السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأب بولس ساتي لـ"البوابة": العراق "طائر الفينق" سوف ينجو من التدمير

الأب بولس ساتي لـالبوابة
الأب بولس ساتي لـ"البوابة"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المدبر البطريركى لـ«الكلدان»: دول ما بين النهرين علمت الشعوب القراءة والثقافة.. ومصر كانت وما زالت الملاذ الآمن
الهيئات الدولية تتعامل مع الدول العربية بازدواجية.. و«بوش» انتقم من بلد بأكمله
الشعب العراقى يرفض المغالاة والتطرف.. والمصالحة تحتاج إعادة بناء الثقة
قال الأب بولس ساتى، من رهبنة الفادى الأقدس، المدبّر البطريركي على أبرشيّة الكلدان، إن وجود العراقيين فى مصر بدأ منذ قرنين من الزمن، بحثًا عن العمل وملاذ آمن لهم، فاستقبلتهم مصر، مشيرًا إلى أن بعضهم اندمج فى المجتمع عن طريق «الزواج» وآخرون سافروا إلى أوروبا وأمريكا.
وأضاف، أن الكنيسة الكلدانية بالعراق دعمت المواطنين بعد سيطرة داعش على عدة مدن، بالإضافة إلى خدمة المسيحيين، الذين اختاروا الهجرة، لافتًا إلى أن ترقية البابا فرنسيس للبطريرك «مارلويس ساكو» بطريرك الكلدان إلى رتبة الكاردينالية هو دعم للعراق. وشدد على أن الشعب العراقى يرفض الأفكار المتطرفة، فدولة العراق تهدمت على مدار التاريخ عدة مرات، لكن بشبعها تمت إعادة بنائها مرة أخرى، مؤكدًا أن المصالحة فى العراق تحتاج إعادة بناء جسور الثقة خاصة بعد الإيذاء الذى تعرض له المسيحيون.
ولفت «ساتى»، الذى تولى المسئولية فى مصر خلفًا للمونسنيور فيليب نجم، بقرار من البطريرك مار لويس روفائيل ساكو، إلى أن مزار سانت فاتيما يفتح أبوابه لكل مريدى ومحبى العذراء، مستطردًا: العذراء مكرمة فى الإسلام ولها سورة كاملة فى حين أن ما قيل عنها فى الكتاب المقدس لا يتعدى سطورًا، إلى نص الحوار..

< فى البداية نريد معرفة تاريخ وجود الكلدان فى مصر؟
- يرجع وجود الكلدان فى مصر إلى قرنين من الزمان، ففى القرن الـ19 كان أول نزوح لهم من العراق وبلاد الشام وتركيا والتى كانت وقتها تسمى «أراضى السلطة العثمانية»، واستقروا خلال الحرب العالمية الأولى فى مصر، كل بعد المذابح التى طالت الأرمن، الكلدان، الأشوريين والسريان فى جنوب شرق تركيا.
وكان هناك وجود كلدانى فى المدن التى تعرف الآن بدولة تركيا، والتى كانت تحت سلطة السلطانية العثمانية، وتم النزوح على مرحلتين الأولى بحثًا عن الشغل والتجارة، والثانى بحثًا عن ملاذ آمن ومصر كانت هذا الملاذ الآمن، منذ أيام الأسرة العلوية.
واستطاعوا الاستقرار فى مصر، وفى الأول كانت توجد كنيسة تابعة للطائفة فى «الفجالة»، حتى تم إنشاء سانت فاتيما، وشوية وعلى مدار السنوات انتشر الكلدان فى عدة محافظات، لكن كان التجمع الأكبر فى القاهرة والإسكندرية، وبعضهم اندمج فى المجتمع المصرى وتزوج وآخرون اختاروا الهجرة.

< ماذا عن الصلوات التى تُقام بالكنيسة؟
- تتنوع اللغات التى تُقام بها الصلوات، نظرًا لأن كنيسة سانت فاتيما تجمع بين كونها مزارًا للعذراء ومقرًا للإيبارشية، حيث يحضر إلى الكنيسة من كل الطوائف المسيحية، وأيضًا مسلمون لأن العذراء مكرمة من الكل، ولذلك بالإضافة إلى القداس الكلدانى الذى نستخدم فيه اللغة العربية والكلدانية، هناك قداس بالطقس القبطى، وآخر بالطقس اللاتينى نصلى فيه باللغة الفرنسية.
فمريدو ومحبو العذراء كثيرون، كل فى يوم 13 من كل شهر، والذى يصادف عيد ظهورات العذراء فى سانت فاتيما للرعاة الأطفال، فالمكان مزار كاثوليكى معروف، الناس تدخل إليه طلبًا شفاعة العذراء، وتنال الشفا وتضع لوح شكر للعذراء، فأصبحت جدران الكنيسة كلها لوحات شكر، وهذا من جمال الكنيسة، حيث تظهر عمل الله من خلال العذراء ومزارها فى سانت فاتيما. وأتذكر من فترة سيدة جاءت ومعها أشعة ووضعتها أمام صورة العذراء، فالكل يأتى طلبًا للبركة والشفاعة، وليس فقط الكاثوليك فنحن مثل السلة التى حمل جميع أنواع الفاكهة.

