السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جاذبية في ليبيا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أمضيت أسبوعى فى تلقى صدى مقابلة السهرة الثقافية العربية بمحطة ماسبيرو، ومقالى عنها هنا الإثنين الماضى حول السيرة الذاتية والغيرية الذاكرة المستعادة الشاهد والوثيقة، ما تلقفته رفقة شكر وتقدير محلى وعربى مباركة وتهنئة بصدور كتاب يوثق سيرة رائدة إعلامية، مذكرات «أول مذيعة تليفزيون ليبية عايدة الكبتي»، ضرب باتجاهين أولهما تواصل وحوار مباشر من رائدات الوطن منهن: خيرية بعرة، جمعونة مادي، سلوى صفىالدين السنوسي، وبواسطة أبنائهن مفصلين لى من وقائع سردية ووثائق، مُلحين باتجاه مشروع حفظ الذاكرة الوطنية، كونها أدوارا مغيبة عن الالتفات والتوثيق، وهو ما يُذكر بتقدير وتكريم معنوى لمن بادروا عمليا ريادة فى أكثر من مجال ما يجعلهم صفحة معتبرة وهامة فى سجل تاريخ جدير بالحفظ والتوثيق لمن نحتوا فى صخر الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأفقر بلد فى العالم، ليبيا لحظة حصولها على استقلالها بقرار من الأمم المتحدة عقب جهود آباء ونخب، وإصرار داعمين على رأسهم من قاد جامعة الدول العربية وانحاز للمطلب المناضل والسياسى عبدالرحمن عزام.
أما ثانى ما تلقفت وفى تذكير واستشعار بمن حققن سبقا وريادة فكان مقالا مطولا للكاتب الصحفى والناقد شعبان يوسف عن الكاتبة الأدبية جاذبية صدقى (1920 - 2001) بالعدد الأسبوعى (أخبار الأدب 6 يناير 2019 - العدد1328) وهى من خصصت لها رائدة التليفزيون الليبى عايدة الكبتى فى مذكراتها ثلاث مقالات إعجابا وتقديرا (من الصفحة 137 إلى 145)، جاذبية حسب تقصى ورصد من يوثق فى حلقات متتابعة لكاتبات فى المواجهة، تُسجل سبقا فى جيلها فلأكثر من نصف قرن وهى فى محك الكتابة قصصا قصيرة، ورواية، ومسرحا، وأدب أطفال، وأدب رحلات أنثربولوجى أثنوغرافى محلى ودولي، وأدبا شعبيا، ودراسات أدبية واجتماعية، وترجمة لأدب عالمي، وحسب «شعبان يوسف» يُعدها الأغزر إنتاجا فى جيلها ونموذجا أعلى بفاعليتها وكمُدافعة فى مقاومة التجاهل والتعسف الذى لحق كاتبات مثلها أنتجن كتابة نسوية فى زمن نال الإجحاف فيه منتجها وجهدها، رغم تواجدهن جنبا وبموازرة كتابات نصفهن الآخر!.
تحفظ لنا رائدة التليفزيون الليبى عايدة الكبتى بمذكراتها تفاصيل لقائها الأديبة جاذبية وابنتها ببيتها بطرابلس ومرافقتها فى تنقلاتها، وتصفها بالسيدة خفيفة الظل سلسة التعامل، وبعد أن تشير إلى سلسلة مقالات كتبتها الضيفة عن زيارتها الطويلة لليبيا، وتوثق لها مقالا مطولا نشر عام 1966 م بمجلة مصرية لم تحددها (وضعت عايدة بصفحة الفيس بوك نسخة مصورة للمقال بالمجلة) بعنوان «مبهورة مبهورة أنا» تبدأهُ «صدقي» بهذا المقطع: «كنتُ أظنها صحراء مترامية امتدادًا لصحرائنا الغربية، منطقة ما تفجر فيها الذهب الأسود فأكب رجالها ينهلون منه ويعبون عبا، يغرفونه بكفوف سمراء لها أصابع طويلة مُدببة جشعة وأنانية ثم يحيلونه إلى ذهب أصفر رنان يدسونه فى جيوب عباءاتهم الفضفاضة، ثم يجوبون العالم دائبين وراء لذائذه ورفاهيته، وقد حبسوا الحريم فى القصور على أطراف صحرائهم! ولكن ليبيا سامحها الله أصابتنى بدوار من فرط ذهول اعترانى هى قطعة من أوروبا»، وتصف جاذبية ليبيا ببيوتها ومساجدها، وفنادقها، ومصانعها الإنتاجية، بجمعياتها الفكرية، والثقافية، والعلمية، والنسائية، وتورد رأيها عقب حضورها للقاء حواري: «حلو جدًا أن تكون مستمعًا فى حلقة مناقشة فتجد أحدهم يتحدث ويأتى بالحجج ليدعم رأيه فيريد أحدهم أن يعترض، فماذا تظنونه يفعل هل يلوح بيديه وذراعيه وكتفيه؟ أبدًا والله بل يبتسم بدماثة ويقول سامحنى يا أخى أرجوك أن تسامحنى لاتؤاخذنى بالله عليك فلى رأى مخالف لرأيك تمام الاختلاف وهو كذا وكذا..، ويعلن رأيه بوضوح وبشخصية وبإقناع مبلور، محدد المعانى».
الرائدة عايدة تعتذر من قرائها كون رحلة جاذبية صدقى وابنتها تحتاج صفحات كثيرة ليس لذاكرتها اليوم أن تفيها حقها، ففى مدينة مصراته (غرب ليبيا) وفى استقبال حافل من سيداتها الناشطات مدنيا وأهليا، كان من ضمن برنامج الزيارة استضافة بمقر جمعية نسائية تكشفت فيها جاذبية الجهود المبذولة فى التمكين الاقتصادى لمن يحتجن للعمل استثمارا فى المواد المتوافرة من صوف وجلود ومزروعات، وببيت إحدى العائلات التى تنخرط فى مشروع الأسرة المنتجة تستمع لحكاية تبنى العائلة لمُسنة وفى ظروف إنسانية محزنة، لكن المسنة تلقى احتضانا حميما ولسنين حتى أن من يراها يظنها من أهل البيت عرقا ودما، وفى فحوى مقالها عن تلك الزيارة إشارة إلى ما لمسته من تعاضد أهلى كتبت: ما هذا الذى أرى؟ ما هذا الذى أسمع؟ فى حلم أنا أم علم؟ صدقونى أن أعظم ما فى ليبيا هم ناسها أهلها شعبها، أهل ليبيا هم أغلى ماتملك.
جاذبية وعايدة وصنوهما أينما تواجدن من المبدعات الرائدات فاعلية ومنتجا صادقا، ندينُ لهن إذ يمنحن تاريخنا النضالى النسوى سندا وظهرا صلبا، مرجعية واثقة الخطو، هن من نبخل عليهن بالذكر والتكريم المستحق الواجب، وأن نقرأهن سيرة حياة فى مناهجنا لأجيالنا، وما نتداوله من مطبوعات دوريات وكتب، وأسماء لشوارعنا ومؤسساتنا، هل ننصفهن وقد مُنحنا قوة المسير ومواصلة المشوار من سُلمهن وعبر جسرهن فى زمن التأسيس الصعب وكن فيه مناضلات.