الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ورحل برنس الصحافة الذهبي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن إبراهيم سعدة مجرد رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير لـ«أخبار اليوم»، بل كان صحفيًا متمرسًا ونزيهًا ومن أسرة كريمة.. تعلم فى سويسرا فى الستينيات وقت أن كانت الخمسة جنيهات تساوى ثروة.. أرسله والده سعدة الكبير أشهر تجار بورسعيد ليتعلم الاقتصاد على أصوله.. لكن موهبته الفطرية الصحفية جعلته مراسلا لـ«أخبار اليوم» فى أوروبا، فكان أول محرر تحقيقات خارجية فى الدار، ولحقه محمد فهمى فى ألمانيا وزغلول فى إنجلترا ومها عبدالفتاح فى واشنطن.
تعرفت إليه فى بداية الثمانينيات، وحضرنا سويا مؤتمرا عن «تجارة الرقيق» نظمته الأمم المتحدة، وأتذكر أننى وقفت سائلًا مسئول الملف بالإنجليزية عن الدول التى ترتكب هذا الفعل الآثم، فذكر دولا آسيوية مثل الهند والفلبين وغيرهما، وأكد أنها ظاهرة مرتبطة بالفقر.. أعجب الأستاذ بلغتى الإنجليزية وعرض على العمل فى «أخبار اليوم»، فقلت له هناك الزملاء حسين عبدالواحد وأستاذنا نبيل زكى وممدوح لطفى، فقال أنا أفكر فى إصدار صحيفة إنجليزية.. المهم أننا طوال أيام المؤتمر الثلاثة كنا نتناول وجباتنا معا، ونتبادل النكات والقفشات والتريقة على المسئولين.
عاد «البرنس» ليكتب أول مقال فى الصحافة المصرية عن تجارة الرقيق العالمية، محذرا أنها ربما تصل الشرق الأوسط لأنها مرتبطة بالفقر.
ورغم أننى أصغر منه سنًا بـ ١٥ عاما، جرت كيمياء عجيبة بيننا.. وعندما بدأت كتابة عمود أسبوعى اعتاد أن يفاجئنى صباحا بالمديح أو الانتقاد ويتبعه ضاحكا يالا تعالى أخبار اليوم.. كان جميلا منه أن يشد من أزرى صحفيًا، وهو يعلم ما أكابده من مضايقات من رئيسى الذى لم يمدحنى قط، لأنه ببساطة لم يكن من الباحثين عن المعلومات عكس البرنس.
كان هذا دأبه مع كل الشباب فى أخبار اليوم وغيرها.. ساعد كثيرين ماديا ولم يكن يتقاضى مرتبه بل يتركه للسكرتيرة توزعه على عمال الدار والأمن، ورغم كل ما قيل وأثير عنه فى قضايا هدايا المؤسسات الصحفية لم أصدق ذلك.
ببساطة لم يكن إبراهيم سعدة فى حاجة ليتودد للرئيس الأسبق مبارك، وقد شاهدتهما يمشيان معًا فى باريس عام ١٩٧٩، وكان مبارك نائبا للسادات، وفى سفريات خارجية كثيرة للرئيس كان الأستاذ يرفض السفر على طائرة الرئيس ويسافر قبله ويعود بعده، داعبه مبارك مرة قائلا: «يا أستاذ إبراهيم أبقى رد على التليفون عايزينك تسافر معانا».
هو صحفى نادر من زمن جميل، غضب من مبارك عندما عين الراحل سعيد سنبل رئيسًا لمجلس الإدارة بدلا منه وكان قد وعده، واتصل مبارك به مطيبا خاطره وقال له: «سعيد خارج معاش بلاش نكرمه يا برنس!». كانت المرة الأولى التى يناديه بها مبارك وهى الكلمة التى اعتاد صحفيو المؤسسة إطلاقها عليه، وعين رئيسا لمجلس الإدارة فى مارس ١٩٩١ فى نفس الكشف الذى عُينت فيه رئيسا لتحرير الـ«إيجيبشيان جازيت».. وظل يداعبنى كلما زرته قائلا: «زميلى فى الكشف، وأرد يا ريس هو احنا كنا فى السجن الناس تقول إيه!».
لم يكن الرجل راغبا فى البقاء فى منصبه، كان مستاءً من أجواء التغييرات قبل ٢٠٠٥ ومطالبة الجميع بطرد الكبار، كان أشجع زملاءه وأكثرهم اعتزازا بنفسه وكتب استقالته الشهيرة فى الصفحة الأولى فى آخر سبت من شهر يونيو قبل صدور الحركة الجديدة فى ٤ يوليو ٢٠٠٥.
رحمة الله عليه، كان مقاله «الموقف السياسى» يقرأه العالم كله، وعندما كتب أنور وجدى – والفضل فى التسمية يعود لصلاح دياب صاحب «المصرى اليوم»– كان الوزراء يكلفون موظفى مكاتبهم بالسهر فى ورديات مسائية للحصول على نسخ «أخبار اليوم» وإرسالها لمنازلهم، ولو كان هناك فقرة عنهم يسهرون طوال الليل، لم يكن له صديق من المسئولين الكبار وشن حملات على صفوت الشريف وفتحى سرور وأحاديثه فى فيلته بـ«أبو تلات»، وكمال الشاذلى.. لم يرهبه أحد لأنه ببساطة لم يكن له أخطاء الكبار فى جمع الثروات والمتاجرة بالأراضى.. لم يكن ضده شىء إلا القضية المعروفة إعلاميًا بـ«هدايا الأهرام».
فى لقاء عابر مع ياسر عرفات فى فيلا الاستضافة الشهيرة فى شارع العروبة، وكان يزور مصر ليدعمه الإعلام خصوصا المكتوب بلغات أجنبية فى تهديد نتنياهو بهدم المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان، سألت «أبوعمار» من يساندك فى الإعلام المصرى؟ فقال ربنا يرحمنى من مناقشات محفوظ الأنصارى ومكرم محمد أحمد وقلم إبراهيم سعدة دا مش قلم دا كلاشينكوف.. وكان إبراهيم سعدة قد شن عليه هجوما بشعا بعد تشدده فى مفاوضات طابا لإقامة الدولة الفلسطينية، والتى كادت توقع بحضور إيهود باراك وبل كلينتون ومبارك ومادلين أولبرايت.. لكن أبوعمار أبلغ مبارك أنه يخشى التوقيع لأنه سيفتح عليه أبواب جهنم فى رام الله وغزة.. وكتب إبراهيم سعدة مقالا شهيرا عن «الزعيم الصوتى».. الله يرحمك يا برنس.. سبقتنى إلى دار البقاء وبقيت فى دار الفناء إلى أن ألقاك، الله يرحمك يا حبيبى.