الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"السكري".. منجم يبيض ذهبًا للثروة القومية.. مرشح لاحتلال مرتبة في قائمة الأعلى عالميًا.. استخراج 40 كجم يوميًا.. 16 ألف وجبة يومية للعاملين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«السكرى» هو منجم مصر الأول للذهب فى العصر الحديث، فهذا المنجم الذى يقع فى منطقة «جبل السكري» الواقعة فى صحراء النوبة «جزء من الصحراء الشرقية» على بعد ٣٠ كم جنوبى مرسى علم فى محافظة البحر الأحمر المصرية، مرشح لأن يحتل مرتبة بين أكبر ١٠ مناجم ذهب على مستوى العالم.

السكرى يرجع تاريخه للعصر الفرعوني، حيث كانت مصر معروفة قديًما كمصدر للذهب، وهو ما أظهرته إحدى الخرائط المتوافرة، حيث أظهرت منجمًا فى ذات الموقع ظل يستغل عبر عصور مختلفة، حتى توقف استغلاله فى عام ١٩٥٨ من القرن الماضى بحجة عدم جدواه الاقتصادية.

المنجم الآن تستغله شركة «السكري» وهى شركة مشتركة بين الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية «وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية» وشركة «سنتامين مصر» ومركزها أستراليا، ويملكها رجل أعمال مصري، بعدما استحوذت على الشركة المستغلّة سابقًا «الشركة الفرعونية لمناجم الذهب».
«البوابة» قامت برحلة للمنجم الذى يقع على بعد ٨٠٠ كيلومتر من القاهرة، رصدت من خلالها مراحل تصنيع الذهب من لحظة تفجير الصخور حتى مراحل الصب والتصنيع.

عملية صعبة ومكلفة 
وفى جولة لنا داخل المنجم لاحظنا سير العمل بانتظام كعقارب الساعة، الكل يعرف موقعه ودوره والمطلوب منه، كما يقول الجيولوجى محمد أحمد رمضان: مشيرًا إلى أن بالمنجم معدات تتجاوز قيمتها ٣٠٠ مليون دولار، وأنه يتم استهلاك ما يقرب من ٥٠ طنًا يوميًا من المتفجرات، مضيفًا أنه يتم يوميًا استخراج ما يقرب من ٢٢٠ طنًا من الخام والويست، يستخرج منها حوالى ٤٠ كيلو ذهبا يوميًا، وبما يتجاوز طن ذهب شهريًا.

وعن مراحل العمل يقول: «عملية التفجير يتم حفر آبار بمساحات معينة، بحيث تتم معرفة كل منطقة وكميات الذهب الموجودة بها بكل دقة، ثم يتم إرسال العينات للمعمل، بحيث تأتى مرة أخرى خلال ٢٤ ساعة، وعقب ذلك يتم التفجير حسب المساحة المحددة، على أن يتم نقلها عن طريق فرق متخصصة بعدها يتم فرز الصخور المتفجرة وتصنيفها ذهبًا أو ويست بمعنى لا يوجد بها ذهب.

ويستطرد رمضان قائلًا: «بعد أخذ إجراءات السلامة داخل المنجم، تتم عملية التفجير بالطرق العلمية التى تقوم على خلخلة الصخورة والأحجار فى الأرض من مكانها، حتى يسهل على المعدات نقلها إلى الطحن والفرز، مشيرًا إلى وجود نوعين من التفجير، أولهما يتم من خلال قطع الحائط عن البينش، حيث يتم عمل مدرجات فى أعمال القطع، أما النوع الثانى فيتم بتفجير الأرض وإحداث خلخلة دون تحريك الخامة من مكانها، وهى تقنية تعد الأحدث تكنولوجيا على مستوى العالم، مشيرًا إلى أنه بعد عملية التفجير يتم حفر الآبار، وذلك بعد انتهاء عمل المسح الذى يحدد مساحة التفجير على الأرض، ثم يتم حقن الآبار ثانى يوم من التفجير بعدها يتم ردمها، ويأتى بعد ذلك دور الجيولوجى والتعدين لتحديد الخامة التى سيتم نقلها، مضيفًا أنه يعقب ذلك وصول المادة الخام إلى منطقة التخزين، حيث يتم تجميع خامة الجرام الواحد مع بعضها والخامات الأخرى مع بعضها، ثم يتم بعد ذلك تجميع الخامة فى الكسارة، ويتم طحنها من متر ونصف إلى نحو ٤ سم، لأنه كلما تم تصغير الحجم كانت فرصة الحصول على الذهب أكبر.

