الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"ميركل الصغيرة".. كارينباور على نهج المرأة الحديدية.. مستشارة ألمانيا المرتقبة تواجه تحديات الهجرة والعلاقات مع تركيا وروسيا.. و"أنجريت": الاتحاد الأوروبي مصدر القوة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يرى المحللون أن النهج الذى اتبعته المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» فى الإدارة الآمنة للملفات الحيوية كالاقتصاد والهجرة والعلاقة مع أوروبا أدى إلى إهمال المبادرات والتساؤلات الجوهرية التى كان من الواجب وضعها فى الحسبان، وهو ما سيمثل تحديًا كبيرًا بالنسبة لخليفتها «أنجريت كرامب-كارينباور» فى الحزب الديمقراطى المسيحى الذى يقود الائتلاف الحاكم فى ألمانيا.



ويُعد فوز «كارينباور» برئاسة الحزب الديمقراطى المسيحى تداولًا للسلطة بعد ١٣ عامًا من سيطرة للمستشارة الحالية «ميركل».
وأبرزت هذه الرؤى العديد من التساؤلات التى تتعلق مباشرةً بما يُمكن تسميته «تراث ميركل» أو كما يُطلق عليه الألمان ما بعد ميركل «Nach Merkel»، حيث دفعت سياسات «ميركل» الاقتصادية إلى تقلص معدلات البطالة إلى أدنى مستوياتها منذ إعادة التوحيد.
وعلى الصعيد السياسى، أثارت سياسات «ميركل» فيما يتعلق بالهجرة واللجوء، والتكامل الأوروبى العديد من انتقادات معارضيها، وهو ما يطرح تساؤلًا جوهريًّا فيما قد تسير عليه السياسة الألمانية خلال الفترة المقبلة. 
فقد شهدت حقبة «ميركل» تغليبًا للبراجماتية الحذرة خاصة فى المجالات المتعلقة بالنشاط الاقتصادى، وسياسات الهجرة.

معضلة البيئة والطاقة
تسير سياسة «ميركل» على أساس التحول التدريجى إلى مصادر الطاقة البديلة للحفاظ على البيئة، وهو ما بدا فى الرؤية التى أعلنت عنها فى ٢٠٠٩ لتحويل مليون سيارة إلى الطاقة الكهربائية، وهو ما قد يهدد بإزالة ١١٤ ألف وظيفة من قطاع السيارات بحلول عام ٢٠٣٥. وعلى العكس من هذا التوجه، وحافظت «ميركل» على الحوافز الضريبية التى تُروّج للديزل كعنصر أساسى فى طاقة السيارات. وفيما يتعلق بالطاقة النووية، اعتمدت خطة «ميركل» فى ٢٠١١ على التقليل من الاعتماد على الطاقة النووية بعد وقوع حادث فى مصنع فوكوشيما اليابانى، ما حمَّل البيئة عبئًا أكبر؛ حيث تلازم مع ذلك التوجه نحو التخلص التدريجى من الطاقة النووية بعد وقوع حادث فى مصنع فوكوشيما اليابانى. أدى ذلك إلى زيادة التوجه نحو استخدام الفحم عالى التلوث، وهو ما يجعل ألمانيا بعيدة تمامًا عن أهدافها البيئية التى أعلنتها.

