الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

داعش 2019.. طقوس التحولات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تغريدة ترامب التى اختتم بها العام الماضى- الأسلوب الذى اعتمده فى إعلان أغلب قراراته- حول سحب تدريجى للقوات الأمريكية من سوريا، نتيجة ما وصفه «تدمير داعش فى سوريا بصورة دائمة!» وأدت إلى استقالة عدد من المسئولين، كما أثارت ردود فعل متناقضة بين قادة دول العالم.. بالتأكيد لا تمثل توصيفا واقعيا دقيقا حول مستقبل هذا التنظيم. المؤشرات والإحصاءات الأكاديمية المختلفة التى عرضت انخفاض العمليات الإرهابية التى شهدها العالم عام 2018 بعد خسارة داعش معاقله فى العراق وسوريا.. أكدت فى المقابل اتساع المساحة التى تنتشر عليها التنظيمات الإرهابية التى تعمل تحت لواء داعش، لتمتد إلى جنوب وشرق آسيا وأفريقيا، وأن هذه المساحة قابلة للازدياد خلال هذا العام. الفراغ الذى سيخلفه الانسحاب الأمريكى وتم تنسيق اقتسامه بين روسيا- تركيا- إسرائيل، لا تدخل المنازعة على اقتناص مساحة منه ضمن مخططات داعش المستقبلية لعدة أسباب، منها افتقاده قدرة الاستمرار كتنظيم يبسط نفوذه عبر احتلال مدن أو مناطق يعلنها عاصمة للخلافة بعد انحساره فى العراق وسوريا نتيجة الضربات التى تلقاها، والتى بدورها ستدفع داعش للتحول من «شبه دولة» إلى «شبكة عمليات سرية».
طبيعة التهديد الذى يمثله داعش مستقبلا لخصه تصريح صدر مؤخرا عن رئيس الإنتربول «إن أوروبا ستواجه موجة جديدة من الإرهاب، سواء بسبب عودة أفراد مرتبطة بداعش وتنتمى إلى جنسيات مختلفة من بؤر الصراع أو خروجهم من السجن، خصوصا أن أغلب هؤلاء يجرى شحنهم بالأفكار الإرهابية داخل السجون ليصبحوا أكثر تشددا».. علما بأن هناك أفرادا ينتمون إلى حوالي 100 جنسية التحقوا بالتنظيم، ما يتيح لمجموعات منهم التنقل بين أماكن جديدة أو العودة سرا إلى بلادهم. التحدى الأخطر، الذى يتجاوز كثيرا كلمات تغريدة على تويتر، فى مواجهة التنظيم قيامه على فكرة «الخلية» وعدد من المجموعات الفرعية التى لا تربطها علاقات مباشرة مع قادة الخلايا، بالتالى فإن درجة ارتباط الأعضاء بالقيادات العليا تكاد تكون منعدمة. قد تظهر مجموعات مسلحة فى منطقة ما تعلن تبنيها فكر التنظيم دون الارتباط به مباشرة.. بالإضافة إلى عدم ارتباط نهاية التنظيم بقتل قادته.
إعادة هيكلة داعش وفق عدة مستجدات أبرزها تقلص الهيمنة الأمريكية على العالم وسياسة ترامب توزيع تصاريح «الحرب بالوكالة» إلى دول أخرى.. مع انهماك أوروبا فى أزماتها السياسية والاقتصادية. تلك التطورات من شأنها منح طاقة جديدة لداعش وزيادة فرصه فى الانتقال إلى «تكتيك» مختلف عن عملياته السابقة، يعتمد على تكثيف حرب العصابات بعد فرار عناصر التنظيم خلال فى الأشهر الماضية من العراق وسوريا إلى دول مختلفة واستغراقهم فى إعادة ترتيب الصفوف لشن هجمات نوعية جديدة من قبل ما يعرف بمجموعات «الذئاب المنفردة». إعادة الترتيب لن تعتمد على نهج استقرار التنظيم داخل منطقة أو عاصمة خلافة محددة، إذ ستنصب أنشطة داعش مستقبلا على الانتشار الإلكترونى والتجنيد الشبكى لعناصر من كل دول العالم لتخفيف ضغط الهجمات عن بقايا معاقله، بالإضافة إلى وجود فروعه المنتشرة فى العالم.. داعش سيصبح أكثر ميلا للاعتماد على آلية التفجيرات والعمليات الانتحارية عبر «ذئابهم المنفردة» ما يجعل مصدر التهديد الذى يمثله التنظيم قائما.
تداعيات دور روسيا، العائدة كقوة عظمى إلى المنطقة، فى محاربة داعش أفرز نتائج ملموسة تحديدا فى سوريا.. فى المقابل، تفيد التقديرات الرسمية الأمريكية إلى أن حوالى 30 ألفا من مقاتلى التنظيم مازالوا ينتشرون بين العراق وسوريا، ما دفع عددا من المسئولين فى الإدارة الأمريكية على الإجماع أنه إذا لم يتم الحفاظ على الضغط الذى تشكله القوات الأمريكية على داعش، سوف يؤدى ذلك إلى إحيائها بشكل سريع ما يشكل خطرا أمنيا على أمريكا خصوصًا مع لجوء التنظيم لتفكيك خلاياه إلى مجموعات صغيرة تضطلع بهجمات إرهابية فردية، وهى خطة تعتمد عليها التنظيمات لفترات طويلة بهدف إنهاك الأنظمة وإعادة فرض سيطرتها على مناطق ما زالت فى حالة «هشاشة» أمنية.
تركيا.. التى أحال ترامب لها ملف قتال داعش! بينما هى تملك سجلا حافلا من سوابق تعقيد القتال ضد التنظيم. أبرز الدلائل التى تم الكشف عنها العلاقات التجارية التى تربط «بلال» ابن أردوغان مع داعش، تحديدا فى عمليات شراء وتهريب البترول من العراق إلى تركيا.. العلاقة الوثيقة دعمتها مجموعة صور لاجتماعات بلال مع قادة داعش فى سوريا. تركيا لم تطلق رصاصة واحدة دفاعا عن دماء الجالية التركمانية التى أراقها داعش خلال احتلاله مدنا عراقية.. ولم تتحرك قاعدته العسكرية التى رابطت فى منطقة «بعشيقة» بمدينة الموصل خلال احتلال داعش لها لإطلاق رصاصة واحدة تجاه مقاتليه!. تركيا لم تخف أولوياتها التى تقتصر على محاربة الحركات الكردية الانفصالية وتدمير منطقة الحكم الذاتى للأكراد فى سوريا.. انسحاب أمريكا سيشكل إزالة العقبة الرئيسية أمام تحقيق هذا الهدف الذى دفع تركيا إلى إنشاء ثلاث قواعد عسكرية فى شمال العراق كمركز لهجماتها ضد الأكراد بعيدا تماما عن الدخول فى مواجهة مع داعش.
أخيرا.. تنتقل إلى العام الجديد الأسباب الداعمة لاستمرار نشاط داعش بين العراق وسوريا فى شكل جيوب متفرقة تعتمد عمليات محدودة.. الفوضى السياسية فى العراق وعدم طرح الحكومة خططا لإعادة النازحين قسريا من مناطقهم واستخدام التنظيم فى سوريا كورقة ضغط على بشار الأسد بتنسيق أمريكي- تركي.