الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"نينوى".. كلمة السر في صعود "داعش" وانهياره

داعش
داعش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
موقع المحافظة جعلها معقلًا للإرهابيين لقربها مع الحدود «التركية- السورية»
التنظيم الإرهابى يحاول استقطاب «الغاضبين» وشن هجمات إرهابية جديدة
انفجار سيارة مفخخة بـ«الموصل» لأول مرة بعد تحريرها فى يونيو 2017



توالت التصريحات الرسمية العراقية فى الأيام الأخيرة، التى تحذر، من أن بقايا تنظيم داعش الإرهابي، بدأت تنشط مجددا فى المناطق المحررة، خاصة محافظة «نينوى» فى شمال البلاد، التى أعلن منها الإرهابيون فى ٢٠١٤ خلافتهم المزعومة.
وجاءت السيول الجارفة، الناجمة عن سقوط أمطار غزيرة، والتى اجتاحت عدة محافظات فى شمال العراق فى ٢٤ نوفمبر الماضي، لتزيد من قتامة الصورة فى المناطق المحررة، إذ تسببت فى تشريد الآلاف ومقتل وإصابة العشرات فى محافظة صلاح الدين، كما تسببت فى انهيار أجزاء من «جسر السكر» بمدينة الموصل، عاصمة نينوي.
ولم تقتصر الكارثة على ما سبق، إذ جرفت السيول أيضا مخيمات النازحين فى نينوى، وتم الإعلان عن غرق ١٥٠٠ خيمة للنازحين فى مخيمى «المدرج» و«الجدعة» فى المحافظة، فيما وجه المتضررون انتقادات شديدة للحكومة، واتهموها بالتلكؤ فى إعادة إعمار المناطق المحررة، ووضع النازحين فى خيم مترهلة، لم تتحمل الأمطار الغزيرة.
ويبدو أن تداعيات هذه الكارثة لن تقف عند الخسائر البشرية والمادية فقط، إذ يتوقع أن يستغلها «داعش» لتكثيف عملياته الإرهابية فى المناطق المحررة، ومحاولة استقطاب بعض الناقمين على الحكومة.
ويستغل داعش أيضا ثغرة تتمثل فى أن منصبى وزيرى الدفاع والداخلية فى الحكومة العراقية الجديدة، برئاسة عادل عبدالمهدي، لم يتم حسمهما، بسبب الخلافات بين الكتل السياسية فى البرلمان، وهو ما يسبب إرباكا فى عمل الحكومة وأجهزتها الأمنية، ويساعد الإرهابيين على تهديد المناطق المحررة.

ولعل التصريحات التى أطلقها رئيس الوزراء العراقى الجديد عادل عبدالمهدي، ومن قبله زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، حول تزايد نشاط إرهابيى داعش، فى «نينوى والموصل» ومناطق محررة أخرى فى شمال وغرب البلاد، تكشف عن أن بلاد الرافدين مقبلة على فترة عصيبة، وأن عدم توحد العراقيين على وجه السرعة، وترك خلافاتهم السياسية جانبا، قد يدفع بالبلاد إلى ما لا يحمد عقباه، خاصة أن كابوس ٢٠١٤، عندما سيطر «داعش» على الموصل ومحافظة نينوى، بالكامل فى غضون خمسة أيام، لا يزال ماثلا فى الأذهان.
ففى ٢٧ نوفمبر، نقلت قناة «السومرية نيوز» العراقية، عن عبدالمهدى قوله فى مؤتمره الصحفى الأسبوعى بمقر الحكومة العراقية ببغداد، إن «بقايا داعش تنشط مجددا فى نينوى، وفى المناطق الغربية والحدودية من البلاد»، وأضاف «نينوى عزيزة علينا وأهلها أعزاء، لذا يهمنا أن تستعيد عافيتها».
وقبل ذلك بيومين، وتحديدا فى ٢٥ نوفمبر، دعا عبدالمهدي، أيضا، الجهات الأمنية إلى التأهب لصد أى عمليات إرهابية جديدة قد يشنها تنظيم «داعش»، وأكد عبدالمهدى خلال ترأسه اجتماعا لمجلس الأمن الوطنى العراقى «أهمية التنسيق العالى بين مختلف الأجهزة الأمنية ومتابعة جميع الجبهات ميدانيا وتكثيف الجهد الاستخباراتي، لصد أى عمليات إرهابية جديدة لبقايا داعش فى المناطق المحررة».
وجاء فى بيان نشره حينها المكتب الإعلامى للحكومة العراقية، أن عبدالمهدى شدد أيضا خلال الاجتماع على أهمية «تعزيز العلاقة الودية وحالة التعاون السائدة بين القوات الأمنية العراقية والمواطنين والعمل الجاد لتسريع جهود الإعمار وتحسين الخدمات فى المناطق المحررة، وبالأخص فى محافظة نينوى فى شمال البلاد».

