الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دموع في بلاط صاحبة الجلالة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رحل إبراهيم سعدة.. دنجوان الصحافة المصرية بعد مسيرة من العطاء للمهنة التى أحبها رغم معارضة أهله لها. 
كان إبراهيم سعدة فى شبابه مرفها وكما نقول «ابن ناس» لأنه ينتمى لأسرة ثرية فى بورسعيد.
رحل إبراهيم سعدة بعد أن شيد لمؤسسة أخبار اليوم صروح جديدة للصحافة تمثلت فى عشرات الإصدارات الجديدة مثل أخبار الحوادث وأخبار الرياضة وأخبار النجوم والسيارات، ثم كان آخر إنجازاته أكاديمية أخبار اليوم التى أصبحت صرحًا تعليميًا كبيرًا وتخرج منها مئات الصحفيين والمهندسين.
رحل الدنجوان الذى كانت له مهابة خاصة فى كل تعاملاته معنا، وقد شاءت الأقدار أن أقترب منه منذ نهاية السبعينيات عندما كنا نتدرب فى صحيفة الأخبار «فوجئت مع زميلى الكاتب الصحفى الكبير محمد الهوارى رئيس مجلس الإدارة السابق بأن الأستاذ إبراهيم سعدة يطلبنا للعمل معه فى صحيفة مايو وذلك قبل صدورها بأيام قليلة، وكانت بالطبع شهادة فخر لنا وقدمنا بالفعل بعض الموضوعات إلا أن الراحل الكبير الأستاذ موسى صبرى أصدر قرارًا بعدم السماح لأى محرر بالأخبار العمل فى صحيفة مايو.
ولأن الحادث جلل، ولأن السطور لا تتسع لاستعراض ذكريات تلميذ مع أستاذه أقفز عبر السنوات إلى عام ٢٠٠٣، عندما بدأت بتكليف من الأستاذ الكبير إبراهيم سعدة بأن أقدم بعض الأخبار والموضوعات لأخبار اليوم، وكنت وقتها المحرر المسئول عن مجلس الوزراء فى صحيفة الأخبار، وكانت كل موضوعاتى والأخبار التى أقدمها تؤخذ كمانشيت أساسى لأخبار اليوم.
وخصص لى الراحل العظيم مكافأة ثابتة قدرها ٣٠٠ جنيه شهريًا وكانت تقارب ربع مرتبى فى الأخبار، وكنت أواظب على الاتصال به وكان أول من أخبرنى باختيارى رئيسًا لتحرير أخبار اليوم عام ٢٠٠٥.
انتقلت لأخبار اليوم وبدأت عملية تطوير وتحديث فى كل صفحات الجريدة والتى كانت تصدر فى ٣٦ صفحة، حيث تحولت إلى ٤ أجزاء وصدرت فى إحدى المرات فى ١٢٠ صفحة بالألوان، كان شعورى أن أستاذى سوف يفخر بى كتلميذ له، وعندما أخبرنى «أولاد الحلال» أن الأستاذ إبراهيم «زعلان» من عملية التطوير والتحديث سارعت إليه وأعطانى هدية شخصية تقديرًا لجهدى فى عملية التطوير، وقال لى لا تسمع لأحد وعندما أرى أى خطأ لك سوف أكون أول من ينبهك إليه.
أذكر فى إحدى المرات جاء زميلى الكاتب الكبير مجدى حجازى رئيس سكرتارية التحرير ومدير تحرير أخبار اليوم وقال لى إن مقال الأستاذ إبراهيم سعدة آخر عمود به زيادة ٥ سطور، اتصلت بالراحل الكبير وكان موجودًا بسويسرا وقال لى سوف أختصر الزيادة، فقلت له يا أستاذ مقالك سوف ينشر فى صفحة كاملة وحاول منعى ولكن نشر المقال ببنط أكبر ومعه بعض الصور فى صفحة كاملة.
وقع الراحل العظيم فى خلافات مع كبار القادة فى العديد من دول العالم وكانت له صولات وجولات بقلمه الذى يصبح مداه أقوى من الرصاص فى قول الحق، وكان منهم الراحل الرئيس معمر القذافى، وأذكر أن الرئيس مبارك كان يقدمنى للعقيد القذافى فى أول زيارة لى إلى ليبيا ضمن الوفد الإعلامى وقال له: ممتاز القط مسك بدل إبراهيم سعدة، ورد القذافى أنا أحب أخبار اليوم ولكن لا أطيق إبراهيم سعدة كويس أنك شلته، وحكى لنا الرئيس مبارك أن القذافى كان سيقتل إبراهيم سعدة بسبب نقده اللاذع له.
وأضاف لنا الرئيس مبارك، «أن إبراهيم سعدة ظل حبيسًا بالفندق الذى نزلنا فيه خلال إحدى زياراتنا لفرنسا، وذلك عندما اكتشف اللواء عمر سليمان ورجال المخابرات أن القذافى أعد مؤامرة لاغتيال سعدة، واضطررنا لتهريبه إلى مكان آمن بعيدًا عن الفندق الذى كنا نقوم فيه».
ومن مواقف إبراهيم سعدة التى رواها الرئيس مبارك عنه أنه كان يعتذر كثيرًا عن السفر على طائرة الرئاسة بل كنا ننتظره دون جدوى ودائما كان يفضل السفر بمفرده وعلى رحلات طيران عادية.
تضيق السطور وتبقى الذكرى العطرة والدموع التى سالت فى بلاط صاحبة الجلالة شاهدًا على مسيرة حب ونجاح صنعها عملاق نرجو له الرحمة والمغفرة جزاء ما قدم لبلاده التى أحبها وعاد من الخارج ليوارى فى ثراها، وداعًا إبراهيم سعدة.