الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس سهيل سعود يكتب:"المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج"

القس سهيل سعود
القس سهيل سعود
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما سأل أحد الكتبة، يسوع المسيح، عن ما هي الوصايا العظمى في الناموس، أجاب المسيح قائلا: "تحبّ الربّ إلهك: من كلّ قلبك، ومن كلّ نفسك، ومن كلّ قدرتك، هذه هي الوصية الأولى، وثانيها، مثلها، تحبّ قريبك كنفسك، ليست وصيّة أعظم من هاتين" (مرقس12: 20-21). لم يفصل المسيح بين محبّة الله ومحبّة القريب، بل ساوى بين محبّة الإنسان لله، ومحبّة الإنسان لقريبه الإنسان. ومن يقرأ رسالة يوحنا الرسول الأولى، يجد أن موضوعها الأساسيّ هو المحبّة ببعديها الإلهي والإنساني: محبّة الله ومحبّة الناس الآخرين. وبالتالي، أيضا لا يفصل الرسول يوحنا، بين محبّتنا لله، ومحبتنا لاخوتنا. أشار الرسول يوحنا، إلى وجود البعض من أعضاء الكنيسة، الذين يريدون، أن يكتفوا بمحبّة الله، دون محبّة الآخرين. لكن يوحنا قال لهم، هذا الأمر غير ممكن. قال "إن قال أحد أني أحب الله، وأبغض أخاه، فهو كاذب. لأن من لا يحبّ أخاه الذي أبصره، كيف يقدر أن يحبّ الله الذي لم يبصره. ولنا هذه الوصية منه، أن من يحب الله، يحب أخاه أيضا" (1يوحنا4: 20-21). لقد آمن الرسول يوحنا بقوّة المحبّة. اعتبر إنها تنقل المحب الذي يحب الله وأخيه، من الموت إلى الحياة. قال: "نحن نعلم أننا قد انتلقنا، من الموت إلى الحياة، لأننا نحبّ الإخوة" (1يوحنا3: 14). 
من الأقوال الرائعة التي قالها الرسول يوحنا عن المحبّة، قوله: "لا خوف في المحبّة، بل المحبّة الكاملة تطرد الخوف إلى خارج، لأن الخوف له عذاب، وأما من خاف فلم يتكمّل في المحبة" (1يوحنا4: 18). من طبيعة الخوف، أنه أنانيّ. أنه يشغل الخائف: في نفسه ومخاوفه وقلقه، فيتمركز على ذاته، وينسى كل شيء آخر، وحتى الله. الخوف يجعل الإنسان، يشعر: بالعذاب، وعدم الراحة، وعدم الشعور، بالأمان والإستقرار. قال أحدهم، "الخوف هو عدم إيمان مقنّع". للخوف تأثير كبير على حياة الإنسان: الجسدية والنفسية. فبالإضافة، إلى أعراض الخوف الجسدية، التي قد تكون: زيادة في سرعة دقّات القلب، تعرّق، إطلاق السكّري في الكبد، إعاقة عمل الجهاز الهضمي. فان أعراضه النفسية قد تكون أقسى على الإنسان الخائف. الخوف يسجن، يحبط،، يشلّ قدرات الإنسان، يملأ الإنسان باليأس. لكن الرسول يوحنا يقول: أن المحبّة تستطيع أن تطرد الخوف من داخل قلب وحياة الإنسان. طبعًا، هذه المحبة، لا يمكن تنبع من داخلنا. لا يمكن أن نكون نحن مصدرها، لأنه لا يصدر من داخلنا الا: الشهوات الردية، والكراهية البغيضة. ليس مصدر هذه المحبة، ذو البعدين الإلهي والإنساني، انجازاتنا وقدراتنا الإنسانية العاجزة، بل مصدرها الله. قال الرسول بولس، "لأن محبة الله، قد انسكبت في قلوبنا، بالروح القدس المعطى لنا" (رومية 5: 5). فقط عندما يسكب الله بروحه القدوس، في داخلنا محبته االفياضة، نستطيع من خلالها أن نحب الآخرين. فمحبة الله، تخرجنا من خوفنا، من أنانيتنا، من تقوقعنا حول أنفسنا، كيما نتوجه نحو الآخرين، فعندما نشغل أذهاننا وقلوبنا، بمحبّة الله ومحبّة الآخرين، فإننا نلتهي عن أنفسنا، وهكذا نننشغل بمحبّة الآخرين. فالمحبة التي مصدرها الروح القدس، لها القدرة على إعادة التوازن إلى حياتنا. لها القدرة، على إعادة: تنظيم شخصيّتنا، واهتماماتنا، وأولوياتنا. 
تحدّث أحد قدّيسي الكنيسة، عن ثلاثة سمات أساسية للمحبّة التي تنسكب في قلوبنا بالروح القدس: 
الأولى، المحبة تمنح الإنسان المؤمن القدرة على التمييز، إذ بحلولها فينا، نستطيع أن نرى ونميّز في الإنسان الآخر، الصفات الحميدة فيه، التي لا يستطيع أن يراها كثيرون. 
الثانية، المحبّة تقدّم للانسان الآخر الملجأ، لكي يلجأ إلينا عندما يمر في فترات من المخاوف. فالمحبّة تبرز في الإنسان المحبّ، روح البطولة والشجاعة، لحماية من يحبّ والإسراع إليه لتقديم المأوى والأمان له. فالمحبّة تحامي عن الضعفاء والمظلومين والمحتقرين.
الثالثة، المحبّة تضحّي في سبيل الآخر. محبة الروح القدس تجعل من الإنسان مستعدا للتضحية، من أجل من تحب. مستعدا لدفع الثمن، الذي قد يكون مكلفًا في كثير من الأحيان، من أجل إسعاد الآخرين وتأمين الحياة الأفضل لهم. هذه المحبّة المضحيّة، قد أظهرها الله، في ابنه يسوع المسيح، الذي ضحّى بنفسه لأجلنا على الصليب. فكل قصّة إيماننا المسيحي، هو قصّة محبة. لأنه هكذا الله الذي أحبّ العالم، حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كم من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا3: 16).