الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القمص أنجيلوس جرجس يكتب.. باب التوبة مفتوح لكل تائب

القمص انجيلوس جرجس
القمص انجيلوس جرجس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عام 249م اجتمع بروما مجمع لمحاكمة قس يتبع الكنيسة الرومانية، يدعى "نوباطس"، وقد علم أن الذي ينكر الإيمان وقت الاضطهادات أو الذي يسقط في الزنا لا تقبل توبته، وغالبًا ما قد لاقى هذا التعليم القبول عند البعض، حتى إن كنيسة روما في ذلك الوقت تجتمع وتحاكمه.
وقد حضر ستون أسقفًا وثمانية عشر كاهن، وناقشوه، ولكنه أصر على رأيه، وقال لهم قول بولس الرسول: "الذين استنيروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس وسقطوا، لا يمكن تجديدهم أيضًا بالتوبة" (عب 6: 4-6). 
فأفهموه أن التجديد هنا يقصد به بولس الرسول المعمودية أي لا يتم المعمودية مرة أخرى لتجديد التائب، بل يكتفي الرجوع، وأخذ الحل الكنسي من فم الكاهن والتناول من الأسرار، ولكنه بكبرياء المهرطقين، أصر على رأيه، فقالوا له: "لا تكن عدوًا للـه ولنفسك وللإنسانية".
وكان هذا يعد قولاً بليغًا حقًا فمن يغلق باب التوبة أمام الخاطئ، يكون عدوًا للـه، إذ يعلم ضد كلام وهدف وعمل المسيح نفسه، إذ قال: "لم آت لأدعو أبرارًا بل خطاة للتوبة" (لو 5: 32).
ويكون عدوًا أيضا لنفسه، لأنه ماذا سيفعل لو سقط هو في الخطية؟ سيحرم أيضا من الرجوع إذ يتملكه اليأس بهذه الأفكار ويغلق على نفسه باب التوبة.
وهو أيضا عدو للإنسانية، لأنه إذا انتشر هذا التعليم فمن يخلص، لأننا نحمل طبيعة قابلة للسقوط، بل يقول الكتاب المقدس: "لأن الصديق يسقط سبع مرات ويقوم" (أم 24: 16).
ولكن انظر كيف كانت الكنيسة الأولى حريصة جدًا على التعليم والأفكار، فقد اجتمع المجمع لمحاكمة فكرة ليست لاهوتية، وقد يمكن أن يراها البعض تصرفا غريبا لا أكثر أو تشدد من كاهن في قبول أو رفض توبة الخاطئ.
وكان يمكن للكنيسة أن تتجاوز عن هذه الفكرة، بأن تعلم أن هذا مجرد تصرف فردي وعلى من يريد التوبة أن يذهب إلى كهنة آخرين، ولكن القضية كانت هي التعليم الفردي والشخصي غير المستلم من الكنيسة.
ومن هنا تأتي الخطورة، فلا يمكن أن نقبل أن يكون في الكنيسة تعليم شخصي، يسير على هوى الأشخاص، فالكنيسة استلمت تعليما واحدا من الرب للرسل للآباء، ولا يمكن لأحد أن يحيد عنه.
كما أن هذا المجمع أيضًا، أكد أن الكنيسة ليست جماعة أبرار لا تخطئ، بل هي جماعة تائبين، فكل من يحمل ضعفا لا يبتعد ويشعر بأن ليس له مكان في هذا المكان المقدس، بل الكنيسة هي استمرار عمل المسيح للتبرير والمغفرة والاغتسال من الخطايا مهما كانت.
وإن كان الرب في العهد القديم، يصف شعبه في سفر إشعياء: "حينما تأتون لتظهروا أمامي، من طلب هذا من أيديكم أن تدوسوا دوري؟ لا تعودوا تأتون بتقدمة باطلة، البخور هو مكرهة لي، رأس الشهر والسبت ونداء المحفل، لست أطيق الإثم والاعتكاف، رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسي، صارت عليّ ثقلا، مللت حملها، فحين تبسطون أيديكم أستر عيني عنكم، وإن كثرتم الصلاة لا أسمع" (إش 1: 12-15)، وهذا يعني حكم الرب عليهم أنهم يبتعدون لأجل خطاياهم؟ أبدًا بل يصف هذه الحالة الشديدة الانحراف والجرح العميق للخطية والدنس وعدم النقاوة.
ولكنه يقول: "اغتسلوا. تنقوا. اعزلوا شر أفعالكم من أمام عيني، كفوا عن فعل الشر" (إش 1: 16) أي يقدموا توبة وأما هو فيقوم بدور مهم لكل تائب وهو ليس المغفرة فقط بل يعطي قوة التغير الكامل، فيقول: "إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج، إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف" (إش 1: 18).
وإن كان قال هذا عن الخطية والمغفرة والاغتسال والتطهير في العهد القديم، بينما الخاطئ يقف ولا يوجد شفيع كفاري، ولا يوجد صليب ولا يوجد دم المسيح والسماء محتجبة وفي حالة خصام مع كل الأرض، فما هو بالأكثر إذن في العهد الجديد، حيث يوجد ينبوع دم المسيح، الذي يغفر الخطايا، لما رأى ماريوحنا: "خروف قائم كأنه مذبوح" (رؤ 5: 6) أي دم المسيح قائم أمام الآب يشفع دائمًا في الخطاة.