وكان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، حذر أيضا فى ٢٠ نوفمبر، من أن مدينة الموصل فى محافظة نينوى فى شمال البلاد فى خطر، لأن خلايا الإرهاب تنشط هناك من جديد، وقال الصدر فى تغريدة على «تويتر»، إن «الموصل فى خطر، فخلايا الإرهاب تنشط، وأيادى الفاسدين تنهش».
وجاءت تصريحات عبدالمهدى والصدر فى أعقاب تزايد العمليات الإرهابية فى مناطق متفرقة من نينوى فى الأسابيع الأخيرة، إذ انفجرت فى ٨ نوفمبر، سيارة مفخخة قرب أحد المطاعم فى الجانب الأيمن من الموصل، وهو أول انفجار بسيارة مفخخة منذ إعلان تحرير المدينة من قبضة داعش فى يونيو ٢٠١٧.
وتضاربت الروايات حينها حول حصيلة ضحايا التفجير، إذ أفاد مركز الإعلام الأمنى التابع لوزارة الداخلية العراقية، بسقوط ٥ قتلى، وإصابة ١٤ آخرين، فيما نقلت وكالة «نينا» العراقية، عن مصدر أمني، قوله، إن حصيلة ضحايا التفجير بلغت ٢١ قتيلا، و١٧ جريحا.
وفى ٢٢ نوفمبر، أعلن مركز الإعلام الأمنى التابع لوزارة الداخلية العراقية، أيضا عن مقتل ثلاثة طلاب وإصابة أربعة آخرين، بانفجار عبوة ناسفة زرعها داعش، بسيارة تقل مجموعة من الطلاب أثناء مرورها فى طريق ترابى قديم بإحدى القرى فى منطقة الشورى فى نينوى.
وبجانب التفجيرات، أعلن التليفزيون العراقى فى ٢٢ نوفمبر، عن إلقاء القبض على عناصر خلية تابعة لداعش فى منطقتى القيارة ووادى حجر بالموصل، وذلك قبل قيامهم بتنفيذ عمليات إرهابية جديدة.
كما أعلنت مديرية الاستخبارات العسكرية فى العراق، فى ٢٦ نوفمبر عن إلقاء القبض على إرهابية ملقبة بـ«أم الدواعش»، كانت مندسة بين النازحين فى مخيم الجدعة فى منطقة القيارة جنوبى الموصل، ويتردد أنها كانت تقوم بإيصال المواد الغذائية للدواعش فى أوكارهم.
وبالإضافة إلى العمليات الإرهابية والقبض على الخلايا النائمة، كشفت قناة «السومرية نيوز» أيضا فى ٥ نوفمبر، عن إحصائية مفزعة تشير إلى وجود ما لا يقل عن ٢٠٠ وكر للتنظيم الإرهابى تحت الأرض فى أطراف «نينوى» وعدد من المناطق المحررة، أبرزها منطقة جنوب غربى محافظة كركوك وأطراف محافظة صلاح الدين فى شمال البلاد، وأطراف قضاء طوزخورماتو فى محافظة ديالى فى شمال شرقى العراق.
ونقلت «السومرية نيوز» حينها عن مصدر أمنى عراقي، قوله، إن «هذه الأوكار عبارة عن أنفاق وأخاديد وتجويفات قام التنظيم الإرهابى بحفرها، ويستخدمها لخزن أسلحته أو الاختباء فيها من أجل التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف المناطق الآمنة»، مرجحا «وجود عشرات المسلحين الدواعش داخلها غالبيتهم من جنسية عراقية».
ويزيد من حجم الخطر المحدق بمحافظة نينوى، التى حررتها القوات العراقية من سيطرة داعش أواخر أغسطس ٢٠١٧، أنها كانت هدفا للتنظيم منذ البداية لإقامة خلافته المزعومة، بسبب أهميتها الاستراتيجية والاقتصادية والتجارية والأثرية والنفطية، فهى بمثابة بوابة شمالية للعراق، وتقع بالقرب من الحدود مع تركيا وسوريا، وتتميز بمساحتها الكبيرة التى تبلغ حوالى ٢٥.٣٠٠ كم، ومن يسيطر عليها، يتحكم فى شمال العراق بالكامل، وأيضا فى الطرق بين شمال وجنوب البلاد، ويمتلك كذلك قدرة عالية على المناورة، وكذلك فى عمليات التهريب عبر الحدود، كما أن مدينة الموصل عاصمة المحافظة تعد ثانى أكبر مدن العراق من حيث المساحة، والثالثة من حيث عدد السكان بعد بغداد والبصرة، وتشير إحصائيات إلى أن عدد سكان نينوى، كان يبلغ قبل سقوطها فى قبضة داعش حوالى ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، كان يقطن نصفهم تقريبا فى الموصل.
ويخترق نهر دجلة أيضا المحافظة ويقسمها إلى قسمين «جانب أيسر وجانب أيمن»، وتوجد بها مساحات واسعة صالحة للزراعة، واشتهرت المحافظة منذ القدم بأنها مركز تجارى بسبب موقعها الجغرافى كبوابة شمالية للعراق، كما اشتهرت عاصمتها الموصل بإنتاج الأقمشة القطنية الناعمة، ويوجد بها أيضا أهم مصانع السكر بالعراق، وضاعف اكتشاف النفط فى المحافظة منذ الثلاثينيات من القرن العشرين من أهميتها.
كما تعد «نينوى» محافظة أثرية بامتياز؛ لأنها من أهم المدن فى العصور القديمة، وكانت عاصمة الإمبراطورية الأشورية، قبل غزو البابليين لها، وكان يوجد بها الكثير من المواقع الأثرية، قبل تدمير بعضها على أيدى الإرهابيين، مثل المكتبة الأشورية ومدينتى نينوى والحضر الأثريتين، بجانب مراقد للأنبياء أبرزها مرقد النبى يونس، ومرقد النبى دانيال، وأيضا مراقد للأئمة المسلمين، وكذلك أديرة وكنائس مثل دير «مار ايليا» ودير «مار كوركيس»، وكان من أبرز معالم المحافظة، متحف الموصل، الذى نهب داعش محتوياته، وكذلك الجامع الكبير المسمى النوري، ومنارته الحدباء، التى كان يزيد ارتفاعها على ٥٢م، والتى قام داعش بتدميرها هى والجامع الكبير.

