الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل مفوضية عدم التمييز هي الحل؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ينص الدستور فى المادة 53 «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض».
كلام جميل وكلام معقول، فوجود قانون ينظم إنشاء مفوضية لعدم التمييز «حق جدًا» حيث سيجسد ويفعل ويطبق هذا القانون وتلك المفوضية كل الحقوق التى استهدفتها المادة «53» من الدستور.
أى أن هذه المفوضية ستمنع وتجرم وتحاسب كل من يميز ولا يساوى بين المصريين لأى سبب من الأسباب الأحد عشر أو لأى سبب آخر لم يرد فى المادة الدستورية، أى أن هذه المفوضية ستجرم كل أسباب التمييز وطرقه وأساليبه، ومنها التمييز عند الاختلاف الدينى أو بمعنى أدق التمييز على أساس ديني، وهو أحد أهم أسباب التمييز.
حيث إن التمييز الديني، وإن كان أحد أهم الأسباب لممارسة كل أنواع التمييز، إلا أن هذا لا يعنى أنه لا يوجد تمييز أيضًا بسبب باقى الأنواع التمييزية الواردة فى المادة الدستورية.
هنا لا أحد يرفض أو يتحفظ أو لا يوافق على إصدار هذا القانون وهذه المفوضية، ولكن نريد هنا أن نتحدث عن فكرة التشريعات القانونية المماثلة لهذه المفوضية، والاستسهال فى إصدار مثل هذه القوانين قبل أن نمهد ونُعد ونجهز المناخ العام لقبول وتقبل مثل هذه القوانين حتى تجد مكانًا لها فى المجال العام للتطبيق، حيث إن القضية ليست فى تشريع هذه القوانين، فمن خلال جلسة للجنة الخاصة، وأخرى للجنة العامة بالبرلمان بعد تقديم مشروع القانون، المرضى عنه، يكون لدينا قانون لمثل هذه المفوضية، ولكن هل كل قانون يجد طريقه للاقتناع المجتمعي، حيث يتم الالتزام به فيمكن تطبيقه على أرض الواقع؟ للأسف سنجد عشرات القوانين التى تم تشريعها ولم تر لها وجودًا أو قبولًا أو إمكانية لتطبيقه، وهو الأهم،.
هناك قانون المرور وقانون عدم البناء على الأراضى الزراعية وقانون دور العبادة...إلخ، لكن هل واقعيًا أو عمليًا نشاهد تطبيقًا فعليًا لمثل هذه القوانين؟ بالطبع لا. لأن هذه القوانين لم يسبقها حوار مجتمعى حقيقي، بمعنى حوار وبترتيبات تخص القانون ذاته وتخص تمهيد وتربية ووعى وثقافة وسلوك، وغيره لتكون التربة والمناخ جاهزين ومهيئين للتطبيق. إلا أنه على أرض الواقع شاهدنا أن مثل هذه القوانين تكون بطريقة غير مباشرة سببًا فى زيادة وتضخيم المشكلة، وسنعطى مثالًا لكل الذين يختصرون هذه المفوضية فى التمييز بسبب الدين نتيجة لما نشاهده من ممارسات طائفية ضد المصريين المسيحيين تصورًا من هؤلاء أن الفلسفة من إنشاء هذه المفوضية هو التمييز الدينى فقط، وهما قانون دور العبادة وقانون المفوضية هذه. فهل قانون دور العبادة حل مشكلة بناء الكنائس؟ وهل القانون حل وأنهى عدم التمكن من تنفيذ موافقة على بناء كنيسة فى موقع يقال إنه غير صالح أمنيًا؟ وهل القانون نص على أن المصلين فى مكان غير مرخص أو فى مكان بديلًا لغياب كنيسة أن يقوم المتطرفون والسلفيون بدور السلطة المخول لها لمواجهة هذه المواقف؟! بالطبع القانون لم يقل هذا، ولكن الواقع والمناخ الطائفى والسلوك الثقافى والموروث الطائفى وصم المجتمع بهذا السلوك وبتلك الممارسات الطائفية التى أصبحت شيئًا طبيعيًا لكثيرين، وكأن هذه السلوكيات حق ولا علاقة للقانون بها!.
