الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

شبابنا من مستنقع التقليد إلى منحدر التبديد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم تقف كتابات سلامة موسى عند حد الإرشادات العامة لطبيعة العلاقة بين الشباب والشياب أو بين الأبناء والآباء، فنجده ينطلق من قاعدة التمرد على كل ما فى المجتمع من أوضاع وجحد الموروث ثوابته ومتغيراته ومستغرقًا فى تقليد الغرب، معولًا فى ذلك كله على خبرات الشباب التى حصلوها من الحياة وليس من تربية الأبوين أو الروح الجمعى السائد أو المدرسة أو الدين.
فالعادات والتقاليد من أهم المؤثرات التى تحدد مشخصات المرء ومن ثم ينبغى – فى رأيه – التخلص منها باعتبارها قيودا تحول بين العقل وانطلاقه لإدراك ما حوله من تغيرات وتطورات فى العالم، وتحجب عن أعين الشباب آفاق المستقبل التى تمكنهم من الإبداع والمساهمة الإيجابية فى صنع الغد.
«علينا أن نمنع الحكومات من وضع الأربطة للعقول، وأن ننفض عن عقولنا التقاليد والعادات التى تغل عقولنا وتقيدها، فقد ورثنا عادات ذهنية وعقائد خرافية تتصل بالمجتمع أو بالغيبيات، وهى بمثابة الجدران السميكة التى تمنعنا من التفكير الحر، ولذلك يجب أن نحرر أنفسنا ونتخلص من هذه القيود الموروثة، مقتفين فى ذلك ثورات الشباب الأوروبى الذى اقتحم الحاضر وأعاد تنظيمه تبعًا لإرادته المستقلة، غير عابئ بما نقضه من سلطات وغير آسف على ما انتزعه من أفكار وقيم ومعتقدا ت بائدة. 
ويضيف سلامة موسى أن المتدينين قد ورثوا التعصب وكراهية الأغيار، لذا يجب علينا جحد هذه الأديان، والبحث عن ديانة بشرية تتصف بالإنسانية فتكون وسيلة للتآخى بين البشر ونشر السلم بينهم. «إن العالم فى حاجة إلى ديانة بشرية جديدة لكى يعرف سكان هذا الكوكب أنهم بشر قبل أن يكونوا هندوكيين أو مسيحيين أو مسلمين أو يهودًا، وأنهم يستوون فى الحقوق... وعلى كل شاب أن يتخلص من هذه العصبيات وأن يعرف ويعلن أن وطنه ليس فوق الأوطان، وأن البشر متساوون مهما اختلفوا فى الدين أو المذهب أو اللون أو اللغة، وأن الإخاء الإنسانى هو ديانتهم الأولى.... وعلى كل شاب أن ينسى حسراته ومآسيه فى الماضى ويبصر المستقبل بعيون العلم، ويعيد بناء شخصيته تبعًا للواقع الجديد، ثم يحدد هدفه ويشرع فى السير نحوه، أى يشرع هذا اليوم بل هذه الساعة فيجعل أمانيه برامج وبرامجه حقائق.
وراح سلامة موسى يلح فى معظم كتاباته على أن سبيلنا الأوحد إلى التخلص من التقليد المذموم – وكان يعنى الموروث – هو تثقيف الأنا وتوعيتها وإعدادها للمشاركة الإيجابية فى صناعة الحاضر والتخطيط للمستقبل، وأول المعنيين بهذا النداء هو معشر الشباب الذين يعانون من سلطة الآباء، ونصائح الشياب. 
وقد تصدى سلامة موسى إلى العديد من مشكلات الشباب مقدمًا حلولًا لها وفق وجهته ونزعته التغريبية ساعيًا لهدم الثوابت وتبديد المشخصات. 
وأولى هذه المشكلات هو شعور الشباب بمشكلات الحياة وما يعتريهم من يأس عند الفشل ورغبة فى الانتحار بعد تحطم الآمال وعدم القدرة على تحقيق الغايات. فينصح أولئك الشباب بتعاطى الخمور عوضًا عن المخدرات القاتلة مثل الهيروين والكوكايين والأفيون. «الحضارة القائمة تحتاج إلى مقدار من المخدرات، ولكن ليس إلى المخدرات الفتاكة... فهو يحتاج إلى منبهات خفيفة مثل الخمر أو الدخان. فعندما نقارن بين المخمور بالخمر وبين المخدر بالهيروين فإن المقارنة تشبه المقارنة بين رجل فى الجنة وآخر فى جهنم، ومن ثم نحتاج إلى إنتاج الخمور وتصنيعها وترويجها بين الشباب، فإذا لم توجد الخمور فإننا نضيق بأنفسنا، فنتشاجر لأقل استفزاز فى البيت، وقد يزيد الضيق حتى نفكر فى الانتحار أو نقع فيه، فالخمور تصلح ما بين الزوجين المتخاصمين، فالكثير من المشاجرات الزوجية، والكثير من حوادث الطلاق كان يمكن تلافيها لو كانت الخمور مألوفة فى بيوتنا كما هى مألوفة فى أوربا وأمريكا... قد يقال إن الدين يحرم الخمور، وأنا أشك فى أنه يوجد دين قد حرم الخمور تحريمًا قطعيًا. 
