الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القمص أنجيلوس جرجس يكتب: هل حطم الأقباط تماثيل الفراعنة؟

القمص أنجيلوس جرجس
القمص أنجيلوس جرجس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الأسبوع الماضي تم اكتشاف تماثيل محطمة من معابد أجدادنا الفراعنة في منطقة المطرية والتي كانت تعرف بـ"هليوبوليس القديمة" أو "مدينة الشمس" أو "مدينة أون" وهي كانت مدينة علمية لاهوتية بها معابد ومكتبات زاخرة بالعلوم والفكر اللاهوتي لأجدادنا الفراعنة. وقد تزوج يوسف الصديق ابنة فوطيفار كاهن أون كما يذكر هذا سفر التكوين من التوراة. كما أنها أحد محطات رحلة العائلة المقدسة التي فيها جلست تحت شجرة احتمت فيها وهي المعروفة بشجرة مريم.
وكان الاكتشاف لتماثيل محطمة من بقايا أحد المعابد التي كانت منتشرة في هذه المنطقة، ونظراً للجدل الذي حدث في طريقة انتشال التماثيل المحطمة خرج علينا أحد المتخصصين في الآثار ليقول أمام الرأي العام أن هذه التماثيل كانت محطمة أصلاً وقد حطمها الأقباط في القرن الخامس. وقد أعتدنا على إلصاق التهم جزافاً بالأقباط فهناك من يصفهم بالكفرة، وأخر من يرى أن الكنائس بها أسلحة، وأخر من يتهمهم بالعمالة للخارج. ولكن نتعجب كثيراً حين تخرج هذه الكلمات من متخصصين في الآثار والتاريخ، وسنعود لمناقشة هذه الفكرة بكل جوانبها.
أولاً: لا توجد في العقيدة المسيحية تحريم التماثيل والصور، بل أن الأيقونات والصور من نسيج الطقوس الدينية المسيحية فلا توجد كنيسة في العالم ليست بها أيقونات أو صور. وفي الغرب التماثيل جزء أساسي من بناء الكنائس. بل حين حدثت ثورة في أوروبا على الأيقونات والتماثيل في القرن الثامن نتيجة اقتناع الإمبراطور ليو الثالث بأنها توحي باستمرار الوثنية رفضت الكنيسة هذا المفهوم وتمسكت بوجود الأيقونات في الشرق والتماثيل في الغرب وعلمت أنها ليست للعبادة ولكنها نوع من أنواع الفن التعبيري للأفكار المقدسة التي تجعل المصلي يعيش في هذه الأحداث.
ثانياً: تاريخ المسيحية في مصر لم يخبرنا بأي هجوم على معابد الفراعنة، أو حتى الإقلال من شأن تاريخ الأجداد، أو احتقار أفكارهم. وبالرغم من العصور التي كانت الأغلبية في مصر مسيحية وانتشار الكنائس في كل ربوع مصر لم يحدث أن علمت الكنيسة بهدم معابد الفراعنة أو محو آثار وجودهم وأفكارهم المنتشرة في كل أنحاء القطر المصري. وحين جاء القديس مرقس إلى الإسكندرية وكرز بالمسيحية لم يعلم أي تعليم ضد أفكار الفراعنة بل كما ذكرنا حين سمع عن الإله الواحد في مصر قال إنه جاء ليخبرهم بالمسيحية التي تعلم بالإله الواحد، بل أنشأ مدرسة الإسكندرية اللاهوتية التي كانت تُعلم بجانب الديانة المسيحية الفلسفات والفلك والعلوم والطب والموسيقى والشعر.
بل أكثر من هذا نجد في المتحف القبطي جداريات من آثار إهناسيا ترجع تاريخها للقرن الرابع والخامس كانت علامة "أونخ" الفرعونية (مفتاح الحياة) تزين الكنائس القديمة. وفي دير الأنبا شنودة بالصعيد نجد أيضاً علامة "أونخ" بداخل الدير وهو من القرن الخامس. بل أكثر من ذلك أننا نجد في معابد كثيرة للفراعنة يوجد مذبح مسيحي كانت تقام فيه الصلوات داخل المعبد، ففي القرن الرابع والخامس بعدما أصبحت مصر كلها مسيحية وأبطلت العبادة الفرعونية لم يهدم الأقباط تلك المعابد أو يكسروا التماثيل بل صنعوا مذبح للصلاة داخل المعبد وأبقوا على عناصر المعبد كما هي.