الملف الاقتصادى
قد تواجه ألمانيا فى فترة ما بعد «ميركل» أزمة على مستوى السياسات الاقتصادية المتبعة؛ حيث يواصل القطاع المصرفى الألمانى نضاله مع استمرار مستوى الربح المنخفض (low profitability)، وذلك على الرغم من خطة الإنقاذ التى اتبعتها «ميركل» لإنقاذ البنوك فى الأزمة المالية العالمية؛ إذ أنفقت الحكومة الألمانية حوالى ٣٢ مليار دولار على عمليات إنقاذ البنوك.
أما على مستوى البنية التحتية، فتشير تقارير مؤسسة «بلومبيرج» إلى تراجع شبكة الطرق والجسور والسكك الحديدية الألمانية بعد أن كانت نموذجًا للفخر الألمانى عالميًا.
ويعود ذلك لأسباب تتعلق بنقص الإنفاق على الصيانة وتأخر المشروعات الجديدة مثل مشروع مطار برلين المتأخر منذ فترة طويلة، ومحطة قطارات شتوتجارت، وهو ما يُلزم أى قيادة جديدة للعمل على سد الفجوة الاستثمارية فى هذه القطاعات.
من ناحية أخرى، سيعانى الاقتصاد الألمانى خلال الفترة المقبلة من النقص فى أعداد العمالة المدربة؛ إذ تشير التقارير إلى أنه بحلول عام ٢٠٣٠ سيتضاعف أعداد الأشخاص المتقاعدين فى ظل تضاؤل عدد الشباب الذين سيدخلون سوق العمل، وهو ما سينعكس على العملية الإنتاجية نفسها بالتلازم مع زيادة كلفة أنظمة الضمان الاجتماعى والمعاشات التقاعدية. 
وقد نجحت سياسات «ميركل» فى معالجة هذه النقطة بحذر، وهو ما بدا فى رفعها سن التقاعد إلى ٦٧ عامًا فى فترتها الأولى واتباعها مؤخرًا سياسة الباب المفتوح نحو الهجرة واللجوء.

التكامل الأوروبى
نحت سياسات «ميركل» خلال الفترات السابقة على دعم منطقة اليورو لتحقيق التكامل الأوروبى رغم الظروف الاقتصادية السيئة التى مرَّت بها منطقة اليورو، لكن استطاعت «ميركل» مواجهة الديون السيادية وتجاوز مراحل الإفلاس لبعض دول المنطقة كاليونان، وهو ما زاد من سياسات التقشف التى كادت تودى بأزمات سياسية تهدد استقرار منطقة اليورو.

معضلة الهجرة واللجوء
أثار قرار «ميركل» باستضافة مليون طالب لجوء حالة من عدم الارتياح سواءً على مستوى الأحزاب اليمينية أو على مستوى الأكثر ميلًا نحو أفكار اليمينيين فيما يتعلق بالهجرة واللجوء. وقد كان هذا الملف محور خلاف بين المرشحين لخلافة «ميركل»؛ حيث ظهر «فريدريش ميرتس» الذى حلّ ثانيًا فى الانتخابات الداخلية للحزب الديمقراطى المسيحى بسياسات شعبوية معادية تمامًا لكل ما له علاقة بالهجرة، ووزير الصحة «ينس سبان»، المعارض الرئيسى لميركل داخل الحكومة. ويمثل فوز «كارينباور» نجاحًا لسياسات «ميركل»؛ إذ لن ينعكس ذلك بتغير جوهرى فيما يتعلق بسياسات الهجرة خاصة أن «ميركل» قامت بتحجيمها مؤخرًا.
الملامح الأساسية لتوجهات « كارنباور»
رغم تحفظ «كارينباور» على بعض السياسات التى كانت تتبعها «ميركل» خاصة فيما يتعلق بالهجرة فإن فوزها يمثل انتصارًا لميركل، ليس لاستمرار سياسة «ميركل» كما هى، لكن على الأقل ضمان عدم حدوث تغيرات جوهرية فى السياسات الألمانية خاصة فيما يتصل بتزايد التوجه العالمى نحو تعزيز السياسات الحمائية، والموقف من الاتحاد الأوروبى، والتعاون مع روسيا وتركيا. وجاء صعود «كارينباور» بقرارٍ من «ميركل» نفسها فى أكتوبر الماضى بعد أن أعلنت «ميركل» عزمها الانسحاب طواعية من رئاسة حزب الاتحاد المسيحى الديمقراطى نتيجة تزايد الضغوط عليها عقب خسارة تحالفها مع الحزب الاشتراكى الديمقراطى، فى انتخابات ولايتى بافاريا وهيسن.
ونتيجة قرب «كارينباور» من «ميركل» وصفها البعض بأنها ميركل الجديدة أو النسخة الجديدة من ميركل (Mini Merkel). 