< هل هذا النوع من التداخل موجود فى العراق؟
- نعم، من مميزات الكنيسة الكلدانية أنها لا تمنع أحدًا بالدخول للكنيسة، فمثلًا فى بغداد أحد الكهنة أثناء القداس ترتدى «عباءة وحجاب» جاءت ودخلت، وأمام صورة العذراء تبكى فما كان منه إلا أن استمر فى القداس، تاركًا السيدة تشكوى للعذراء لأنها سيدة أم جاءت تشكى للعذراء وهى أم.
هناك مشتركات بين المسيحية والإسلام، خصوصًا السيدة العذراء فهى مذكورة فى القرآن الكريم بسورة كاملة، وهو ما لا يوجد فى الإنجيل، فما يذكر عن العذراء به قليل، وككنيسة الكل مرحب به لا أستطيع أن أمنع أحدًا يزور العذراء والكنيسة.

< لماذا اخترت الرهبنة؟
- رغبتى كانت من البداية الكهنوت منذ أن كان عمرى تسع سنوات، وأراد شقيق والداتى الحاقى بالإكليركية الصغرى وأنا طفل، لكن والدتى رفضت لحين انتهاء دراستى التعليمية، لكن الله وجهنى ووضع فى طريقى شخصًا ساعدنى لأخذ قرارى بالرهبنة حتى استقررت على رهبنة الفادى الأقدس فى عام 1999.
دخلت الرهبنة وأكملت دراسة الفلسفة واللاهوت، وتركت العراق فى 1995 وانتميت لرهبنة الفادى المقدس، وارتديت «خاتم السبحة» الذى كان هدية عقب السيامة الكهنوتية لأستطيع صلاة «المسبحة»، حيث يبدأ الخاتم بالصليب، وبه عشر حبات للصلاة.
خدمت فى بلجيكا وألمانيا، وفى ألمانيا توليت مسئولية رعية ومستشفى، إلى جانب مشاركتى فى راديو ماريا، وهو راديو عالمى له عدة فروع، وتوجد فروع له الشرق الأوسط فى لبنان، ويجرى افتتاح آخر فى العراق بمدينة أربيل، ويوجد قسم عربى يبث فى روما يتحدث عن كنائسنا فى الشرق الأوسط.

< ما مدى الاختلاف فى الخدمة فى مصر والدول الأوروبية التى خدمت بها؟
- زرت مصر قبل تولى هذه المسئولية ثلاث مرات، وأعرف الواقع المصرى أو كما يقولون «مذاكر كويس» والمطلوب منا فى الخدمة هو «الفعل»، وهناك نوعان من الفعلة من يستطيع العمل، وآخرون لا يتمكنون من التأقلم.
وهذا أمر موجود فى الكنيسة والكتاب المقدس، فمثلًا الكتاب يحدثنا عن «يونان النبى» الذى خالف أوامر الله ورفض الذهاب إلى نينوى، كما أن تاريخ كنيستنا به العديد من القصص، ففى القرن التاسع والذى شهد قمة ازدهار العراق فى زمن الخلافة العباسية، وكان هناك أربعة خلفاء أهمهم هارون الرشيد، والذى تزامن مع حبرية البطريرك تيوثاوس الكبير، والذى أرسل مرسلين للهند والصين، ويبشرون بالمسيحية ويفتتحون الأديرة، وفى أحد المرسلات مع أحد الأساقفة فى جنوب غرب إيران والذى رفض الذهاب والبطريرك، وقتها قال له تعلم من الرهبان الذين ذهبوا إلى الهند. ولذلك فإن القدرة على العمل من عدمه وارد أن يحدث لأى حد، فالكاهن يكون فى موضع مسئولية، ولذلك لا بد أن يكون واعيًا منعًا لحدوث أى أخطاء، لو تم أخذ قرار خاطئ ستتأثر الرعية.

