الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

المسك والعود.. "روايح طيبة" وعلاج روحاني

المسك والعود
المسك والعود
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى العصور الماضية، استخدم المصريون البخور فى المنازل والمساجد لتعطير المكان والشعور بالاسترخاء النفسي، واستخدمه الفراعنة لتبخير المعابد والمقابر، وخلال بعض الطقوس الدينية.
أما الآن، فأصبح استخدامه عند البعض مرتبطا بطرد الأرواح الشريرة والقضاء عليها، ويستخدمه السحرة والمشعوذون فى عمليات النصب على ضحاياهم لكثرة دخانه، وخداعهم بأنه غذاء للجن، بالاتفاق مع بعض العطارين على اختراع أنواع من البخور بأسماء خرافية وغالية الثمن لاستغلال المرضى.
واخترقت «البوابة نيوز» عالم البخور داخل أقدم أحياء القاهرة بـ«الغورية»، ورصدت أقدم محل للعطارة، وعمره 120 سنة، حيث تعاقبت الأجيال عليه وكان آخر أصحابه، الحاج عبدالفتاح العطار، الذى ورث أقدم عطارى مصر القديمة.
واستطلعت آراء علماء الدين، وأساتذة التاريخ، وخبراء الطب النفسي، وأيضا أطباء الصدر، لمعرفة رأى الدين فى استخدام البخور، وتاريخ استخدامه، وموقف الطب منه من حيث فوائده وأضراره.
أستاذ تاريخ: الفراعنة أول من «بخروا» المعابد
يقول الدكتور أحمد الشافعي، أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة الملك عبد العزيز، إن العلاقة بين البخور والإنسان قديمة، ترجع إلى الحضارات القديمة، خاصة الهندية والصينية، حيث استخدم فى المعابد ودور العبادة، إذ يُعتقد بأنّ الشياطين تكره رائحة البخور وتبتعد عن المكان، ويتم تطهير المكان باستخدام الدخان المنبعث من البخور، ويصنع البخور من مواد عديدة منها الزهور المجففة وعود الصندل وبعض الخلطات السرية، وكان أول استخدام مسجل للبخور من قبل المصريين فى عصر الأسرة الخامسة فى الفترة من ٢٣٤٥-٢٤٩٤ قبل الميلاد، وكان يستخدم فى بعض الطقوس الدينية فى العصر الرومانى واليونانى، وانتقل بعد ذلك للاستخدام فى الاحتفالات البوذية فى الصين وأمام أضرحة الشنتو فى اليابان.
وأضاف «الشافعى» أن أكثر من تميز بصناعة البخور قديمًا هم أصحاب المعابد، إذ كان لديهم نوعان من البخور الأول ذو رائحة محببة، والآخر ذو رائحة منفرة، ولكل نوع استعمالاته الخاصة.
«الزار» ديسكو الفقراء بالأحياء الشعبية
«المنخول» و«البودرة» ضرورى لـ«الكودية».. و«المصرى» و«السودانى» و«أبو غيط» و«تنبورة» أشهر الأنواع
«طبل وزمر وبخور ودماء تسيل من ذبح الأضاحى»، مشهد تعودنا على رؤيته فى أفلام السينما المصرية ليوحى بأننا داخل حلقة من حلقات «الزار»، ذلك الفن الذى شارف على الاندثار ولم يتبق منه سوى بعض الفرق التى تحاول إحياءه من جديد.
ويوضح الحاج عبد الفتاح العطار أن سكان الأحياء الشعبية قديمًا كانوا يعتمدون فى شتى أمورهم الحياتية على «كودية الزار»، التى تعتمد فى حفلاتها على مناجاة أسماء ليست مألوفة مثل «بنى مامه»، وتدعوهم للوقوف بجوارها، وتخفيف الآلام عنها، كما تنادى على من تدق له الزار، حتى تتخيل أنها تستحضر جنًا سفليًا، وعندها تتزايد ضربات قلب الضحية مع دقات طبول فرقتها، وتنتابه أحاسيس لا تعلم هل هى مشاعر خوف، أم طاقة جديدة تجتاحه.