التوجهات الشخصية
تمتلك «كارينباور» وجهة نظر مزدوجة فيما يتصل بالتوجهات الشخصية، فهى تؤمن تمامًا بحقوق المرأة، وأهمية وجود حد أدنى للأجور، وتحمل أفكارًا أكثر ليبرالية فيما يتعلق بسياسات التعليم، والدور الألمانى فى دعم التكامل الأوروبى.
وفى المقابل، ونتيجة لتكوينها الكاثوليكى لديها سياسات محافظة فيما يتعلق برفض زواج المثليين؛ حيث أعربت مسبقًا على اعتراضها من إقرار البرلمان الألمانى حق منح الزواج للمثليين، وتؤيد «كارينباور» إعادة فرض الخدمة الإلزامية لمدة عام.
الموقف من الهجرة
على الرغم من دعم «كارينباور» سياسات «ميركل» فيما يتصل بملف الهجرة، ولكنها لديها إشكالية فيما يتصل بهوية ألمانيا؛ حيث عبَّرت فى وقت سابق عن هذا الشأن، قائلة: «لدىّ إحساس خطير بالغربة فى ألمانيا»، لكنها فى الوقت نفسه اعترفت بأن ليس لديها خطة مثالية لحل هذه المشكلة. وتعترف «كارينباور» بأن ألمانيا بلد هجرة، لكنها تعمل على تنظيم الهجرة بشكل أكثر حزمًا، وطالبت بضرورة التسريع فى ترحيل طالبى اللجوء المرفوضة طلباتهم، إضافة إلى إجراء فحوصات طبية موحدة على المهاجرين الشباب. وتعتبر أن ذلك لا يعيب من إرث «ميركل» شيئًا، لكنه سيحسنه.
وذكرت موقفًا يعكس رؤيتها لأهمية الجهود التى يبذلها المهاجرون لصالح الاقتصاد الألمانى عندما ذكرت عمل زوجها مع المهاجرين الأتراك.

العلاقات الألمانية التركية
تُمثل مسألة ازدواج الجنسية للألمان من أصول تركية جوهرًا للخلافات الألمانية التركية، وهو ما بدا فى الانتخابات الرئاسية التركية الأخيرة، ومحاولة حزب العدالة والتنمية بالترويج السياسى للجاليات التركية فى أوروبا، وهو ما تمت مواجهته بحسم فى هولندا وألمانيا على سبيل المثال.
وتتبنى «كارينباور» منع ازدواج الجنسية للأجيال التالية للمهاجرين وقصر الازدواج على الجيل الأول من المهاجرين.

العلاقات مع روسيا
تدعم «كارينباور» مواصلة الضغط على موسكو للوصول إلى تسويات أوروبية مع روسيا بشأن الأزمة الأوكرانية. وتدعم «كارينباور» تعزيز استراتيجية الدفاع الألمانية لمواجهة الخطر الذى تراه قادمًا من روسيا.
الموقف من أوروبا
ترى «كارينباور» أن الاتحاد الأوروبى مصدر قوة، لذا سوف تتبنى استراتيجية استمرار سياسة الدعم للاتحاد الأوروبى ومؤسساته خاصة الاقتصادية والعسكرية والسياسية. وقد تعمل «كارينباور» على دعم فكرة جيش الاتحاد الأوروبى، وهو ما سبق دعت إليه «ميركل» فى كلمة لها أمام البرلمان الأوروبى.

العلاقات الأمريكية الألمانية
لم تظهر توجهات «كارينباور» تجاه الولايات المتحدة؛ حيث لم تبرز موقفًا واضحًا تجاه العلاقات الأمريكية الأوروبية عمومًا، والعلاقات الأمريكية الألمانية على وجه الخصوص، لكنها قد تصطدم مع واشنطن فيما يتعلق بدعمها فكرة الجيش الأوروبى الموحد، ومسألة إعادة الخدمة الإجبارية لمدة عام، وهو ما قد يفتح تساؤلات تتعلق بترتيبات الولايات المتحدة التى فرضتها بعد الحرب العالمية الثانية لتحجيم القوة العسكرية الألمانية. وقد زارت «كارينباور» واشنطن، وتحدثت فى الاجتماع السنوى لحكام الولايات الأمريكية باعتبارها الأمين العام لحزب الاتحاد المسيحى الديمقراطى.