الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القمص أثناسيوس جورج يكتب: ضِدَّ أُسْطُورِيَّة الكِتَابِ المقَدَّسِ

القمص أثناسيوس
القمص أثناسيوس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الله فى العهد القديم إله الأنبياء، هو نفسه الله أبو ربنا يسوع المسيح. الذي فيه تحققت كل الرموز والنبوات والامثال، وبتجسده وفَّر لنا المفتاح اللازم لفهم الأسفار الإلهية وما ورد بها من رموز Typoi واقوال Logoi (الرمز= الحقيقة- الرسم= النموذج). فالنبوات المسيانية تحققت واكتملت في شخص المسيح إلهنا وصارت حقيقة وواقعًا؛ لأن رموز ومثالات العهد القديم هى ترتيب مسبق دوَّنها الآباء والأنبياء لتصدق عليها الشريعة وكتب العتيقة، إذ أن الحدث المستقبلي هو تدبير الأزمنة المهيب، الذي تم بالترتيب المسبق له. لذلك العهد القديم هو كتاب نبوي تكلم عن شخص المسيح إلهنا مشتهَى الأجيال كلها، أما العهد الجديد فصار المكتوب فيه تامًا وكاملًا. ليكون (العهد الجديد مستتر فى القديم والعهد القديم معلَن فى الجديد).
كل الأسفار موحىَ بها من الله، فالله هو الذي تكلم بلسان موسى والأنبياء، والروح القدس هو الناطق في المزامير، والرسل كانوا مملوئين من حكمة الله؛ وعندما كتب الإنجيليون أناجيلهم كتبوها بوحي وإلهام الروح القدس، الذي حفظ أسرار الأسفار المقدسة، لتكون هي قانون العقيدة السمائية، ومنبع معونة الخلاص، الحافظة لكل منطق الإيمان المسيحى وللأحداث الشاهدة على التدبير الإلهي.
علَّم الله اليهود بالعهد القديم، وعلمنا نحن المسيحين بالعهد الجديد، فهو مشرِّع العهدين القديم والجديد. الذين يتفقان تمامًا فيما بينهما في اتفاق وهارمونى αρμονία لكليهما. وهو ما سمي "سيمفونية العهدين συμφωνία" لأن الناموس الموسوي قد أُعطي لليهود وحدهم؛ بينما الإنجيل قد أُعطي للعالم كله. فالإنجيل أُكمل من الناموس، لأن الأخير أُعطي لغير العارفين ليعدهم ويؤهلهم لذلك كان لا بُد أن مشرع الناموس يعامل الشعب فى القديم بحسب ضعفهم وغلاظتهم. وبالعهد القديم يرشدهم ويقودهم إلى التعليم الأعلى والأكمل الذي للخلاص بالمسيح يسوع الذي تهللت الأمم بمجيئه.
العهد القديم كان تمهيدًا واستعدادًا لفلسفة الإنجيل الجديدة ولبشارة الخلاص الأبدي، فبينما كان موسى يعاقب من يخطئون بالفعل والعمل. أراد المسيح ربنا أن يستأصل شبه الشر من جذوره، وهذا هو الفرق بين الجسد والروح، فقد كان الناموس الموسوي جسدانيًا ؛ بينما الإنجيل ناموسًا روحانيًا. وكما أن تعاليم موسى والأنبياء كانت مستترة وراء الرموز والتشبيهات، جاء الإنجيل ليقدم الحق المعلن بوضوح وتحديد. وهو المفتاح التفسيري الذي يربط العهدين القديم بالجديد ككتاب واحد مقدس. وهو أيضا الذي فسر لنا النبوات وكُشف بنعمته وفُسر فى شخصه كل المكتوب كمركز للكتاب كله.
سلطان الكتاب المقدس هو (لغة المسيحية)، وهو (حياة وخبرة الكنيسة القانونية) الذي نستخدمه كوثيقة حتمية، ونقدم لنصوصه بعبارة "مكتوب". فهو مرجعيتنا ومصدر كل تعليم مسيحي، وكل الكاريجما κηρυγμα والبشارة الرسولية.