وعلى ذلك هل المناخ العام بسلوكياته وممارسته وثقافته ودرجة وعيه جاهز لتطبيق هذه المفوضية؟ نحن لسنا ضد القانون ولا المفوضية، فهذه بديهيات معروفة، ولكن نريد أن نكون عمليين وموضوعيين وواقعيين أكثر وألا نستسهل ونختصر الأمور فى مزيد من التشريعات، ولكن الأهم والأصعب هو تغيير المناخ وإيجاد ثقافة لقبول الآخر، ليس الدينى فقط ولكن الآخر كل الآخر وعلى كل المستويات والأشكال، فبغير قبول الآخر إيمانًا واقتناعًا فكيف يُلزم القانون بهذا القبول حتى بعد تنفيذ العقوبات؟ وهل العقوبات وحدها يمكن أن تجبر الإنسان على أن يقبل الآخر؟ وكيف تحقق هذه المفوضية دورها فى ظل واقع كهذا؟ أقل ما يقال عنه، أنه واقع يستمرى ويستحسن الموروث الطائفى والفرز الطائفى الذي وفى كل الأحوال، يتعامل مع المصريين فيما يخص المسيحيين والمسلمين على أرضية طائفية. فلا نبالغ لو قلنا إن الأغلبية العظمى تتعامل ولا تزال بهذا المفهوم الذى أصبح قابعًا فى الضمير الجمعى المصري.
نعم الحل هو تطبيق المواطنة بحقوقها وواجباتها على الجميع بلا استثناء، عند ذلك لا يكون هناك داعى لقانون بناء الكنائس أو مفوضية عدم التمييز أو ما يماثل ذلك.
ولكن كيف أطبق عدم التمييز والمواطنة والجميع، بما فيهم مؤسسات الدولة، تتحدث عن الأخوة الأقباط؟! فالمواطنة يا سادة لا تعرف الأخوة الأقباط، حيث إن هذا قمة التمييز الذى أصبح طبيعيًا، حتى أننا نطالب بالمواطنة وعدم التمييز لهؤلاء الأخوة !!.
كيف يكون هناك مواطنة، والمسلمون يتعاملون على أرضية المسلم، وكذلك المسيحيون، بل ويعتبرونه فخرًا واعتزازًا لكل منهم. فالمسلمون يتحدثون بأسلوب الأخوة الأقباط، وهذا مرفوض، وفى المقابل هؤلاء الأخوة الأقباط، خاصةً أقباط المهجر، يصرون ويزايدون فى التحدث على أرضية الأقباط وليست المواطنة، فى الوقت الذى يطالبون فيه بحقوق المواطنة، فما بالك بالسلفيين وأحزابهم التى تتحفنا كل عيد مسيحى بخطابها السلفى ونصائحها العظيمة وخوفها على المسلمين من أن يقترفوا ذنب المعايدة على الأخوة الأقباط الذميين، وبعد كل هذا بالله عليكم عمليًا وبقراءة سياسية علمية موضوعية للواقع، هل الحل فى تشريع قوانين تضاف للقوانين المركونة على الرف لتزيد من الاستهتار بالقانون؟! أم أن الحل فى القانون الذى يجد الأرضية والثقافة والمناخ اللازم للتطبيق؟
فلا فائدة لقانون الكنائس ولا مفوضية لعدم التمييز بغير تفعيل المواطنة الحقيقية لكل المصريين، لا فائدة للقوانين مع السماح لأحزاب دينية تمارس تمييزًا على كل المستويات، لا فائدة للقوانين بدون إلغاء التعبيرات والمفاهيم والموروثات الطائفية، وأقلها تعبير الأخوة الأقباط وتعريف الشخصيات على أساس دينى مثال كاتب قبطى ومفكر قبطي.. إلخ، لا فائدة من القوانين فى غياب المواطنة وعدم التمييز نتيجة تعامل الجميع مع الكنيسة على أنها الممثل الطائفى والسياسى لهؤلاء الأخوة الأقباط؟!! حمى الله مصر وشعبها العظيم من هذه الطائفية.