الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

المطران جورج خضر يكتب: دعاء ميلاد

المطران جورج خضر
المطران جورج خضر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عَيْنُكَ التي ترى بلدي بَعْثَرةً كبرى قادرة سيدي أن تلملمه. يدك التي نثرت النجوم ألا تحنو علينا لمسات حب علّنا نثق بأنك مفتقدنا من وراء الموت. يا من تمتم الوجود نفسه على شفتيك أما قلت كلمة واحدة لنبرأ جميعًا؟ تعال في هذا العيد لننسى ويتوب الوجه إلى الوجه ومغرب الشمس إلى مشرقها. أَطِلَّ، مسيحي، في ضيائك العظيم حتى يستقيم الفكر من نزوة والروح من بعد تيه. وإذا مسحَتْنا يمناك فالعرج يطفرون والموتى يقومون وندفن أحزاننا في الفرح الآتي ونمشي الكتف إلى الكتف نحو ما يفوق كل عقل ووصف.
يا أيّها الوسيط بين الله والناس، يا من بمولده انهارت الحواجز بين الذكر والأنثى، بين الحرّ والعبد، ألن تصرخ في آذان القوم أنك لا تعترف بالسدود التي أقاموها فيما بينهم، وأنهم أحبة الله على السواء ولو تفرّقوا شيعًا؟ ما بالهم عبدوا أنفسهم ومخاوفهم وما في صدورهم من وساوس؟ لماذا ذهبوا بنفوسهم إلى مساكن الجن، إلى رقصات الأشباح فتمزقت في حلباتها صورة الإله؟ أو تندم اليوم على خلق الإنسان؟ لقد استقال العقل لأن القلب فيه فتر. متى تردّ إلى القلوب نقاوتها حتى تستنير العقول؟
المرض فتّاك والطب عاجز. فالدواء ليس من ههنا. فلتنزل الألوهية بكلمة-فعل. قبل ذلك نرقع ديننا بدنيانا، نستبدل بالزائل الزائل. لقد عُدمنا كل وسيلة من فوق لما تحوّلت أدياننا أحزابًا واستعملنا الإله نفسه صنمًا. والشرك شرك النفس. لم نكن لك سيدي. ابتززناك للشهوة واجتررنا شهواتنا حتى انفجرت فينا فأسلمنا للجنون.
وبعد ذلك نفسّر الجنون وعيًا وكنا في الماضي نزكي كل فسوق. وبتنا الآن لا يقلقنا الفسق ولا تحرجنا الجريمة ولا يزعجنا البتة أن نستعفي من الإيمان باسم الدين ونُقصي الله عن قلوب جفت.
لن يقوم بلدي ما لم يدرك خطأه. ألا يذكر بلدي انه اعتاد أن ينتقل من حضن إلى حضن؟ الذي كان يمتد برجاحة عقله ويحسب انه وزّع الحضارات أَقَبلَ قول «عليّ وعلى أعدائي يا رب» قبول الرضا؟ يأبى الإنسان أن يجيب ليقي نفسه من اليأس.
ومع ذلك جئتَ سيدي لتلقي على الأرض سلامًا، ليس هذا الحاصل أمامنا إذا وضعَتِ الحرب أوزارها. تريد سلامًا تتقبّله القلوب إذا عمّدَتْها الوادعة. لا يكفينا أن نبني المدينة معًا. لا ترتفع النفوس مع الحجارة. تؤسّس النفوس في عمل التلاقي. فكل إنسان فريد وأنت قادر أن تعيد له فرادته. وكما رأيناه مشوَّهًا اجعلنا أيّها السيد أن نبصره جميلاً كما رأيته أنت عند فجر الخليقة وكما تراه في عظيم الغفران.
الرؤية في أن نحب حتى نقلب التاريخ. نحن لا نرتهن لقباحات الزمان. النتوء الإلهي في الإنسان هو كل الإنسان. ديانتك مسيحي في هذه الألوهة أنى كانت. ونحن ظالموك إنْ لم نطلبها حيث تكون. أنت مديد البهاء وكل منتشر للبهاء كنيستك. ما عدا ذلك ركام طوائف، إخراج قيد. ونحن لسنا رهن الطوائف بل رهن كل كلمة من فيك. ألم يقل تابع من أتباعك: «كثيرون يظنون أنهم في الداخل وهم في الخارج، وكثيرون يظنون أنهم في الخارج وهم في الداخل»؟ كل خطيئات الآخرين في كل أزمنتهم لا تبطل سعيي إلى من تقبل روحك فيه إذ حيث يكون روحك فهناك كنيستك. لقد أتيت لتجمع أبناء الله كلّهم إلى واحد، ومَن جمعتَ أنت في رؤيتك لن يفرّقه إنسان. أنا ان جعلوني في لطفي والشهادة ذبيحة حق أرثك في أرض الأحياء وأنا فوّاح عطر أبدي.
نجّني ربي من الخوف إذ انه الحس بأن الآخر هناك في الحي الآخر، وفي اليقين الإلهي أننا جميعًا هنا في الحي الواحد بعد أن أمسى جسدك، جسد المعذبين الملتقى. اعصم اللسان عن لغة «هم ونحن» إذ لا نتحدّث عن إنسان في صيغة الغائب ما لم نجعله غريبًا ولا نغرّبه إلاّ إذا حجبناه ولا نحجبه إلاّ إذا أقصيناه عن الفؤاد.
أعطني يا سيّدي أن أسمّي الله إذا ذُكر إنسانٌ حتى أثقّله بالألوهية فتأخذني به، أعطني أن أدرك السرّ الذي يحوط به وقوة حبّك له فإنك رسمته مشروع خلق من بداءة إلى بدايات حتى لا ينطوي فيختنق. هب أيّها المخلّص أن أتقبّل الآخرين إشراقات تقيمني في وجود محضون، وإذا عظم سحرهم في عينيك أنّى لعينيّ أن تقفا عند قباحة.
خذني إلى الناس لا إلى ما يقولون، لا إلى ما قرئ عليهم فقد تنفع الكتب إذا صار الإنسان بها كتابًا.
أنا حرّ منهم ومني، مما يشعرون نحوي ومما يشعر ذويّ نحوهم. أنا لا أعامل نصوصًا، أتعاطى بشرًا قيل ان لهم كتبًا، أقابلهم هم أيًّا كان رأيي في آيات يتلون. البشر ليست أسطرًا تتراصّ. الإنسان وجه.
ألقاه في صوتك. أسسه في دعوته. أتجاوزه في الرجاء. أتوقعه في الموت. أتقبله في القيامة. ولو وصفه لي شعراء غاوون لا أبيعه بثلاثين من الفضة لأني واثق من انتزاع قلبه من مملكة الجحيم ومن تطهير نفسي حتى الصفاء. طهارتي إمكان سمائه، التقاط لتألقاته وألوهية خلجاته. وفي كل حال، جهدي في مطلع العيد أن أراه كما يراه الله ابنًا حبيبًا ارتضاه.