الكتاب في جملته "بعهديه" متضافران مترابطان ؛ وهو يدور حول الإعلان الإلهي، حاويًا كل الأمور المختصة بالمسيح ربنا. بدءًا من موسى ومن جميع الأنبياء، ولم تأتِ به أي نبؤة قط بمشيئة إنسان؛ بل بإلهام الروح القدس، فهو متنفَّس به من الله، فى كل أسفاره "الله بعدما كلم اللآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق كثيرة؛ كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه، لذلك قال المسيح عن أسفار العهد القديم "ما جئتُ لأُنقض بل لأكمل"، وأوصانا بضرورة دراستها، لأن فيها تكملت نبوات الأولين. 
كتابنا المقدس هو كنزنا ونورنا المحيى الذي يتكلم معنا فى الحاضر كفردوس عقلي لعصير الخلود، والمؤدي لشركة الكلمة ولحياة اللوغوس منبع المعرفة ورازق الحكمة. يشكل "العهدين" الكتاب كله معًا، وهما معًا صوت الروح القدس لأنهما لغة الله الخاصة التي تنازل إلهيًا بها لنا ليهدينا وليسمعنا صوت وغناه، فننتقل من الفردوس المفقود فى التكوين؛ إلى الفردوس المستعاد المردود فى الرؤيا، ضمن أحداث أصيلة لمقاصد إلهية، لذلك قيل ان الجهل بالكتاب المقدس هو جهل بالمسيح. والعهد القديم المحتجب والكامن فى الجديد؛ قد صار معلنًا. والجديد فى القديم كله مُحوىً؛ والقديم فى الجديد فهو مشروح. ومسيحنا هو الكنز المخفىَ فى حقل الأسفار كلها وهو تتميمها وغايتها. الله يكلمنا وهو فى حالة حوار دائم معنا؛ كتابه الأقدس، بلغة وكلمات ومعطيات ووصايا وشرائع وعهود وأحلام ونبؤات ورؤىً وأحداث وأشخاص، عبر صوته الإلهي الذي صار المصدر الفريد لكل حي به ننال كينونتنا، عندما تصير لنا كلمة الله. 
لا يوجد بالكتاب المقدس أي خرافات الأساطير والميثولوجيا μυθολογία وقصص حماقات الوثنيين المليئة بعدم التقوى وكل فجور، حتى أنها تستحيل لعيون العقل السليم الرافض لعبادة الآلهة الكاذبة والضالة؛ لأنه بحق كتاب "الحياة" الذي كتبه أُناس الله مَسوقين بالروح القدس "أنفاس الله" التي تحمل الحق الأليثيا αλήθεια المطلق، ليجني ثمارها الروحانيون، لا النفسانيون، وهو كلمة الله للذين لهم عهود الموعد، وللذين أُعطي لهم الرجاء واليقين فى رعوية أهل بيت الله، حسب بناء أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح ربنا حجر الزاوية.
حادثة شجرة معرفة الخير والشر حقيقة مرتبطة بتدبير الخلاص بواسطة صليب شجرة الحياة التي صنعها مخلصنا الصالح آدم الثاني الجديد رأس الخليقة الجديدة، فكما ثبت الرب الإله الأولى في وسط جنة عدن، ذكرها الروح القدس في رؤيا يوحنا اللاهوتي. فالشجرة المادية التي أنبتها في عدن على الأرض، وُجدت خصيصًا لتكون رمزًا لشجرة الحياة التي في وسط فردوس الله. وهى تشير إلى معنى الحياة في الأزل والوجود والخلق، لذلك شجرة معرفة الخير والشر هي حقيقة مادية ترمز للحياة والمعرفة التى يبني عليها إيماننا.
إن القول بأسطورية آدم وحواء وشجرة معرفة الخير والشر، ينفي ما يترتب عليها من عقائد. مثل عقيدة السقوط والذبائح والتجسد والصليب والفداء.
سقوط آدم وحواء حدث حقيقي ؛ لأشخاص حقيقيين، وإلا كانت العقوبة أيضًا رمزية، ولا حاجة لنا إذن لتدبير الخلاص الذي صنعه الله لأجلنا نحن البشر. السماء والأرض تزولان؛ وحرف واحد من كلمة الله لا يزول، لأنها زفير الله الصادرة عنه، وهي منبع كل معرفة حقيقية. أوراقها دائمة الخُضرة وثمارها ناضجة كروضة وفردوس؛ وهي ينبوع الأنهار المروية، لذا توضع في القلوب والعقول والحياة، ومن يجهلها يجهل الله.
