الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الأزمات تهدد مستقبل الديمقراطية بجنوب آسيا.. الاضطرابات العرقية أصعب أزمات سريلانكا.. والسياسيون يتجاهلون الدستور في النزاع مع الرئيس الحالي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اندلع شجار عنيف داخل البرلمان السريلانكى فى 14 نوفمبر 2018، الأمر الذى انتهى ببعض النواب إلى المستشفى، على خلفية أزمة دستورية حدثت فى أكتوبر من العام ذاته، عندما حاول رئيس البلاد «مايتريبالا سيريسينا» الإطاحة برئيس الوزراء واستبداله برئيس سابق، مما أدى لخروج المواطنين والمشرعين للتظاهر بسبب رغبة الرئيس فى حل البرلمان، لكن قضت المحكمة الدستورية العليا فى النهاية بعدم دستورية القرار.
حتى وقت قريب كانت سريلانكا من أقدم الديمقراطيات الآسيوية، الأمر الذى جعلها فى مأمن من موجات عدم الاستقرار؛ حيث انتهت الحرب الأهلية الدامية بكولومبو فى عام 2009، وبدت انتخابات عام 2015 وكأنها مرحلة جديدة من التحرر والليبرالية.



فى السياق ذاته، لم تنفرد سريلانكا بالتميز الديمقراطى فى جنوب آسيا، ولكن باتت المنطقة بأكملها أكثر استقرارًا مما كان عليه الوضع منذ عقود؛ حيث خفت حدة العنف والاضطرابات، وعاد العسكريون إلى ثكناتهم، تم احتواء فترات كبيرة من التمرد، كما تشهد منطقة جنوب آسيا نموا اقتصاديًا يبلغ نحو ٦ ٪ سنويًا، وأصبحت بنجلاديش، ميانمار وباكستان – الدول التى كانت تحكمها الديكتاتوريات العسكرية فى الماضى القريب - ديمقراطيات رسمية.
لكن هذا الاستقرار الظاهر يتضمن مصادر كثيرة للقلق؛ حيث تتصاعد التوترات العرقية والدينية، ويحاول السياسيون الفوز بالأصوات من خلال مهاجمة المؤسسات المستقلة، ولكن تبين تجربة جنوب آسيا أن الديمقراطية لا تتقدم بسلاسة ولا تتراجع بصورة منتظمة.
فيقترن التمكين فى بعض المناطق بالقمع فى مناطق أخرى، وتؤدى الإصلاحات إلى صراعات جديدة، ويمنح فتح المجال للمنافسة السياسية الناس الحق فى الفوز بالأصوات، ولكن هذه العملية قد تكون غير ليبرالية بشكل كبير فالانتخابات المنتظمة لا تمنع حدوث الأزمات السياسية، ومن هنا يوضح المسار الديمقراطى فى جنوب آسيا أهمية استغلال الفرص لتحصين الديمقراطية الليبرالية قبل زوالها.


أولًا: محفزات الأزمة
تعود جذور الأزمة فى سريلانكا إلى عهد الرئيس السابق «ماهيندا راجاباكسا» التى تحول الوضع فيه ولاسيما عام ٢٠٠٩ إلى ما يشبه الاستبداد. فعلى الرغم من إنهاء «راجاباكسا» الحرب الأهلية فى سريلانكا التى استمرت لمدة ٢٥ عامًا، لكنه مُنى بهزيمة كبيرة من قبل حركة نمور تحرير تأميل الانفصالية التى عرفت باسم «نمور التأميل»، وأعيد انتخابه فى عام ٢٠١٠، وانتقل مع عائلته وحزب الحرية السريلانكى إلى مركز السلطة، مما مكنه من توسيع نطاق سلطاته والتقرب إلى الصين. وفى النهاية أظهرت تقارير نشرتها المنظمات الحقوقية فى كولومبو علاقة وطيدة بين «راجاباسكا» وملفات الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان.
