فى ليلة واحدة من کل عام تمتزج أضواء الشموع بأصوات النواقيس وبالترنيمة العذبة احتفاءً بالميلاد الميمون للسيد المسيح عليه السلام، ميلاد النور الذى أشرق فى عقر الظلام الدامس بدهاليز العصور البائدة، وناقوس قرع من أجل الحب والعدالة، فها هو عيد الميلاد الذى تتصافح فيه الأيادى وتتلاحم فيه القلوب وتبتسم فيه الوجوه، ويتم فيه تبادل الهدايا تعبيرًا عن المحبة والحنان، لأن المحبة والإخاء والرحمة کانت هدية عيسی (عليه السلام) للإنسانية جمعاء. فى عيد ميلاد المسيح (عليه السلام) يحملون أشجار الصنوبر إلی المنازل ويقومون بتزيينها وإنارتها تعبيرًا عن انتصار الحياة والنضارة فى صلب الشتاء الكئيب المميت. هنيئًا ميلاد عيسی المسيح (عليه السلام) رسول المحبة والحرية والوحدة (هنيئًا للمضطهدين من أجل الحق، لأن لهم ملكوت السماوات) إنجيل «متی - ٥». تفرَّد القرآن الكريم بذكر الآيات الكثيرة عن السيد المسيح وأمه مريم عليهما السلام، وأشاد بمعجزاته وبركاته التى تحير العقول وتبهر الأبصار، وقد كرم القرآن الكريم السيدة مريم وحفظها بالطهارة والتقى والاصطفاء على نساء العالمين. إنه عيسی المسيح أو يسوع المسيح وُلد فى بيت لحم بفلسطين من مريم العذراء علی أيام أغسطس قيصر (٤ ق. م). عاش فى الناصرة بفلسطين فى سن الثلاثين، ومنها سمى «الناصرى». ثم أخذ يبشر بملكوت الله صانعًا المعجزات. وعند المسلمين هو عيسی عليه السلام، وهو آخر أنبياء بنى إسرائيل. ذکر اسمه فى القرآن بلفظ «المسيح» تارة، وبلفظ «عيسی» تارة، ورفعه الله إليه. أيده الله بالمعجزات الباهرة التى أعجزت العقول، كان يبرأ الأكمه والأبرص وكان يحيى الموتى بإذن الله. أرسله ربه ليخرج الناس من الظلمات إلى النور. إنه أحد أولى العزم من الرسل، وأولى العزم من الرسل هم صفوة الأنبياء والمرسلين وسموا بذلك لجاهدهم من أجل دعوتهم وتحملهم المشاق والمتاعب والصعاب التى لم يتحملها غيرهم من إخوانهم من الأنبياء.. ألم يکن السيد المسيح (عليه السلام) هو الذى جعل الحياة بأنفاسه تنتصر علی الموت وجعل الروح فى أبناء البشر بكلامه يتحول إلی ربيع النضارة والحيوية والازدهار فى الطبيعة الإنسانية. وهو النبى العظيم الذى فتحت بميلاده صفحة جديدة فى تاريخ الإنسانية، وعندما أصبحت أمه مريم العذراء التى يمثل وجودها أحد المنعطفات المتألقة فى تاريخ الإنسان تتعرض بسبب ولادتها للمسيح لسهام التهمة والافتراء والاستهتار التى کان يطلقها عليها الرجعيون والمتاجرون بالدين، فتحدث عيسی المسيح (عليه السلام) عجبًا وهو ما زال فى المهد، حيث أعلن عن هويته ونبوته ورسالته التحررية، وفى الوقت نفسه أدلی بالشهادة علی طهارة أمه المقدسة ومنزلتها ومكانتها السامية، حيث قال: «والسلام علی يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا». لقد أبلغ السيد المسيح عليه السلام إلی الناس رسالته السماوية التى هى رسالة التحرر والإخاء ورسالة الأمل والنور بتحمله صنوف الشدائد والصعاب، داعيا أنصاره وأتباعه إلی التضحية والبذل ونكران الذات من أجل تحقيق الحرية والسلام والعدالة، قائلًا: «من غادر