الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

توطين الإرهاب.. الوجه الآخر لـ«الدوحة» في مقديشو .. 6 آليات تنتهجها قطر لاختراق القارة السمراء .. «تميم» يتخذ ستار الوساطة فى «النزاعات الداخلية» لتمكين المتطرفين من السلطة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سعت قطر فى انتهاج سياسة خارجية توسعية تجاه محيطها الإقليمى والدولى من خلال عدد من الأدوات التى مكنتها من لعب دور بارز فى عدد كبير من القضايا المثارة فى الآونة الأخيرة.
واتجهت الدوحة نحو القارة الأفريقية بنظرة استغلالية؛ حيث نجحت فى التغلغل فى العمق الاستراتيجى الأفريقي، خاصة فى منطقة القرن الأفريقى، وتحديدًا فى الصومال، من خلال مظلة الوساطة لحل النزعات بين دول المنطقة، ودولة داعمة للمؤسسات تقوم على تقديم المساعدات لهم، إلا أنها كانت غطاء لرعاية عدد من الجماعات الإرهابية لتكون أدوات لها فى تنفيذ مخططاتها التوسعية فى دول القارة.
فى حين تجسد التغلغل الجديد للدوحة فى إعلان وزير النقل بدء حكومته بناء ميناء «هوبيو» فى منطقة «مدغ» وسط الصومال؛ حيث قام الرئيس الصومالى «عبدالله فرماجو» بوضع حجر الأساس لهذا المشروع فى يناير ٢٠١٨.


آليات التحرك القطرى
ركزت الدوحة على عدد من الآليات للتحرك نحو القارة السمراء، تتناسب مع استراتيجيتها المتعلقة بتمكين الإسلاميين والمتطرفين فى السلطة، لتحقيق أهدافها الخفية؛ حيث التطلع لدور داعم من قبل هذه الدول فى المنظمات الدولية والإقليمية مساندًا لسياساتها العدائية تجاه دول المنطقة.
فعلى المستوى العسكري، حاولت الدوحة التغلغل داخل المؤسسات الأمنية الصومالية عبر آليات المساعدات لتحقيق أهدافها غير المعلنة التى تتمثل فى تحويل الصومال إلى منطقة نفوذ خالصة تسيطر عليها مؤسسات صومالية خاضعة للسيادة القطرية وليس للسيادة الصومالية، لتكون بداية لتطويق دول الجوار الجغرافى. فعلى سبيل المثال قدمت الدوحة العديد من المساعدات إلى قوات الجيش والشرطة تجسد -على سبيل المثال- فى تقديم ٣٠ سيارة دفع رباعى لدعم الشرطة الصومالية. 
وعلى المستوى السياسي، ركزت الدوحة عبر ستار حل النزاعات والأزمات الحدودية، ولعب دور الوسيط فيما بين جيبوتى والصومال، كما طالبت الحكومة الصومالية «الدوحة» برعاية المصالحة الداخلية فى مقديشو، الأمر الذى شكل فرصة لتمكين الإرهابيين والمتطرفين التابعين للدوحة فى أفريقيا من خلال أذرعها المختلفة ذات الستار الإنسانى والثقافى والاجتماعى والاقتصادي. وذلك لكسب تأييد الصومال لصالحها، وقد تجلى فى الأزمة الخليجية؛ حيث بدأت فى استخدام المجال الجوى الصومالى بشكل تدريجى للتحايل على الأزمة.
ودبلوماسيًا؛ تنامت العلاقات بين البلدين فى ظل حكم الأمير «تميم بن حمد آل ثاني»، تجلت فى تبادل الزيارات كان أبرزها زيارة وزير الخارجية الأسبق «د. خالد بن محمد العطية» «مقديشو»، فى مايو ٢٠١٥، علاوة على لقاءات على هامش المؤتمرات الدولية، أبرزها: لقاء أمير قطر «تميم بن حمد آل ثاني» مع الرئيس الصومالى «محمد عبدالله فرماجو» فى إسطنبول، على هامش انعقاد قمة «منظمة التعاون الإسلامي» بشأن القدس فى ديسمبر ٢٠١٧، وتعلقت بالحديث حول الأزمة الخليجية، وتأكيد الدعم القطرى المرهون بالتحول إزاء الأدوار الإماراتية التى تسعى لدعم الشعب والتصدى للحركات الإرهابية، وهو ما كان يزعج الدوحة ويشكل عائقا أمام استغلال الصومال كورقة ضغط أمام دول المقاطعة. 