وبالنظر إلى المقومات الفريدة السابقة، التى تتمتع بها «نينوى»، وهى محافظة ذات أغلبية سنية، فإنها كانت فيما يبدو كلمة السر فى تمدد داعش وهزيمته، لأنه عندما شن التنظيم هجوما على الموصل فى ٦ يونيو ٢٠١٤، توسع حينها خلال فترة وجيزة وسيطر فى ١١ يونيو على المحافظة بالكامل، وأعلن فى نهاية الشهر ذاته، إقامة خلافته المزعومة، واتخذ من الموصل عاصمة لها، وسرعان ما وسع رقعة سيطرته فى الأنبار «غربا» وصلاح الدين «شمالا»، وهاجم مناطق فى كركوك «شمالا»، وعندما تم تحرير الموصل من قبضة التنظيم فى ١٠ يوليو ٢٠١٧، سرعان ما خسر «نينوى» فى أغسطس من العام ذاته، وتم الإعلان فى ديسمبر ٢٠١٧ عن طرد التنظيم من المدن التى سيطر عليها فى شمال وغرب البلاد.
ورغم انتعاش آمال العراقيين حينها بالقضاء نهائيا على داعش، فإن الأزمات السياسية المتواصلة فى البلاد وتفشى البطالة والفقر والفساد، وتأخر عمليات إعادة إعمار المناطق المحررة، أعطت الفرصة للتنظيم لزرع خلايا نائمة وشن عمليات إرهابية داخل نينوى والمدن المحررة انطلاقا من الصحراء، التى فر إليها ما تبقى من عناصره، ولعل التصريحات التى أدلى بها النائب فى البرلمان العراقى عن محافظة نينوى «لطيف الورشان» فى ١٥ نوفمبر تكشف بوضوح الثغرات التى يستغلها الإرهابيون لتهديد نينوى، ومحاولة إعادة الكرة مرة أخرى.
ونقلت وكالة «يقين» العراقية، للأنباء عن الورشان، قوله: «إن نينوى ما زالت مدمرة، ولم يتم إعمارها رغم مرور فترة طويلة على تحريرها»، وأوضح أنه لا يستبعد أن التأخر فى إعمار نينوى مقصود بسبب الصراع السياسى فى البلاد، وأضاف «كل شيء فى العراق مرهون بالتوافقات السياسية، حتى حياة المواطنين أصبحت مرتبطة بهذا الشيء»، فيما قال عضو لجنة الخدمات فى مجلس محافظة نينوى حسن السبعاوى فى تصريحات لصحيفة «الصباح الجديد» العراقية فى ١٢ ديسمبر ٢٠١٧، إنه تم الإعلان عن تخصيص ٤٠ مليون دولار لإعادة إعمار المحافظة، وهو مبلغ قليل جدا قياسا بحجم هذه المحافظة، والدمار الذى لحق بها جراء الحرب على داعش، موضحا أن الجسور الخمسة فى الموصل، التى كانت تربط بين جانبيها تضررت بشكل كبير، ونسب التدمير فى المستشفيات والبنى التحتية الأخرى كالكهرباء وصلت إلى ٦٠ بالمائة، ونسبة التدمير فى شبكات المياه وصلت إلى ٦٥ بالمائة، فى حين تفاوتت نسبة التدمير الذى لحق ببقية الخدمات ما بين ٦٠ و٧٠ بالمائة.