بل أن عمل المسيح من تدبير خلاص وتجسد وتعليم وآلام وصلب وقيامة وتأسيس الكنيسة كان لأجل الخاطئ، أن يجد مكانا وأن يدخل إلى أحضان المسيح.
ولا يظن أحد أن أي خاطئ يرجع ويتوب تظل خطيئته عارا وذنبا وحالة لا تضيع، فهو قد قال: "أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي، وخطاياك لا أذكرها" (إش 43: 25). 
وإن كان داود النبي صاحب القيثارة والمزمار الروحاني والرؤى والنبوات، قد سقط في خطيئة الزنا، وحين أرسل له الرب ناثان النبي واعترف بخطيته قال له: "الرب نقل عنك خطيتك" وصلى داود المزمور الخمسين، وقال: "اغسلني فأبيض أكثر من الثلج"، ولم يأت أحد ورفض مزامير داود النبي لأنه سقط، ولم يأت أحد ويقول لا نسمع له أو نتعلم منه لأنه سقط، بل لا يزال داود النبي في الكنيسة معلما طاهرا من فمه نأخذ صلواتنا اليومية، بل وهو قائم أمام العرش السماوي يحمل رتبته العليا.
والأعظم من هذا أن النبوات عن السيد المسيح، ارتبطت به فهو ابن داود وملكوت العهد القديم هو كرسي داود، ويقول في سفر الرؤيا لملاك كنيسة ساردس: "أن لك اسما أنك حي وأنت ميت.. فاذكر كيف أخذت وسمعت، واحفظ وتب، فإني إن لم تسهر، أقدم عليك كلص" (رؤ 3: 1، 3).
ويقول لملاك كنيسة اللاودكيين: "أنا عارف أعمالك، أنك لست باردا ولا حارا، ليتك كنت باردا أو حارا! هكذا لأنك فاتر، ولست باردا ولا حارا، أنا مزمع أن أتقيأك من فمي.. فكن غيورا وتب" (رؤ 3: 15-19).
ويقول لملاك كنيسة أفسس: "أنك تركت محبتك الأولى. فاذكر من أين سقطت وتب" (رؤ 2: 4، 5).
وكما نرى أنه يرسل لملائكة الكنائس، ويقول لهم توبوا فإذا كان يقول هذا لملائكة الكنائس التي كانت ترمز للكنيسة، فهل يمكن ألا يقبل التوبة لأي أحد.
وكيف لا يقبل هو من يقبل إليه تائبًا، وهو قد أوصى أن نسامح نحن سبعة في سبعين مرة، قال له يسوع: "لا أقول لك إلى سبع مرات، بل إلى سبعين مرة سبع مرات" (مت 18: 22)، ويقول لنا أيضًا في الصلاة الربانية "اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن" (مت 6: 12)، ويقول أيضًا: "من يقبل إلىّ لا أخرجه خارجا" (يو 6: 37).
بل لقد أعطى سلطان المغفرة للكنيسة متمثلة في سر الاعتراف حين قال: "من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت" (يو 20: 23)، ويقول هذا في المطلق ولم يقل أن هناك خطايا لا تغفر.
وفي حياة الآباء نجد قديسين كبار كانت حياتهم كلها خطايا، وبعد التوبة صاروا قديسين عظام مثل أنبا موسى الأسود، وبعد توبته وقداسته كان الآباء يسمعون الشيطان الذي كان يرافقه في حياته قبل التوبة يبكي خارج القلاية وهو يتعذب.
ويقول أنبا أنطونيوس: "الذي اعتاد أن ينبع منه الموت إذا فعل ما هو نافع ينبع منه الحياة".
ونأتي لأعظم صورة لقبول التائب، قالها لنا الرب نفسه في مثل الابن الضال، فمع أنه قد أضاع ميراث أبيه وهيبته، وذهب بعيدًا تاركا أباه، ولكن حين عاد وتاب، وقال له أخطأت وجد أحضانه مفتوحة، بل وأعاد له الخاتم والحلة الأولى، وصنع له وليمة العجل المثمن، ووبخ أخاه، لأنه لم يفرح برجوعه معه، فكيف لا يقبل أي خاطئ مهما كان.
وفي مشهد حب قوي للإنسانية التي ضعفت وسقطت وكانت عيون البشر وأياديهم تريد أن تعاقب وألسنتهم تجرح وعيونهم تفضح وأقدامهم تدوس، جاء السيد الرب، ووقف بينهم وبين تلك المرأة التي أمسكت في نفس الفعل ليحميها ويهبها حياة جديدة، وبدلاً من قساوة البشر وجدنا أحضان المسيح، وبدلاً من العقاب وجدنا الرحمة، وسمعت المرأة اذهبي بسلام ولا تخطئي.
وأخيراً يقول القديس يوحنا ذهبي الفم ما يجعل أي خاطئ يقبل إلى التوبة دون تردد، فيقول: "لا توجد خطية تستنفذ سخاء وكرم وجود رحمة اللـه، حتى ولو كان زانيا أو فاسقا، إن قوة محبة اللـه هي عظيمة للدرجة التي تجعل كل الخطايا تختفي وتجعل الخاطئ يسطع بدرجة أكثر من ضياء الشمس".
ويقول أيضًا: "أن اللـه يجول طالبا حججا يستطيع أن يخلصك بها من جهنم، فأعمل ما يمكنك فإذا تحسرت عيناك ولو بدمعة واحدة يأتي هو ويجعلها حجة لخلاصك قبل أن يخطفها الشيطان".