ويبدأ الزار عندما تقوم «الكودية» بوضع كرسى فى وسط المجلس، تجلس عليه صاحبة المنزل التى نصب لها الزار، وتُحضر فرختين وديكا وتربط أرجلها، ثم تضع الديك على رأسـها وتضع الفرختين على كتفيها، وتتلو نصوصًا معهودة وتنشد أناشيد بينما الحاضرات يقلن «دستور يا سيـادي، مدد يا أهل الله يا سيادي»، وتضرب «الكودية» ومن معها على الدفوف بنغمات مختلفة ومتسارعة.
ويضيف الحاج عبدالفتاح، أن هناك أكثر من نوع للزار، منها الزار السودانى، والزار المصرى، و«زار أبو غيط»، و«زار تنبورة»، «والزار أسبوعي» الذى يقتصر الاحتفال فيه على إظهار الاحترام للسيد واسترضائه، وحاضرات هذا الحفل يُطلق عليهن «كريس»، وهن فئة مُدمنات للزار، حيث يعتقدن بعدم قدرتهن على الحياة بدون المشاركة فى حفل الزار، و«الحفل الكبير» الذى تُمارس فيه طقوس كل عناصر الزار «موسيقى، رقص، ملابس، تمائم، بخور، أغاني»، ويستهدف شفاء المريض بمعرفة الأسياد ومحاولة إرضائها وتقديم القرابين لها، و«الحفل الحولي» ويقام فى شهر رجب من كل عام، وتُخصصه الكودية لكل الأسياد المعروفة لها، ولكن تتوقف حفلات الزار بلا استثناء طوال شهر رمضان.
أما عن موسيقى الزار، فيقول الحاج «عبد الفتاح»، إن الكودية تستعين بفرق تدق على أنواع من الدفوف والطبول، حيث يرتبط كل سيد من الأسياد بإيقاع خاص، فهُناك «الفرقة البلدي» المكوّنة من خمس نساء، ثلاث منهن على المزاهر، وواحدة على الطبلة النص، والأخرى على مرجص، والفرقة الثانية هى الطنبورة أو الفرقة السوداني.
كان محببًا للرسول عليه الصلاة والسلام
قال الدكتور عبد العزيز شومان، من شيوخ الأزهر، إن بعض الأشخاص يستخدمون البخور لتصديقهم بأنّه يمنع الجن والشياطين من دخول بيوتهم، كما أنّه يمنع العين والحسد من إصابتهم، وقد أفتى العديد من العلماء فى الإسلام بعدم جواز ذلك بسبب تشبههم فى هذا التصرف بالسحرة والمشعوذين، وطقوسهم فى جلب الجنّ وإبعادهم، أما استخدام البخور بسبب خصائصه العلاجيّة وفوائده الكثيرة العائدة على صحة الجسد والنفس فلا بأس به، وقد كان البخور من الأشياء المحببة للرسول عليه الصلاة والسلام.
أما الشيخ محمد السيد، فيقول إن استخدام البخور الطيب كالعود والمسك والورد الطائفى ونحوه، من الأسباب المباحة التى لا تتعارض مع الأحكام الشرعية، شريطة ألا يعتقد فيها بالنفع والضر، بسبب أن الشياطين تكره الرائحة الطيبة لخبث أرواحها، وتوافق ذلك الجانب فى طبيعتها مع الرائحة الخبيثة، فهى تميل لها وتحبها.