بل الأعمق من هذا أن المسيحية في مصر أبقت على بعض العادات والطقوس الفرعونية التي تتماشى مع الفكر المسيحي مثل؛ صلاة الثالث والأربعين للمتوفي وهي أحد العادات الفرعونية. بل أبقت على الاحتفال بالنيل وجعلته في عيد الغطاس، والاحتفال بشم النسيم بكل عناصر طقوسه الشعبية التي كانت ترمز لأفكار في الديانة الفرعونية ولكنها جعلته اليوم الذي يلي يوم عيد القيامة.
ولعل السؤال الآن لماذا قيل أن الأقباط حطموا التماثيل في القرن الخامس؟ وهذا يحتاج لتدقيق تاريخي، ففي القرن الخامس وتحديداً عام 385م. أصدر الإمبراطور الروماني ثيؤدوسيوس قراراً بهدم كل معابد الأوثان في أرجاء المسكونة وإبطال العبادة الوثنية في كل العالم. ويجدر الذكر هنا أن شقيق الإمبراطور قد جاء إلى مصر وترهب بها وعاش فيها ناسكاً متوحداً وصار قديساً كبيراً وهو القديس كاراس. وكانت مصر في هذا الوقت تحت الاحتلال الروماني وجاء القرار فهاج الوثنيون في الإسكندرية التي كانت لا يزال بها عدد كبير منهم، وحدثت فتنة كبيرة إذ كانوا يختطفون المسيحيين من الشوارع ويقدمونهم ذبائح بشرية على مذبح سيرابيس بالسيرابيون. ووصل الأمر للإمبراطور فأرسل جنوداً يهدموا مذابح الأوثان بالإسكندرية وفي كل مصر وحطمت التماثيل الوثنية في ذلك الحين وهذه الحادثة معروفة في التاريخ في العالم كله. ولكن حطمت التماثيل الوثنية الرومانية فقط التي كانت تستخدم للعبادة أما التماثيل التي كانت في شوارع الإسكندرية لم تتحطم.
أما المعابد المحطمة في المطرية وعين شمس أو هليوبوليس القديمة فلها حادثة شهيرة ذكرها المؤرخ هيرودوت، وهي في عام 525 ق.م. طلب قمبيز أن يتزوج أبنة فرعون مصر أحمس الثاني فأرسل له فتاة أخرى وحين اكتشف ذلك قمبيز قرر احتلال مصر فجاء إلى مصر واحتلها، وكان أحمس الثاني قد مات فأمر بإخراج جثته وأخذ يضربها وحرقها. ثم دخل إلى معابد مدينة أون التي هي المطرية وعين شمس وضربها بالحديد والنار وحطمها تماماً. وهذه الحادثة معروفة تاريخياً أن الذي حطم تماثيل ومعابد هليوبوليس هو قمبيز الفارسي. وقد كان الاحتلال الفارسي دائماً يفعل هذا بآثار مصر فالاحتلال الثاني 621م. حين هزم كسرى ملك الفرس الرومان في مصر دخلوا على الكنائس والأديرة والمعابد المصرية وحطموا أغلبها.
وقد حدث أيضاً تحطيم لآثار مصر نتيجة زلازل شهيرة مثل زلزل عام 27 ق.م. الذي تحطم على آثره بعض المعابد في الجنوب. وزلزل عام 360 م. الذي حطم الآثار البطلمية والفرعونية في الإسكندرية وغرقت كثير من تلك الآثار في البحر. هذا بجانب ما تحطم من آثار نتيجة الإهمال والجهل عبر التاريخ.
وبعد هذا السرد التاريخي نتمنى أن من يتكلم على الأقباط أو تاريخهم أن يبذل مجهوداً في البحث أو أن يسأل قبل أن يلصق التهم. فلم يوجد في العالم كله مثل الأقباط حافظوا على هويتهم المصرية فلولا حفاظنا على اللغة القبطية التي حاول الكثيرين أن يمحوها لما اكتشف شامبليون مفردات اللغة المصرية القديمة. والذي يستمع إلى الألحان القبطية يستطيع أن يدرك أننا حافظنا على الروح المصرية. فالأقباط هم المصريون الذين أحبوا تراب وطنهم، وحافظوا على كل ما فيه من حضارة وإشراق وروحانية. وإلى الآن العالم كله يأتي إلى مصر ليرى هذا التناغم الحضاري الفريد من عصور قديمة وحديثة، ومن روحانية تتغلغل في الأحجار والأيقونات لتخبرهم عن الهوية المصرية التي لن تموت. بل وحضارة معاشه في أعياد تمتزج فيها تقاليد الماضي بالحاضر، وأياد تتكاتف بحب في حماية هذا الوطن وتاريخه وآثاره.