كان «سيريسينا» عضوًا فى حزب الحرية السريلانكى، ولكن انشق عنه خلال الانتخابات الرئاسية فى عام ٢٠١٥ متحديًا الرئيس السابق «راجاباسكا» بدعم من الحزب الوطنى المتحد وأحزاب المعارضة الأخرى. فاز «سيريسينا» فى الانتخابات وشرع فى تطبيق ما زعم بكونه أجندة إصلاحية طموحة تهدف إلى كبح السلطة التنفيذية والتصدى لأثار الحرب الأهلية.
وعلى الرغم من سعى الحكومة لتطبيق معظم عناصر الأجندة السياسية التى أعلن عنها الرئيس السريلانكى «مايتريبالا سيريسينا»، إلا أن الأمر انتهى فى ١٣ ديسمبر لعام ٢٠١٨ بسجن «سيريسينا» على خلفية حله للبرلمان بطريقة غير دستورية، ورغبته فى إعادة الرئيس السابق «راجاباسكا» كرئيس للوزراء بطريقة غير شرعية. على الرغم من انتهاء الأزمة بشكل فورى، إلا أنها كشفت عن مواطن ضعف عميقة فى النظام الديمقراطى السريلانكى من غير المرجح أن تختفي.


ثانيًا: مخاطر الصراعات الإثنية
تعد الاضطرابات العرقية من أشد الأزمات السياسية التى تعانى منها سريلانكا منذ الخمسينيات؛ حيث كان يمثل الرئيس السابق «راجاباسكا» شريحة قوية من العرقية البوذية السنهالية التى لعبت دورًا كبيرًا فى تعزيز العنف العرقي، من خلال التعويل على تغلغل القيم الأجنبية فى ثقافات بلدانهم، لكن يذهب هذا النوع من المشكلات إلى ما وراء سريلانكا، الأمر الذى جعله يهدد معظم ديمقراطيات جنوب آسيا.
وأصبحت العملية الانتخابية روتينية فى جميع أنحاء شبه القارة الهندية، فغالبًا ما تكون حرة ونزيهة، ولكن لا تزال هناك نزعة عرقية ودينية. ويتمثل الدافع الأساسى وراء مثل هذه الأحداث فى معضلة الأغلبية الأقلية.
ولذا، أسس رئيس الوزراء الهندى «ناريندرا مودي» حزب «بهاراتيا جاناتا القومى الهندوسي» عقب فوزه عام ٢٠١٤، والذى قام من خلاله بتوسيع عدد الولايات الخاضعة لسلطاته. وعلى الرغم من كونه حزبا ضعيفا إلا أنه ما زال يتمتع بشعبية كبيرة حتى عام ٢٠١٩؛ حيث أصبحت الحزبية الهندوسية مشروعًا سياسيًا قويًا فى الهند، وعلى الرغم من أن الكثير من الهنود لا يوافقون على هذه السياسة، ولكن السعى لمنح الهندوس مكانة متميزة تقدم بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، إلى الدرجة التى جعلت المحللين يعيدون تعريف الهند على أنها نظام سياسي هندوسي.
وكذلك، تعود جذور حرب سيريلانكا الطويلة مع «نمور التأميل» إلى صعود القومية البوذية السنهالية؛ وهى جماعة من السياسيين التى لا تزال تتمتع بنفوذ كبير فى البلاد؛ حيث حاول الحزبان السنهاليان المهيمنان فى البلاد أن يتفوقا على بعضهما البعض فى الفوز بدعم القومية البوذية، مما عمل على الحد من قدرة النظام السياسى السريلانكى على استيعاب الأقليات التاميلية والمسلمة فى البلاد. وأتاحت انتخابات سريلانكا لعام ٢٠١٥ فرصة لمعالجة مثل هذه التوترات العرقية، لكن القوميين السنهاليين عارضوا هذه الجهود، مما ساهم فى التدهور التدريجى لجدول الأعمال الإصلاحي.