ويلفت رمضان إلى امتلاك المنجم كسارتين، مضيفًا أن كل واحدة منهما تطحن يوميًا ما يقرب من ١٨٠٠ طن صخور فى الساعة، بإجمالى ٣٦٠٠ طن فى الساعة للكسارتين، وذلك لأحجام متر ومتر ونصف، فضلًا عن وجود كسارتين أخريين للأحجام ٤ سم، مضيفًا أنه عقب ذلك تتواصل مراحل إنتاج الذهب حيث يتم طحن الصخور لتدخل الغلايات لتضاف المواد الكيماوية لاستخراج الذهب الخام منها، وصبها بعد ذلك على قوالب فى شبه مدرجات، تكون الدرجات الثلاث الأولى منها ذهبًا وما دونها شوائب يعاد صبها مرة أخرى، ليتم إرسال السبائك بعد ذلك إلى كندا لتصفيتها.
وعن الاحتياطات الموجودة يقول: «يبلغ إحتياطى المنجم ١٥.٧ مليون أوقية، وهى من أكبر الاحتياطات فى العالم، حيث سيتم تعدين ١٣٠٠ مليون طن على مدار عمر المنجم، موضحًا أن عملية التنقيب عن الذهب صعبة جدًا ومكلفة، مشيرًا إلى أن طن الصخور ينتج حوالى ٣ جرامات فقط من الذهب، حيث يصل وزن الصخرة ما يقرب من طن، والذهب يكون عبارة عن ذرات ملتصقة فى هذه الصخور، ويتم تكسيرها إلى قطع صغيرة حتى تتحول إلى تراب، يتم غسله بالمياه لتظهر تلك الذرات الصغيرة.

٤٠ كجم ذهب يوميًا 

من جهته يلفت العميد عصمت الراجحى، مدير العلاقات العامة بـ«سنتامين» المالكة لشركة السكرى، إلى أنه تم فى العام الماضى إنتاج ٥٤٠ ألف أوقية من الذهب، وأنه يتوقع أن يرتفع الإنتاج إلى ٥٠٠ ألف أوقية هذا العام، مضيفًا أن متوسط سعر الأوقية يصل حاليًا إلى ١٢٢٠ دولارًا، مشيرًا إلى أن الشركة لديها حجم عمالة مباشرة تصل إلى ١٦٠٠ عامل وجيولوجى، وما يقرب من ٣٠٠٠ عمالة غير مباشرة، بالإضافة للتعاقد مع ٢٥ شركة مقاولات، من بينها ٥ شركات أجنبية، كذلك التعامل مع ١٢٠٠ مورد، موضحًا أنه يتم تجهيز ٤ وجبات للعمال يوميًا، أى ما يقرب من ١٦ ألف وجبة يوميًا.

وعن العمل فى مجال التعدين يؤكد الراجحى أنه صعب لذلك لا تقوم به سوى شركات كبيرة تمتلك الخبرة، مشيرًا إلى أن شركة «سنتامين» أنفقت ما يقرب من ٩٨ مليون دولار، لإجراء أبحاث على جبل السكرى قبل بدء عمليات التنقيب به، كما أن الشركة تمتلك ٣ مواقع أخرى تعمل بها خارج مصر فى إفريقيا وأستراليا، مستطردًا بالقول: «كان من الأولى ضخ تلك الأموال للعمل فى مصر إلا أن هناك معوقات كبيرة» مشيرًا إلى أن هناك ١٠ شركات سبق لها توقيع اتفاقيات مع الدولة للعمل فى هذا المجال، إلا أنهم لم يتمكنوا من العمل حتى الآن، رغم وجود ما يقرب من ٢٠٠ موقع يمكن العمل بها، فإن ذلك لم يحدث بسبب وجود معوقات، ضاربًا المثل على ما يقول برجل الأعمال المصرى سميح ساويرس، الذى استثمر جزءًا كبيرًا من أمواله فى مناجم الذهب فى أفريقيا، نتيجة معوقات تواجه العاملين فى هذا القطاع مع مسئولى قطاع التعدين، قائلًا: «هم لا يريدون سوى المال دون تذليل العقبات»، مضيفًا أنهم يخسرون سنويًا ما يتراوح بين ١٠ و١٥ مليون دولار.

ويؤكد الراجحى أن هناك الآن وفرة فى العمالة المدربة فى هذا المجال، مضيفًا أنها مطلوبة فى كل مناجم العالم لتميزهم وتفوقهم على الجنسيات الأخرى، قائلًا: «لدينا من الكوادر ما يمكنه تشغيل ٢٠ منجمًا»، حيث تم تدريبهم وصرف مبالغ مالية طائلة عليهم، مضيفًا فى بداية العمل داخل منجم السكرى كان لدينا ٦٠٠ عامل أجنبى، أما حاليًا لا يوجد سوى ٥٠ عاملًا فقط، والباقى مصريون ١٠٠٪، مطالبًا بوضع قانون للتعدين جاذب للمستثمرين، ويساعد فى فتح استثمارات جديدة، بالتشاور مع العاملين بالقطاع