دياره أو إخوانه أو أخواته أو أباه أو أمه أو زوجته أو أولاده أو أراضيه فسوف يجد مائة ضعف ويرث الحياة الخالدة». وأما أول من خاضت درب الفداء والتضحية وبذل النفس والنفيس لتحقيق هذه الأهداف المقدسة فهى أم عيسی السيدة مريم العذراء عليها السلام، سيدة مطهرة حملت عبء هذه الرسالة حتی قبل ولادة السيد المسيح (عليه السلام) وأنجزت رسالتها التحررية بشجاعة وصمود يفوقان التصور وهى المرأة التى يذکرها القرآن فى عداد أکبر المنادين إلی الوحدة والإخلاص وفاتحى الطريق نحو تحرر الإنسان، ويقيم لها منزلة تساوى منزلة أنبياء التوحيد الكبار، وهى المرأة التى أدت دورًا بارزًا وخاصًا ليس فى ولادة السيد المسيح ونشوء المسيحية فحسب، وإنما فى التوسع والامتداد التاريخى لرسالة الرحمة والخلاص التى حملها أنبياء آخرون أيضًا. إن السيد المسيح (عليه السلام) المبشر بخلاص وتحرر ابن آدم کان مفعمًا بالرحمة والحنان للمضطهدين والمقهورين بقدر ما کان يعادى ويتحدی الظالمين والدجالين والمتاجرين بالدين وأعداء الإنسان والإنسانية. ففى بيت المقدس عندما ساور الخوف معلمى الشريعة والفريسيين المرائين من جماهير الناس الذين آمنوا برسالة عيسی (عليه السلام) وبالتالى غضبوا واعترضوا عليه، فصرخ عليهم عيسی المسيح (عليه السلام) بصيحة سيدوى صداها إلی الأبد ضد الدجل والاتجار بالدين، قائلًا: «أيها الحيات أولاد الأفاعى! کيف ستهربون من عقاب جهنم؟» «... ما أصعب دخول الأغنياء إلی ملكوت الله! فمرور الجمل فى ثقب الإبرة أسهل من دخول الغنی إلی ملكوت الله...» (إنجيل لوقا - ١٨). «تسلحوا بسلاح الله الكامل لتقدروا أن تقاوموا فى يوم الشر وأن تثبتوا بعد ما تممتم کل شىء، فاثبتوا إذًا متمنطقين بالحق لابسين درع الاستقامة... واحملوا الإيمان ترسًا ف کل وقت لأن به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير المشتعلة والبسوا خوذة الخلاص وتقلدوا سيف الروح الذى هو کلام الله...» (من رسالة بوليس الرسول إلی کنيسة أفسس - الباب السادس)
ألم يکن السيد المسيح (عليه السلام) هو الذى جعل الحياة بأنفاسه تنتصر علی الموت وجعل الروح فى أبناء البشر بكلامه يتحول إلی ربيع النضارة والحيوية والازدهار فى الطبيعة الإنسانية
المسيحيون يستقبلون طفل المزود بـ«الصلوات المغناة»
«دقى دقى يا أجراس.. النهاردة عيد، يسوع جانا فى أرضنا وخلى القلب سعيد».. يتفنن مسيحيو العالم، رغم اختلاف طوائفهم فى التعبير عن فرحتهم بميلاد السيد المسيح، وتتزين الكرة الأرضية خلال فترة ما قبل عيد الميلاد بالأفراح والأنوار، وكأنها شجرة كريسماس كبرى عُلق عليها هدايا وزينة وبهجة وأنوار.
وبما أن الغناء أشهر أدوات التعبير عن الفرحة، فالآن «الكريسماس كارول» يسود الساحة، فهنا موسيقى مبهجة وأصوات تصدح فرحة، وأجساد تتمايل مع كلمات تتراقص، وبات استقبال طفل المزود بالاحتفال بـ«سبوعه» أمرا سابقا لميلاده، فعلى الشاكلة ذاتها، تقام الاحتفالات وتوزع الهدايا وتكسو الأماكن ألوان الأحمر والأخضر والأبيض، وتغير نبرات الأحبال الصوتية الطقس، لتستبدل برودة ديسمبر ويناير بحرارة تملأ القلوب.