الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"البوابة نيوز" تنشر جزءا من كتاب "ثلاثون عامًا في صحبة نجيب محفوظ"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تنشر "البوابة نيوز"، بالتزامن مع الاحتفالات بـ107 أعوام على ميلاد الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ، جزءًا من كتاب "ثلاثون عامًا في صحبة نجيب محفوظ"، للكاتب الدكتور محمود الشنواني، والصادر مؤخرًا عن دار صفصافة للنشر.
الكتاب، الذي تستضيف مكتبة "الكتبجية" بالمعادي حفل توقيعه، مساء اليوم الثلاثاء، يحوي حكايات عديدة عن الأديب الراحل، عاشها الشنواني الذي كان واحدًا من أصدقائه وحرافيشه، وفي هذا الجزء الذي تقوم "البوابة نيوز" بنشره، يحكي الشنواني عن انتقال جلسات الحرافيش إلى كازينو قصر النيل الشهير، وعن واحد من أشهر مواقف النجيب، وهو لقاؤه بالسفير الإسرائيلي في أعقاب قيام الرئيس الراحل أنور السادات بتوقيع اتفاقية السلام عام 1979. يحكي الشنواني:
انتقلت ندوة الأستاذ نجيب إلى كازينو قصر النيل، على الضفة الأخرى لنهر النيل. لم تبتعد كثيرًا عن منطقة وسط البلد، لكن من يعرف القاهرة وقتها وارتباط مثقفيها بالشوارع والميادين المحصورة بين ميادين التحرير والعتبة ورمسيس، يدرك أن هذا الابتعاد الذي لا يتجاوز الكيلو متر الواحد، كأنه خروج عن دائرة النشاط الثقافي المعتاد. 
كازينو قصر النيل يطل مباشرة على النيل في منطقة من أجمل مواقعه، في مواجهته فندق سميراميس ببنائه الكلاسيكي الأنيق قبل أن يهدم ويقام مكانه البناء الضخم الحالي وكذلك فندق شبرد بطرازه المتميز، وهو في حضن كوبري قصر النيل، أجمل كباري النيل القاهري، ويظهر للجالس فيه فندق هيلتون ومبنى جامعة الدول العربية ومبنى التليفزيون. 
الكازينو من ثلاثة طوابق، الأعلى بمستوى الشارع، والأدنى في مستوى ماء النهر، وثالث يتوسطهما. 
كان مقر الندوة في هذا الطابق الأوسط، وقتها كانت إدارة الكازينو تجهزه ليكون مطعمًا، فلم يكن مكتملًا، وقد أبدى بعض رواد الندوة رغبتهم أن يكون مكانها الطابق العلوي أو السفلي، فقال الأستاذ نجيب إن الطابق الأوسط أنسب، فنحن لا نريد أن نزعج أحدًا، فنحن ضيوف جدد، عددنا كبير وصوتنا يرتفع كثيرًا، ويجب أن نحترم طبيعة المكان ورواده.
في منتصف عام 1979 حضر إلى الندوة زائر، أثار حضوره الكثير من الجدل، وتم تداول القصة بشكل بعيد عما رأيته يحدث في الواقع.
كنا في بداية اللقاء، وصل الأستاذ للتو، سلم على الحاضرين وجلس في مقعده وحضر الجرسون لتلقي الطلبات. 
وجدنا مجموعة ربما من أربعة أو خمسة أشخاص يدخلون، منهم وجه أطل علينا كثيرًا في الشهور السابقة؛ إلياهو بن أليسار، أول سفير إسرائيلي في القاهرة بعد توقيع معاهدة السلام، اقتربت المجموعة واتضح أن مقصدها هو الأستاذ نجيب، اقترب السفير الإسرائيلي من الأستاذ، وقفنا جميعًا ووقف الأستاذ. 
قال السفير الإسرائيلي وهو يمد يده مصافحًا الأستاذ، إنه حضر ليقابله ويعبر له عن إعجابه به وبشجاعته لتأييده لعملية السلام. 
رد الأستاذ باقتضاب: "شكرًا". 
استمر السفير في الحديث عن تقدير الأوساط الإسرائيلية لمكانة الأستاذ الأدبية ولدفاعه عن السلام. 
رد الأستاذ مرة ثانية وأيضًا باقتضاب: "شكرًا".
ثم توقف الحديث لبرهة. 
لم يتكلم الأستاذ، وأخذ السفير يدور بعينيه في المكان، ثم قال إنه يستأذن في الانصراف. 
رد الأستاذ: "شكرًا". 
ذهب ومرافقوه وترك وراءه عاصفة وحيرة وجدلًا. 
العاصفة المباشرة جاءت من الأستاذ إبراهيم منصور، الذي أخذ يصيح بحدة وغضب حول تدنيس الإسرائيليين لأرض مصر، وكيف أنه كان من الواجب رفض وجود سفيرهم أساسًا وطرده من المكان، ثم غادر غاضبًا، وعلى قدر ذاكرتي لم أره بعد ذلك في الندوة. 
تباينت ردود أفعال الحاضرين بين الغضب والضيق والحيرة وتعبير البعض أن هذا شيء عادي لأن العالم تغير، لكنّ أحدًا لم يخلو من الانفعال الشديد، فمن كان يتصور أن يشهد ذلك حتى سنوات قليلة مضت، وحتى لو كان حديث الاتفاق حول السلام مع إسرائيل وقتها حديثًا مطروقًا طول الوقت، فمواجهة رمز الدولة الإسرائيلية وجهًا لوجه لم يكن يرد إلى الخيال. 
الأستاذ نفسه بدا متوترًا ومنفعلًا، وأخذ يتحدث فيؤكد موقفه الداعم لمعاهدة السلام، ويؤكد أن السفير أتى دون دعوة منه ودون أي إبلاغ مسبق بإمكانية حضوره، وأنه لم يدعه للجلوس؛ لأن هذا لقاء بين أصدقاء وليس هناك مجال لوجوده فيه. 
هذا ما شاهدته وما شاهده الحاضرون في ذلك اليوم، أما ما تناقلته الأخبار والألسنة، فقد دار حول دعوة نجيب محفوظ للسفير الإسرائيلي لحضور ندوته، وعن ترحيبه به، وعن جلوسه مع أصدقاء نجيب محفوظ، وعن أجواء المودة التي سادت اللقاء. 
كان هذا الحدث -بالطريقة التي تناقلتها الألسنة- سببًا في هجوم متصل وعنيف ضد الأستاذ، واتهامه أنه على رأس المطبعين مع إسرائيل، وكان سببًا في انفصام العلاقة بين الأستاذ والعديد من المثقفين الذين كانوا في أوقات سابقة يعتبرون من مريديه ومحبيه.
وأصبح الأستاذ لهذا الموقف ولتأييده لفكرة السلام مع إسرائيل هدفًا للهجوم والتجريح، وعلى المستويات الرسمية أصبح على قائمة المقاطعة سواء لأعماله الأدبية أو حتى للأفلام المأخوذة عن رواياته في معظم الدول العربية. 
وعند حصول الأستاذ على جائزة نوبل للآداب سنة 1988، ورغم حالة الفرحة والفخر العام بالجائزة الكبرى، إلا أن بعضًا من صغار العقول والنفوس أخذوا يتحدثون تلميحًا وتصريحًا، أن الجائزة ليست لمكانة الأستاذ في عالم الأدب بل إنها مكافأة له على موقفه السياسي في تلك المسألة.