«سرطان الرئة» أبرز المخاطر
حذر بعض أطباء الصدر، من أن البخور له آثار جانبية شديدة تؤثر على صحة الإنسان، حيث قال الدكتور زكى محمود، إخصائى أمراض صدرية وحساسية، إن البخور يشكل خطرا على الإنسان، حيث إنه يحرق داخل المنزل ويولد ملوثات الهواء مثل «أول أكسيد الكربون»، خاصة فى الأماكن المغلقة، وبالتالى ينتج عنه التهاب الرئة ويؤدى لمضاعفات أكثر للجهاز التنفسي، وأعراضها السعال، والعطس، بسبب فرط الحساسية عند بعض الأشخاص عند استنشاق الهواء الذى يحتوى على البخور، كما أن بعضا من تلك الملوثات التى تصدر عن حرق البخور تسبب التهاب الشعب الهوائية التى تمرر الهواء إلى الرئتين، كما تحتوى أعواد البخور على ثانى أكسيد الكبريت وأول أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجين والفورمالدهايد، وهى عناصر تؤدى إلى الانسداد الرئوى المزمن والربو، خاصة عند استنشاق كمية كبيرة من البخور، حيث يحدث نفس تأثير التعرض لدخان السجائر.
وقالت الدكتورة سعاد حفظى، إخصائى أمراض صدرية وحساسية، إن التعرض طويل الأجل للبخور يزيد من خطر عدوى سرطان الجهاز التنفسي، كما أن البخور السام الذى يحتوى على الرصاص والحديد والماغنسيوم والغازات الكيميائية السامة، فيؤدى إلى مشاكل بالكلى وزيادة تركيز الشوائب فى الدم، كما يؤدى البخور إلى تأثير سلبى على صحة القلب، وذكرت بعض الدراسات أن الاستخدام طويل الأمد يزيد من خطر وفيات القلب والأوعية الدموية.
الحاج عبدالحميد العطار: السحرة يشيعون تغذى الجن على «الدخان» للنصب على الضحايا
الجاوى والمصطكى والصندل والكافور والكندر والسعد والبشع والأظفر أشهر الأنواع.. والتصنيع من الزعفران واللبان والعنبر والصندل والحنة والياسمين
وقال الحاج عبدالفتاح صاحب أقدم محل للعطارة بـ«الغورية، وعمره - المحل- ١٢٠ سنة: يشيع السحرة أنهم عالمون بأسرار عالم الجن والشياطين، وأن الجن يتغذى على البخور بكيفية لا نعلمها ولا ندركها كإنس، لذلك يلجأون لحرق البخور عند استحضار الجن والشياطين، فبمجرد حرق أنواع معينة منه وتلاوة بعض العزائم الكفرية، تهرع الجن إلى الساحر، حسب زعمهم، فالبخور قربان يتقرب به الساحر إلى شياطين الجن، باعتباره أحد طقوس السحر وعبادة الشيطان، وما هذا كله إلا دجل ونصب يستغله المشعوذ للضحك على ضحاياه.
وأضاف «العطار»، أن البخور يصنع من مواد تحتوى على زيوت عطرية نفاذة، تستخلص من أعشاب كالزعفران، ولحاء الأشجار (كالعود)، وإفراز الأشجار (كاللبان)، وكذلك يستخدم (العنبر) فى التبخير وهو يستخرج من الحوت، و(المسك) وهو يستخرج من حوصلة تخرج من نوع معين من الغزلان، وكذلك الصندل، والحنة، والياسمين.
وتتنوع المصادر وتختلف الأنواع من أعشاب وأشجار، والتى تتواجد فى بلاد شتى من أنحاء العالم، وأحيانا يصنع البخور من خلطات أعشاب ومواد عطرية مختلفة، ويحتفظ مصنعو هذه الخلطات ومبتكروها بسر تركيبتها، وقد يشكل البخور على هيئة عيدان، أو خلطات معبأة فى أكياس خاصة، أو مجسمات ذات كتلة، ومن أشهر أنواع البخور، المسك، العود، الجاوي، المصطكي، الصندل، الكافور، اللبان المُر (الكندر)، السعد (وهو عبارة عن العقد الجذرية المجففة)، البشع (ينمو على بعض الصخور الرطبة وكذلك على جذوع بعض الأشجار الكبيرة مثل العرعر، حيث تجمع وتجفف وتستعمل كبخور)، والأظفر، وهى أظافير (حراشف) مشتقة من حيوانات بحرية أو برية، وبعضها نظيف جدًا وخال من البقايا اللحمية، وهى إما متطاولة أو مدورة. وأشار «العطار»: إلى أن هناك بعض العطارين يشاركون المشعوذين فى إتمام عملياتهم، ويوهمون المريض بوجود عدة أنواع من البخور غير الموجودة، وبأسعار مرتفعة على حسب مستوى حالته المادية، كما يعمل الساحر على إقناعه بأن شفاءه يقتصر على شرائه تلك الخرافات، وهناك من يستعين بالنصاب لفتح المقابر الأثرية، وقد يصل المبلغ المطلوب حينها إلى نصف مليون أو مليون جنيه.