أما على المستوى الاقتصادي فأسهمت المشروعات والاستثمارات القطرية فى خلق موطئ قدم لها فى الصومال، وعدد كبير من الدول الأفريقية تجلت فى دعم المشروعات الزراعية والتعدينية، وأصبحت من أكبر الداعمين ماليًا لمؤتمرات المانحين فى الصومال. كما شهد الربع الأخير من عام ٢٠١٧، زيارة لبعض الوفود الفنية القطرية لدراسة إمكانية تنفيذ مشاريع طرق، تستهدف المرحلة الأولى ترميم طريق «مقديشو - أفغوي»، وطريق «مقديشو - بلعد - جوهر»، وذلك تمهيدًا لترسيخ نفوذها على المدى الطويل فى الصومال.
وإعلاميًا؛ استغلت الدوحة قدراتها الإعلامية «قناة الجزيرة» لطرق أبواب الشعوب الأفريقية، كما أطلقت محطة خاصة باللغة السواحلية تستهدف ما يقرب من ١٠٠ مليون نسمة فى مناطق جنوب وشرق أفريقيا. للترويج للدوحة بأنها دولة مسالمة تهدف إلى مساعدة الشعوب الأفريقية قبل الحكومات، وذلك لتخفى وجهها التوسعى الحقيقى فى القارة. 
وإنسانيًا؛ تستند الدوحة فى تحركاتها الخارجية نحو «مقديشو» إلى منظمات خيرية تستخدمها كغطاء مثل منظمة «قطر الخيرية» إلى جانب «الهلال الأحمر القطري»؛ حيث أكدت بعض الوثائق المسربة على موقع «ويكيليكس»، أنها مشبوهة وعلى علاقة بجماعات إرهابية. فضلًا عن حثها على ترك موقفها المحايد من الأزمة الأخيرة والانحياز لصفها من أجل تنفيذ أجندتها، مقابل دعم وتنفيذ العديد من المشاريع فى الصومال، إلى جانب دعم قطر المعلن للمصالحة الوطنية بين الصوماليين.


الوجه الآخر للتحرك القطرى
يحمل التحرك القطرى فى طياته بذور انهيار الدولة، من خلال انتهاج الدوحة سياسات معادية بالأساس لسيادة الدولة الوطنية الصومالية، تجسدت فى دعم الحركات والجماعات المسلحة لتنفيذ مخططاتها. بالرغم من دعم وجود أدلة دامغة تدين التورط القطرى بشكل واضح وصريح فإن بعض الدول العربية قامت بمقاطعتها -(مصر، السعودية، الإمارات، البحرين) - نتيجة رعايتها للإرهاب وانتهاجها سياسات عدائية أضرت بالأمن القومى العربي. 
وفى هذا السياق؛ ترى واشنطن بحسب عدد من التقارير الدولية التى تم نشرها مؤخرًا، على سبيل المثال نشرت مؤسسة «دعم الديمقراطية» الأمريكية، تقريرًا بعنوان «قطر وتمويل الإرهاب» مؤكدةً دعم الدوحة لعدد من الجماعات الإرهابية، مثل «حركة شباب المجاهدين» الإرهابية، عبر تلقيها دعمًا ماليًا بواسطة بعض رجال الأعمال مثل «عبدالرحمن النعيمي»، الذى منحهم ما يقرب من ٢٥٠ ألف دولار؛ حيث يرتبط بعلاقات وطيدة مع قائدة الجماعة «حسن عويس» المحتجز لدى السلطات الصومالية.
كما برهنت بعض الوثائق المسربة على موقع «ويكيليكس» عن تورطها فى مساعدة هذا التنظيم، عندما طلبت واشنطن من تركيا الضغط على الدوحة لوقف الإمدادات المالية لهذه الحركة فى ٢٠٠٩. 
هذا بجانب رغبتها فى السيطرة على الأجهزة الأمنية، من خلال تعيين بعض التابعين لها فى مراكز قيادية داخل المؤسسات الصومالية المسئولة عن إدارة الدولة، خاصة داخل الجيش والشرطة، وذلك كخطوة استباقية لاستخدامهم كأدوات خاصة بها لحماية مصالح نظام الحمدين داخل منطقة القرن الأفريقي.
