السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ماذا عن تجديد الفكر الديني المسيحي؟ (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قلنا إن الفكر الدينى، هو هذا الفكر البشرى المحدود، وغير المطلق والقابل للصواب والخطأ، فالفكر هو الاجتهاد فى شرح وتفسير وتأويل النص الدينى المقدس والموحى به، أو ذلك التراث الذى هو ابن المكان والزمان وغير المقدس، فى الوقت الذى يتم فيه الخلط بين النص المقدس وبين تفسيره وتأويله غير المقدس. ولما كان هذا الفكر الدينى هو الأسلوب والطريقة المباشرة التى يتلقى بها ومن خلالها الفرد لدينه بقيمه وأخلاقياته ومقاصده العليا.
هنا أصبح هذا الفكر الدينى بالأهمية بما كان أن يتوافق مع صحيح النص ومقاصده العليا وقيمه السامية ومبادئه الأصلية بعيدًا عن الأهواء والأمزجة والمصالح الذاتية، ولأن نقل هذا الفكر الدينى يتم فى المقام الأول عن طريق المؤسسات الدينية وعلماء ورجال الدين فى كل الأديان بلا استثناء، فقد انسحبت أيضًا قداسة الدين والنص على هؤلاء بطريقة تلقائية وموروثة حتى فى الأديان الوضعية، ولأنها تحولت إلى مؤسسات فقد أصبح لها تراثها وتاريخها ونمطها وأفكارها التى نُسبت إليها، الشيء الذى جعل ويجعل هذه المؤسسات تخلط بين التمسك بهذا التراث، وذاك الفكر وبين دورها الدينى الذى يجب أن يكون فى حِل من هذا الفكر وذاك التراث إذا تعارض مع صحيح النص المقدس والثابت. ولذلك أصبح هذا الفكر الدينى فى كل دين هو هَم واهتمام وطنى لكل المصريين، ولا يعتبر هذا تدخلًا فى الدينى من غير الدينى أو تدخل المسيحيين فى غير شئونهم أو تدخل المسلمين فى غير شئونهم، ولكن الفكر الدينى هنا وهنا نتيجة لآثاره المُلخصة عمليًا على أرض الواقع فى رفض الآخر وعدم قبوله فيصبح شأنًا مصريًا عامًا وتتم المطالبة الجمعية لتصحيح الفكر الدينى الإسلامى والمسيحى فى آن واحد.
لذا طالبنا وسنظل نطالب بتصحيح الفكر الدينى المسيحى أيضًا، حيث إن رفض الآخر وعدم قبوله، بالرغم من عدم شرعية ذلك فى كل الأديان، إلا أن الواقع المعاش طوال التاريخ يقول إن رفض الآخر الدينى وغير الدينى حقيقة مؤلمة يعيشها الإنسان ومصدرها هو ذلك الفكر الديني.
رفض الآخر لا يكون بالإرهاب والعمليات الإرهابية فقط، ولكن هذا الرفض يكون أيضًا بالرفض النفسى والفكرى والمعنوى وصولًا للرفض الجسدى أو التصفية الجسدية، فهذا الرفض الجسدى يبدأ بالرفض الفكرى أولًا.
وهنا سنتناول أمثلة فى الفكر الدينى المسيحى ترفض الآخر الدينى فى الإطار المسيحى وأمثلة أخرى داخل الكنيسة والأقباط من ممارسات وأفكار لا تتوافق مع النص الدينى ولا مع القيم المسيحية، حيث إنها تراث موروث من فكر بشرى كانت له ظروفه التى تأثرت بالزمان والمكان وكانت ترجمة لواقع ومعطيات اجتماعية بنت زمانها، كما أنها رؤية وفكر بشر سواء كان هذا الفكر، وتلك الرؤية نتاج مجامع مسكونة على مستوى العالم أو نتاج مجامع محلية على مستوى كل كنيسة أو فكر فردى من الآباء الأولين.
بدايةً بالرغم من أن الإنجيل هو واحد وذات الإنجيل الذى يؤمن به كل المسيحيين من كل الطوائف إلا أن هناك طوائف. فلماذا تفتتوا وتعاركوا وتواجهوا بل تحاربوا بالرغم من وحدانية الإنجيل؟! فهل كان المسيح أرثوذكسيًا أو كاثوليكًا أم بروتستانتيًا؟ هنا نجد أن كل الطوائف، حيث توجد هناك مئات الطوائف المنشقة بعضها من بعض، تزعم وتؤكد أنها الحق والأصح والمتمسكة بالإنجيل والمسيحية دون سواها من المسيحيين الذين يؤمنون بنفس الإنجيل. هنا كانت البداية فى خلط الأرضى بالسماوى والمقدس بغير المقدس، والأهم هو الصراع على الزعامة، فمن هى الكنيسة الأصل والأولى والسابقة على كل الكنائس الأخرى؟، كما أن الأمر لم يكن يسلم من الصراع السياسى الذى سخر هذا الفكر الدينى لصالحه نتيجة لخلط الدينى بالسياسى ولتفعيل الدين لصالح هذه السياسة، وهذا نشاهده حتى الآن بصورة أو بأخرى وبشكل مباشر أو غير مباشر.
وكانت بداية تكريس هذا الفكر الدينى البشرى فى مواجهة الآخر المسيحى من خلال ما يسمى بالمجامع المسكونة، تلك المجامع التى كانت تضم الكنائس على مستوى المسكونة أى على مستوى العالم، والتى لم تكن الخلافات الدينية بينها بهذا الشكل التصادمى الذى يتناقض كل التناقض مع أى قيمة مسيحية تدعو إلى محبة العدو قبل محبة الصديق.
ونتيجة لذلك الخلاف كانت هناك مجامع ضمت الكنائس الأولى قبل الانشقاق وضمت كراسى الكنائس الأولى وهى الكرسى الأورشليمى بالقدس، وهو أول كرسى وأول كنيسة، ثم الكرسى الإسكندرى بالإسكندرية، وهو كرسى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكرسى الأنطاكي، تركيا الآن، والكرسى الرابع هو الكرسى الرومانى، وهو الكنيسة الكاثوليكية. وكانت هذه المجامع لمناقشة أمور عقائدية ظهرت نتيجة لفكر دينى اتفق معه البعض واختلف الآخر، فكانت مجامع مثل مجمع نيقية عام 325 لمناقشة ما يسمى ببدعة أريوس، تلك البدعة التى رفضت ألوهية المسيح، ثم تبعه مجمع القسطنطينية ثم مجمع أفسس، وهنا تأسست الفُرقة وتجذر التشتت وتعددت الطوائف وتباينت الكنائس وسيطرت الذاتية، ليس بسبب الدين أو النص الديني، ولكن بسبب ذلك الفكر الدينى البشرى الذى تمترس وتخندق حول فكر بشرى قابل للصواب والخطأ، وبعد ظهور البروتستانتية صار صراعًا دمويًا بين أتباع مارتن لوثر «1517»، وبين الكاثوليك حتى شاهد العالم وسجل التاريخ الحرب الثلاثينية «1618-1648» التى راح ضحيتها ملايين المسيحيين وباسم المسيح. فهل يوجد رفض للآخر أفظع وأكثر من هذا؟! يتبع بإذن الله.