يبقى أمامها سوى الانحطاط فى ظرف وجودها الفردى وزمنها الخاص». لاحظ هنا أن هذا الانحطاط هو نفسه ما انقلب عليه مصطفى ذكرى بدءًا من عام ٢٠١١. وهذا موقف جدير بالتأمل والتدبر.


■ الوضع الأدبى والنقدى فى مصر الآن كيف تراه؟
- فيما أذكر الآن، تحدث الفيلسوف الألمانى هيجل، منذ زمن بعيد، عن رجل النزوة والهوى فى كتابه (أصول فلسفة الحق).
■ أريد إيضاحًا؟
- قراءة الكتاب هى أكبر إيضاح. وأنت تعرف ما أقصد.
■ نعود إليك أنت شخصيًا.. بعد تراجعك عن التفكيك.. ما المنهج النقدى الذى تتبناه حاليًا أو تسعى إلى تبنيه؟
- ليس تراجعًا بمعنى الإلغاء الكامل. لم أقصد هذا. الذى قصدته هو فقدانى للافتتان بالتفكيك، فالحاصل الآن أنى أرى (التفكيك)- وهو الآن بين أقواس- فى ضوء جديد، بمعنى السعى إلى محاولة توظيفه فى سياقات نقدية أوسع بحيث يصبح مجرد إجراء أو أداة بصحبة أدوات أخرى لمُناهَضة عدوان الآخر الأجنبي، وهو عدوان خفى ومستتر تحت أفكار ومقولات براقة. ولعلك تعرف أن النقد الثقافى أو نقد ما بعد الاستعمار يتسع لأدوات وإجراءات نقدية كثيرة.
لكن يوجد أمر مهم أريد لفت الانتباه إليه، وهو أن المشتغل أو الذى يريد الاشتغال بالنقد الثقافى أو دراسات ما بعد الاستعمار لا بد أن يكون ناقدًا متعدد المعارف. الشكل القديم أو التقليدى للأكاديمى المتخصص فى منهج بعينه، ولا يعرف شيئًا خارجه، انتهى أو ينبغى أن ينتهي. كذلك أيضًا المناهج النقدية التى تتعامل مع الأعمال الأدبية بوصفها أبنية جمالية مغلقة، صارت شيئًا عفى عليه الزمن، وأعتقد أنها لم تعد تناسب الوضع الحالى الذى نعيشه أو الذى يمر به العالم الآن، وهو وضع يفرض علينا- شئنا أم أبينا- صراعات عنيفة وقاسية سواء علنية أو مضمرة. وأنا أفكر فى هذا حاليًا إلى جانب أعمالى فى الترجمة، وقد يأخذ هذا وقتًا.
■ ما أحدث ترجماتك التى تعمل عليها حاليًا أو تنتظر صدورها؟
- حاليًا، أنتظر صدور ترجمتين بالتزامن، الترجمة الأولى لكتاب (نهاية السياسة التمثيلية) لأستاذ العلوم السياسية سايمون تورمي، والكتاب صادر بالإنجليزية عام ٢٠١٥، وبالمناسبة كان المرحوم «السيد يسين» أول من أشار إلى أهمية الكتاب وضرورة ترجمته بعد صدوره بشهور قليلة. وعندما وجدته معروضًا للترجمة فى المركز القومى للترجمة بادرتُ إلى التعاقد على ترجمته.
أما الترجمة الثانية التى أنتظرها بشغف فهى ترجمتى لكتاب (السّاحة والبُرج: الشبكات والسلطة من الماسونيين الأحرار إلى فيسبوك) للمؤرِّخ البريطانى نِيَل فِرْجسن، أستاذ التاريخ بجامعة هارفارد، والكتاب صادر بالإنجليزية يناير ٢٠١٨، ومن المتوقع صدور ترجمتى العربية له خلال يناير الحالى عن دار التنوير (بيروت القاهرة تونس). وأرجو أن يكون متوفرًا فى معرض القاهرة الدولى للكتاب؛ فهو كتاب مفاجأة بكل المقاييس، ويكفى أن أقول لك إن موضوعه يدور حول السؤال الآتي: ما الذى يحدث حين تُهاجم شبكةٌ نظامًا هرميًا؟.