وهو ما تجلى فى مساندة «فهد الياسين» مدير عام قصر الرئاسة، لتوليه منصب نائب رئيس جهاز المخابرات، بالرغم من رفض معظم الدول الأفريقية التعامل معه نتيجة دعمه للمنظمات الإرهابية باستخدام المال القطري، علاوة على سجله الإرهابي. كما استطاعت الدوحة توظيف هذا العميل فى إبعاد القيادات الصومالية المناهضة للدور القطرى داخل الأراضى الصومالية، الأمر الذى تمثل فى التنسيق غير المعلن بين «فهد» والمخابرات القطرية، فى تطويق العميد «عبدالله عبدالله» لإقصائه من جهاز المخابرات الصومالية تمهيدًا لإحكام السيطرة على الأجهزة الأمنية.
والجدير بالذكر أن «فهد الياسين» هو عضو جماعة «الاعتصام» السلفية، ثم انتقل إلى جماعة الإخوان، وفى ٢٠١٣، شغل منصب رئيس مركز الجزيرة للدراسات فى منطقة شرق القارة الأفريقية، كما لعب دور الوسيط بين نظام الحمدين والجماعات الإرهابية، قبل أن يصبح رئيس الديوان الرئاسى فى ٢٠١٧. 


دوافع التحرك
جاء التحرك القطرى نحو الصومال مرهونًا بعدد من المصالح التى كانت بمثابة الدافع لاستمرار التواجد فى الصومال، من خلال ترسيخ التعاون بين البلدين على كافة الأصعدة، يرجع ذلك لعدة أسباب على النحو التالي:
١- الأهمية الجيواستراتيجية؛ تمتلك مقديشو موقعًا متميزًا جعلها محط أنظار للقوى الدولية والإقليمية مثل قطر؛ حيث تقع فى المنطقة المطلة على خليج عدن والبحر الأحمر، كما تمتلك أكبر ساحل على المحيط الهندي، لذا فهناك رغبة ملحة لدى القيادات الحاكمة فى الدوحة بإيجاد موطئ قدم لها فى المنطقة.
٢- الأهمية الاقتصادية؛ يطل الصومال على عدد من الممرات التجارة العالمية، فضلًا عن امتلاكه للعديد من الثروات المعدنية والنفطية بجانب الثروة السمكية.
٣- الأهمية الأمنية؛ يمتلك الصومال موقعًا مهمًا دفع قطر إلى التكالب عليه للاستفادة منه، فضلًا عن حماية تجارتها التى تمر عبر خليج عدن والبحر الحمر من هجمات القراصنة المتتالية، فضلًا عن رغبتها فى نقل الصراع فيما بينها وبين الدول المعارضة لها خارج إطار المنطقة العربية إلى مناطق نفوذها لتهديد مصالحها فى عمقها الاستراتيجى تأتى على رأسها السعودية ومصر.
ختامًا؛ تنطلق السياسة الخارجية القطرية نحو الصومال منذ التسعينيات وحتى الآن وفقًا لهواجس أمنية، دفعتها لاستمرار التواجد هناك بكافة السبل المتاحة. لتكون إحدى أدواتها فى مواجهة تهديدات من بعض الدول فى المستقبل. وبالفعل استطاعت الدوحة ضمان ولاء الحكومة الصومالية إبان الأزمة الخليجية، بتبنيها موقف الحياد، مع استمرار علاقاتها معها، كما استطاعت السيطرة على الأجهزة الأمنية لتحقيق أهدافها فى المنطقة. 
لذا فلا بد من تحرك عربى خليجى لمواجهة هذه الأطماع التوسعية. لم تعد التحركات القطرية بمنأى عن التحالف مع بعض القوى الإقليمية التى تشكل تهديدا صريحا للأمن القومى العربى، وتأتى على رأسها «إيران وتركيا»، وهنا لا بد من الإشارة إلى التحرك التركى فى الصومال والسودان، من خلال إقامة بعض القواعد العسكرية، بجانب منح الحكومة السودانية أنقرة حق إعادة بناء وتأهيل بعض الجزر «سواكن»، لتشكل تهديدًا من جانب آخر. ووفقًا لهذه المعطيات لا بد من طرح استراتيجية عربية واضحة تتوافق مع مصالح الدول، للتصدى لهذه التهديدات المتنامية التى تكاد تعصف بأمن واستقرار المنطقة.