< من وجهة نظرك كيف ترى قرار البابا فرنسيس بابا الفاتيكان بترقية البطريرك الكلدانى لكاردينال؟
- هذه الترقية هى دعم للعراق فى شخصه، لكن أود أن أوضح أنه الكلدان كقومية ليسوا عربًا مع اعتزازنا بالشرق الأوسط، لكن الكلدان كقومية لسنا عربًا، وهو أمر متفق عليه فى العراق، ونحن نعتز بثقافتنا العربية وحافظنا عليها، والكلدان لهم لغتهم التى تميزهم، فمثلًا عندما دخل الإسلام فى إيران لم يستطيعوا تحويل الفرس إلى عرب وحتى الآن، رغم أنها دولة إسلامية غير أنهم ما زالوا معتزين بتراثهم الفارسى، وتوجد أعياد ما زالت قائمة هناك بالرغم من أصولها الوثنية.
ولنا ككلدان أعيادنا التى توقفت منذ 2003، فى بابل ونينوى، فمثلًا عندنا فى 1 أبريل عيد رأس السنة «أكيتو»، وبنعملها فى المدينة القديمة فى بابل وفى الموصل كان يوجد مهرجان الربيع.

< ماذا عن الوضع فى العراق الآن؟
- بعد تحرير الموصل عادت حتى الآن 60 عائلة مسيحية، لكن نسيان ما حدث صعب، فكيف ننسى أن عائلات مسلمة ساعدت تنظيم داعش على طرد المسيحيين وقتلهم وأسر نسائهم، وآخرون لم يساعدوهم، والمطلوب من العراقيين المسيحيين أن ينظروا إلى الوضع بروح مسيحية بالدرجة الأولى ولا أعمم، واختار أما أن أكون شبه بالمسيح الذى يغفر للكل أم لا؟
وأريد أن أوضح أن الشعب العراقى ضد المغالاة والتطرف، فأنا ككاهن أرفض أن يأتى رجل دين ليحرم ويحلل ما يرغب دون وجود نص فى الكتب السماوية، فمثلًا أنا مع الحجاب المعتدل لكن ضد التقليل من النساء وحقوقهم، ففى القرى العراقية الفتاة تظل بشعرها حتى تتزوج، وبعدها تضع على رأسها حجاب، فقد كانت سيدة ما بين النهرين «محجبة».

< هل يتصالح العراق؟
- المصالحة أظن أنه صعب بالوقت الحاضر، آخر مرة ذهبت العراق فى يوليو، جمعتنى جلسة حوار مع راهبات وعبروا عن مدى الإيذاء الذى تعرضن له ومع ذلك ما زالوا يخدمون كل العراقيين، الوضع صعب هناك من تهجر وتم تفجير بيته، المسألة مسألة ثقة تحتاج إعادة بناء ومد الجسور التى تدمرت، بالتوازى مع إعادة الإعمار التى تقوم بها الدولة للمدن والجوامع والكنائس.

< ماذا عن دعوات عودة المهاجرين؟
- البعض يهاجم الكنيسة لأنها تدعو العراقيين للرجوع لبلدهم، رغم أن الكنيسة لا توجد لديها سلطة لإجبارهم على العودة، فهو قرار اختيارى يخص كل شخص، لكن ككنيسة لنا وجهة نظر، لما شخص يطلب مشورتنا فى الهجرة ننصحه بالبقاء فى بلده، لكن فى نهاية المطاف الهجرة أو البقاء قرار شخصى فردى.
ويمكن القول إن الكنيسة ساعدت المهاجرين فى الدول المحيطة، مثل لبنان وتركيا والأردن ومصر، لكن بحسب معلوماتى كان أغلب من نزح إلى مصر كان من العائلات العراقية المسلمة، والعائلات التى توجد تركيا ولبنان والتى نسميها فى لغتنا بلاد «ترانزيت» تقيم بشكل مؤقت لهجرتهم لدول أوروبا وأمريكا والكنيسة تساعدهم خلال هذه الفترة. وللأسف لا يوجد كهنة كفاية هناك ليقوموا بالخدمة، هذه مشكله تقابلنا، فمثلًا إذا أردنا عمل قداس أو خدمة فى دولة مثل تركيا، لا بد من تصريحات وإجراءات ربما تستغرق أكثر من شهرين.