علاج للحالة النفسية
خبراء: يزيد القدرة على التفكير بهدوء.. والرائحة تساهم فى تدفق الطاقة الإبداعية
الطب النفسى له رأى آخر فى البخور وفوائده، حيث يقول الدكتور سالم على، طبيب نفسي: يعتقد معظم الأفراد أن البخور يستخدم كمعطر للجو، غير مدركين الفوائد الأخرى التى يمكنهم الحصول عليها من البخور، خاصة «العود» على العقل والجسم، حيث إنه يزيد من القدرة على التفكير بهدوء وزيادة الوعى بشكل إيجابي، وقد استخدمه القدماء فى التأمل لتنقية الأجواء وكذلك الأفكار.
وأشارت الدكتورة سلوى الدر، خبيرة نفسية، إلى أنه منذ فترة طويلة تم استخدام أحد أنواع البخور من قبل الأفراد فى تنقية الهواء والروح، وذلك لأنها لها تأثير مضاد للجراثيم، وبالتالى تعمل على تنقية الهواء، وتقوم أيضًا بزيادة الطاقة الإيجابية، فالهواء النقى له تأثير الأطعمة الصحية على الدماغ والجسم، ما يؤدى إلى زيادة مستوى التحفيز والطاقة، كما تعمل كمطهر للجراثيم الموجودة فى البيئة، فهناك دراسة صينية حديثة استخدمت البخور فى تعقيم جناح المستشفى وأصبح من الوسائل الفعالة للتعقيم، لأنه يحافظ على البيئة المحيطة نظيفة، وبالتالى يمنع العدوى والمرض، ويقتل الجراثيم.
وأضافت «الدر»، أن حاسة الشم تؤثر على المخ وتعمل بعض الروائح على تحفيز الاستجابة الفورية، حيث تقوم بعض الروائح على إنتاج المواد الكيميائية الأساسية مثل «السيروتونين»، و«الدوبامين» وهى عناصر مسئولة عن الشعور بالسعادة والاسترخاء والرضا وتخفيف الصداع، بعض أنواع البخور تقوم بفتح الممرات الأنفية وخفض ضغط الدم.
كما أوضح الدكتور سمير إسماعيل، خبير نفسي، أن هناك بعض الدراسات قام بها فريق دولى من العلماء، تؤكد أن حرق البخور الأصلى ينشط القنوات الأيونية فى المخ التى تخفف الشعور بالقلق والاكتئاب، ومن أهم الآثار المعروفة للبخور منذ العصور القديمة أن له آثارا مهدئة، حيث يقوم بإبطاء معدل ضربات القلب وتهدئة الأعصاب، وهذه الآثار تخفف من تراكم التوتر فى العضلات، ما يؤدى إلى استخدام البخور كمهدئ للعضلات.
يقول الدكتور مجدى عبد الدايم، أستاذ الصحة النفسية، إن البخور من أدوات الدجالين التى يستخدمونها فى تمويه الحقائق بمحاولة لإقناع الطرف الآخر بقضايا غيبية، وقدرته على كشف الغيب مستغلين ثقافة المجتمع بارتباط البخور بالبركة والتعبّد.