الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

محمد شفيق غربال.. يقرأ التاريخ بعيون القاهرة

المؤرخ محمد شفيق
المؤرخ محمد شفيق غربال
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما أراد المفكر والمؤرخ محمد شفيق غربال، أن يلقي نظرة إجمالية على التاريخ العربي، فضل أن تكون نظرته تنطلق من معرفة القاهرة، تلك المدينة التي استوعبت مزيد من الحضارات والأمم، وأنتجت تكوينا عجيب وشخصية فريدة، تحدث عنها غربال في كتابه "تكوين مصر"، فنجده في صدر كتاب "من زاوية القاهرة" يسرد موقفا ذكره الكندي في كتابه "فضائل مصر"، يوضح كيف أصبحت مصر مركزا بين الأمم، وشخصية متوازنة في تاريخ الحضارات.

غربال، والذي تحل ذكرى ميلاده اليوم الجمعة، قال في مطلع كتابه "من زاوية القاهرة" أن أميرا من أمراء مصر، قال يوما وهو بالميدان الذي يلي الفسطاط: أتتأملون الذي أرى؟
قالوا: وما الذي يرى الأمير؟
قال: أرى ميدان رهان، وجنان نخل، وبستان شجر، ومنازل، وذروة جبل، ونهرا عجاجا، وأرض زرع، ومرعى ماشية، ومرتع خيل، وصائد بحر، وقانص وحش، وملاح سفينة، وحادي إبل، ومغارة رمل، سهلا وجبلا في أقل من ميل في ميل".
بينما يعلق غربال على مقولة الأمير أن هذا يعتبر صورة حقيقية لمدينة الفسطاط/ القاهرة، فمصر تتوسط العالم العربي، ومن زاوية القاهرة نطلع فنرى حلقاته وأدواره متناسبة متوازنة، كل حلقة في مكانها، وكل دور في موضعه، لا يطغى شيء على شيء، الضوء موزع التوزيع العادل، والظلال كذلك.
ويعلل بقاء مصر مركز الحضارة والتاريخ لأسباب، منها: توسطها الجغرافي الظاهر، ومنها: أنها المرآة
الصادقة لظاهرة عربية عامة، ظاهرة التركيب العجيب للأصل والوافد من عناصر الحضارة العربية، ومنها ثالثًا: أن مصر وحدها، مصر دون سائر الأقطار العربية اتصلت أدوار تاريخها في نسق محكم مسبوك.
إن تاريخ الأمة العربية – بحسب رؤية غربال- هو ملتقى تواريخ الأمم، هو من تلك التواريخ بمثابة النهر الكبير تصب فيه الجداول، وتلتقي في مائه أمواه الفروع. ألا ترى أصحاب الكتب العربية التاريخية العامة يبدؤون بشتى الأمم والشعوب، ثم يسيرون بها رويدا رويدا إلى أن يبلغوا زمن الرسالة وقيام الدولة العربية، وحينئذ يسلكون تواريخ الأمم في تاريخ الأمة العربية، ولنتأمل قليلا تركيب تلك الدولة العربية، وتركيب تاريخها. في هذا التاريخ يندمج كل ما يتعلق بالجزيرة العربية قبل الإسلام، بقبائلها وممالكها وأيامها وأحوالها وآدابها، هذه جزء لا يتجزأ من تاريخ الأمة العربية، ثم إذا ما انتقلنا من الجزيرة نحو البلاد التي فتحها العرب، والتي انتشروا فيها، والتي استعربت شعوبها بأقدار متفاوتة من الاستعراب، فإننا نجد تلك الشعوب متحضرة بحضارات، هي في ذاتها تتركب أيضا من عناصر أصيلة وطارئة، وفي مختلف الأقطار التي استوطنها العرب يتنوع امتزاج عناصر الحضارة تنوعا كبيرا.

غربال، مؤرِّخٌ مِصري، يُعَدُّ صاحبَ مدرسة خاصة في مجال الدراسات التاريخية، ولد في الرابع من يناير لعام 1894، حصل عامَ ١٩١٩م على درجة البكالوريوس في التاريخ الحديث، انتخب عميدا لكلية الآداب، ورحل في العام 1961.