ثالثًا: إخفاق الديمقراطية
تتعايش ديمقراطية الانتخابات فى جنوب آسيا بشكل غير مريح مع المؤسسات السياسية المستقلة، وخاصًة أنظمة العدالة؛ حيث تجبر المنافسة الشديدة المرشحين على الالتفات إلى ناخبيهم، مما يجعلهم أكثر استجابة، لكن هذه المنافسة تدفعهم أيضًا إلى تسيس المحاكم، البيروقراطية وإنفاذ القانون. وأظهر السياسيون البارزون فى سريلانكا تجاهلًا صارخًا للدستور خلال أزمة النزاع بين الرئيس الحالى ورئيس الوزراء السابق المشار اليها سابقا؛ حيث قدموا مجموعة كبيرة من المبررات لأفعالهم، فعلى الرغم من إثبات السلطة القضائية فى سريلانكا لمدى قوتها، لكنها عانت من إجهاد لم يكن ينبغى أن يحدث فى المقام الأول.
وفى بنجلاديش، استغلت رابطة عوامى التى ترأسها «حسينة واجد» رئيسة الوزراء الحالية، فكرة الإفراط فى الإجراءات فى إطار سعيها للقضاء على منافسيها قبل الانتخابات العامة الأخيرة، وعلى الرغم من فوز رابطة عوامى بأغلبية ساحقة، لكن شابت حملة وسنة الانتخابات أعمال عنف مميتة ومزاعم بحدوث مخالفات انتخابية خطيرة.
لقد أقرت الحكومة قوانين تقيد حرية التعبير، اعتقلت الصحفيين والمعارضين، واستخدمت الشرطة لاستهداف المنافسين السياسيين. ومن المفارقات أن رابطة عوامى تبرر تدميرها للمؤسسات السياسية التى تهدف إلى حماية الحقوق والأمن العام بالانتماء للأغلبية الدينية التى تتمتع بمكانة كبيرة، وتشكيل معارضة إسلاميّة قوية.
وفى الهند، قامت الحكومة بنزع سلطات المؤسسات الوطنية الهامة، والتى يُزعم أنها تدخلت فيها لصالح حزب مودي.
كما شهد المكتب العام للتحقيقات والبنك المركزى الهندى نزاعات دراماتيكية وعلنية على خلفية أزمة المصداقية التى تعانى منها مؤسسات الدولة النخبوية؛ حيث يسعى الحزب الحاكم «بهاراتيا جاناتا» إلى الحفاظ على أعلى مستوى من السلطة على حساب المعارضة السياسية.
لكن الجديد فى الأمر هو معاناة معظم دول جنوب آسيا من المشكلة العكسية التى تتمثل فى تدخل العسكريين فى الشئون المدنية بدلًا من تدخل السياسيين المنتخبين فى شئون المؤسسات المستقلة. فعلى الرغم من انسحاب الجيش من الشأن السياسى فى الكثير من الدول الأسيوية التى شهدت فترات طويلة من الحكم العسكرى ولكنهم ما زالوا يتدخلون فى السياسة.
ختامًا: لا يمكن مقارنة مشكلات جنوب آسيا – العرقية والدينية، الهجمات على المؤسسات المستقلة، النفوذ العسكرى المتزايد-بالمزايا المتعددة للديمقراطية الليبرالية، إلا أن تجربة سيرلانكا تُظهر أنه من الصعب التمييز بين التقدم والارتداد. تتراجع الديمقراطية بشكل كبير لدى بعض البلدان الأخرى مثل المجر، وعلى الرغم من أن هذا ليس هو الوضع فى جنوب آسيا المليئة بالتناقضات، ولكن يجب أن يتحلى أولئك الذين يدافعون عن الديمقراطية باليقظة، لاسيما فيما يتعلق بمشروعات حماية حقوق الإنسان، مواجهة الساسة الذين يقوضون سلطات المؤسسات المستقلة والمنظمات التى تسعى إلى الهروب من المساءلة.