< ماذا عن دور الكنيسة بداخل العراق؟
- يمكن القول إن الكنيسة تحملت الكثير منذ سيطرة داعش فى 2014، وتوفير الدعم لكل المسيحيين، فالدولة لم تقم بدور مثل الذى قامت به الكنيسة بمساعدة المنظمات المسيحية حول العالم، فما حدث فى الموصل كان نتيجة انسحاب الدولة منها ودخول داعش والاستيلاء على مخازن الأسلحة، والذى أدى إلى هروب أكثر من 120 ألف مسيحى استقبلتهم إيباراشية أربيل ودهوك.
وأتذكر فى أغسطس 2014 كنت فى العراق لإيصال مساعدات، وجدت الناس يفترشون الكنائس، عدا الموجودين فى الشارع والحدائق والطرقات، لولا وقفة الكنيسة مع الناس كان الوضع تحول لأزمة. وهنا لا أفصل الشعب العراقى فعندما يتم تفجير يُصاب ويقتل الكل، وأرى أن المسلمين عانوا أكثر من المسيحيين نسبة لعددهم، لكن لأن المسيحيين أقلية تظهر معاناتهم بوضوح.

< ماذا عن دور دول العالم؟
- العراق دمر من خلال أمريكا وبريطانيا فى 2003، بوش قالها صارحة إنه ينتقم من شخص صدام حسين لمحاولته اغتيال «بوش الأب»، وأعلن هذا صراحة، وآخر مكان وجدوا فيه كانت القصور الرئاسية، ولم يجدوا شيئًا، وهم بأنفسهم أعلنوا ذلك فيما بعد، فأى مساعدة ننتظر منهم؟
المشكلة منذ 2003 لم تكن مع نظام، لكن مع شخص صدام مشكلة شخصية، بين شخص يأخد «ثأر» والده، العراقيون يعانون بسبب شخص انتقم من ببلد بأكمله، وداس كل القوانين الدولية كلها لينتقم لأبيه.

< ماذا عن دور التحالف الدولى للحد من انتشار داعش؟
- التحالف الدولى كان قائمًا من 2003، وأتساءل: أين كان هذا التحالف عندما قام تنظيم داعش بعمل عرض عسكرى فى الرقة والتى كانت عاصمة الخلافة؟ وأين كانوا عندما استولوا على الأسلحة من الموصل؟
كنا نأمل من الهيئات الدولية أن تقوم بدور، لكنها تتعامل مع الدول العربية بازدواجية، ففى الوقت التى تطالب بانتخابات وديمقراطية ترفض نتائجها، المحاكم والمساءلات وقرارات الأمم للدول العربية فقط لا لهم، وبعد ذلك يتحدثون عن إرادة الشعوب.
المشكلة أنهم لا يفكرون الشعب هيعمل إيه، وهم لا يدركون أن الشعوب هى التى تصنع الحضارة، ويراعيها فنحن من علمناهم الكتابة والثقافة وكل شىء نحن مستمرون مهما كان الوضع.
ففى فلسطين عملوا انتخابات، فازت بيها حماس فى أول انتخابات والتى عقبها قام الاتحاد الأوروبى بوقف المساعدات عن السلطة الفلسطينية، وهى كانت أكبر مساعدات تأتى لهم، وهم كانوا السبب فى الانفصال ما بين الغزة والضفة، هناك ازدواجية فى التعامل، ونفس الأمر تكرر فى الجزائر، وفاز الإسلاميون فى الانتخابات وتسببت بحرب أهلية هناك.

< هل تنجو العراق ويعود إليها أبناؤها؟
- نحن معقل طائر الفينق نقوم من الرماد، فلو حدثت ظروف أو أحداث سوف نقوم وننفض الرماد، بغداد اتحرقت 7 أو 8 مرات على مر تأسيسها ومع ذلك تم بناؤها فى كل مرة، وسوف تقوم، والموصل كل زيارة توجد إعادة إعمار وبناء للمبانى والجسور.
لكن المشكلة الآن فى انتشار وسائل التواصل الاجتماعى، وأرى أنها تهدد الوجود المسيحى، فمن قرر الهجرة يستخدم هذه الوسائل لنشر صور واحتفالات وأسلوب معيشة منفتحة، لكن فى الحقيقة لا أحد يعلم ماذا يعملون أو كيف تسير حياتهم، رغم أن الحياة فى بلدانهم الأصلية أفضل، لكنهم يبحثون عن صورة بزعم إنه ما فيش أمان ومستقبل. وهنا أؤكد أن الهجرة طالت كل الشعب العراقى مسلمين ومسيحيين، لو الحكومات عملت من أجل شعوبها وتم توفير فرص عمل وأمان الكل «هيرجع».