الكنيسة لا تعرف الكتاب المقدس إلا مشروحًا بالآباء ومُعاشًا في القديسين ومختبَرًا في أسرار الكنيسة وليتورجياتها. لانها هي التي قننت الاسفار؛ وجعلت من انبياء العهد القديم مبشرين للعهد الجديد؛ واتخذت من خدمة رسل العهد الجديد؛ شراحا لنبوات العهد القديم؛ لانها خدمة واحدة تتلاءم مع الازمنة لبلوغ اللؤلؤة الواحدة كثيرة الثمن بالملكوت السماوي.
الكتاب المقدس يشرح نفسه بنفسه، فلا يمكن أن تفسر كلماته او آياته منفصلة عن النص، حتى لا تُجتزأ مبتورة لأجل توظيفها لإثبات فكر أُحادي منحرف، بل يجب الحرص من الانتقاء ومن خطورة الآية الواحدة. لأن الكتاب بفهمه لا بقراءته، وبالتمسك به بكل أمانة وصدق، دون تغيير أو تبديل للمعنى والقصد.
إن الكتاب المقدس ليس كتاب علم ولا تاريخ ولا أخلاق فقط، لكنه كتاب الخلاص، كتاب الكتب الذي يقدم العقيدة السمائية وقانون الحق؛ من أجل منفعة خلاصنا. يهذب الجاهل ويعلن الحكمة ويعزي الحزين وينقي النفس، وقد وجب قراءته وحفظه وفهمه وهضمه. والعيش كما يحق بدعوته. 
كلمته وصوته الإلهي في الكتاب، كلمنا بها من على غطاءٍ تارة، وفمًا لفمِ وعيانًا لا بألغاز تارة أخرى، لتكون عهدًا ممكنًا ومثبتًا ومكملًا، فهو لا ينقض عهده ولا يغير ما خرج من مشيئته، ولا يناقض كلمته. لذلك ننصت للمسيح حينما نقرأ الأسفار المقدسة، فهو مخفيٌّ وراء وصاياه وناموسه، وشهاداته وفرائضه وأحكامه القادرة أن تحكِّمنا للخلاص بالإيمان به، فالوثائق القديمة هى أيضًا يسوع المسيح المخلص، الذي الإيمان عطية من عنده.
إن النعمة والحق صارا حقيقة ودافعًا بالمسيح، في الناموس كان فى مرحلة التكوين والإعداد؛ لكنهما اكتملا في شخصه الإلهي كمحقق للناموس ومكمل للعهد المقدس. وجميع أشخاص وقصص وأحداث الكتاب حقيقية وتاريخية وليست تخيلية؛ لكنها أيضًا تعليمية نبوية، لأنها كلمة خبر من الله، وليست ككلمة الناس، بل كلمة تعمل فينا بالروح القدس الذي كُتبت به؛ لتنير غايتها محققة لغاية معاينة مجد الله الثالوث، واهب الخلاص بكلمته الصادقة المصفاه والمشتهاه؛ أحلى من العسل والشهد. مسيحنا هو المثال الأصلي الذي فيه كل المثالات الفرعية من قبله ومن بعده تجد معناها منه وتتحقق فيه. فى المسيح يسوع نقبل كلمته المقدسة؛ لأنها روح وحياة، حتى لا نكون كالكثيرين؛ غاشين كلمة الله، لكن كما من إخلاص؛ ومن الله نتكلم أمام الله فى المسيح ثابتين القصد من قبل الكلمة؛ بإيمان حساس لسماع "صوت الله الحي" حيث إن كلمة حي Living وفعالة Powerful مزهرة بالنعمة المعطية حياة "كلمة الله تعمل في المؤمنين" فالذي من الله يسمع كلام الله وينصت لكل كلمة تخرج من فمه لأن الاستماع بإنصات خيرٌ من حكمة هذا الدهر.