ويتصدى سلامة موسى إلى مشكلة التحرش والانحرافات الجنسية فيرى أن علة ذلك هو الكبت والفصل بين الجنسين والتعامل مع القضية الجنسية على أنها من المحرمات، ومن الموضوعات التى لا ينبغى على الشباب التحدث فيها قبل الزواج، مبينًا أن الشباب الأوروبى أكثر تفهمًا ووعيًا بها، وأن التحرش هناك لا يقع إلا فى أضيق الحدود، وأن المدارس الأوروبية تدرجه فى مقرراتها، وعليه لا يتحرج سلامة موسى من إباحة التقبيل بين الجنسين فى الحدائق العامة، ويعد ذلك من قبيل الحرية الشخصية والتمدن والتحضر، الأمر الذى جعله يسخط على العادات الشرقية التى تبيح للشرطة القبض على المتعانقين من المحبين فى الحدائق – باعتباره فعلًا فاضحًا فى الأماكن العامة – ويشيد فى الوقت نفسه بالمجتمع الأوروبى الذى يعاقب من يتلصص أو يحدق فى وجه الجالسين للاستمتاع بحياتهم على النحو الذى يرونه. 
«نحن نحرص فى مصر على أن نمارس القبلة من خلف الأبواب والسُتر، فى حين يمارسها الأوروبيون فى الحديقة والمحطة، بل أحيانًا فى الشارع، وقوانينهم تحميهم من المتطفلين والمتطلعين الذين يحرجونهم».
وقد نصح سلامة موسى الحكومة بعدم إلغاء البغاء أو الدعارة كلية عام ١٩٤٩ والاحتكام إلى التجربة والممارسة قبل أن تشرع لذلك قانونًا، فإذا قضى على الانحرافات الجنسية والتحرش تمامًا فى المحافظات التى طبق فيها قانون الإلغاء ساد وعم القانون، وإذا لم يحدث فعلى الحكومة أن تتراجع عن ذلك وتجعل البغاء مباحًا بضوابط صحية وتنظيمية شأن الأوروبيين. 
كما طالب المعلمين فى المدارس وأساتذة الجامعات بتدريب الشباب من الجنسين على الرقص الغربي، ولا سيما ذلك الذى يعتمد فى حركاته على المعانقة والمخاصرة حتى تتهذب لديهم الشهوة الجنسية، ويحد من ظاهرة التحرش وخطف البنات «أنادى أساتذة جامعاتنا: علموا شبابنا وفتياتنا الرقص حتى نكفل به لهم الصحة الجنسية». 
تلك كانت أهم آراء سلامة موسى تجاه تربية الشباب وخطته فى إعدادهم للمستقبل، والجدير بالإشارة أن جل هذه الآراء قد قُبلت بالنقد من قبل المثقفين المحافظين والليبراليين على حد سواء، ولا حاجة لنا فى هذا السياق إلى إعادة الطعون التى وجهت إليه غير أننى أرى أن خطاب سلامة موسى متهافت من ثلاثة أوجه:- 
أولها: أن آراءه تفتقر إلى الاتساق فالكثير من تلك الآراء ولاسيما الموجهة للموروث من العادات والتقاليد قد تراجع عنه ثم عاد إلى نقده ثانية، أى أنه كان يمارس النكوص فى نصحه وإرشاده للشباب. فأراد العزوف عن التقليد الشرقى فوقع فى شرك التقليد الغربي. أى أنه لم يستطع التخلص من آفة التقليد. 
وثانيها: أن استبعاده للشباب من موقع القيادة فى حديثه عن المدينة الفاضلة التى ينشدها يعد اعترافا منه بسقوط خطابه فها هو يقول فى كتابه (أحلام الفلاسفة) «يجب على الفلاسفة تولى أمر الهيئة الدينية فى مدينته، ولا يسمح لمن هو دون السبعين من عمره أن يتصدى للحكم أو التشريع أو تسييس أمور الدولة».
وثالثها: أن المنهج الاستقرائى الذى زعم أنه معيار الحكم على صحة الأفكار يشهد بفساد ما انتهى إليه فى خطابه، والواقع خير برهان، فشبابنا قد طبق عن قصد أو غير قصد كل ما جاء به سلامة موسى من تبديد للمشخصات وغالى فى تقييد جيف ثقافة الغرب، ومع ذلك لم يتقدم ولم يسلك المجتمع من جراء ذلك طريق التمدن ولم يظفر بمحاسن التجديد، فقد تمرد الشباب على حكمة الشياب وخرجت المرأة متهتكة سافرة عارية وهدمت كل المشخصات ولم نبدع إلا فى التبديد والهدم والاجتراء، ولم نحرض فى أنفسنا سوى قوى الشر فخرج منا من ينتهج الإرهاب والعنف وجعله آلية للإصلاح وتقويم الواقع.
وقد أثبتت معظم الدراسات المعاصرة أنه لا إبداع إلا انطلاقًا من ثوابت عاقلة لا تمنع العقل من سياحته ولكن تعصمه من شطحاته الهادمة، وأنه لا حضارة إلا بثقافة تغذيها وتعمل على الارتقاء بالجانب الوجدانى والروحى للذهن البشري. ومن ثم على الشباب أن يختار طريق التجديد أو التبديد. 
وللحديث بقية عن خطاب آخر حول الشباب والشياب..