الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«آبي أحمد» نبي الديمقراطية في إثيوبيا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى ميدان «ميسكل» الشهير بوسط العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، تجمع آلاف الإثيوبيين فى الثالث والعشرين من يونيو الماضي، عطلوا حركة المرور وأغلقوا أبواب الميدان بأجسادهم، لم يكن ذلك المشهد من مشاهد الاحتجاج التى اعتادها الميدان على مدار عقود خرج فيها الشعب الإثيوبى ليعلن رفضه للتمييز والاستبداد، فالميدان فى ذلك اليوم كان فى انتظار رئيس الوزراء الشاب الذى خاصم الماضى وشرع فى بناء دولة جديدة، رافعا شعارات العدل والمساواة والحرية والديمقراطية.
وعلى وقع الهتافات التى ترددت فى جنبات الميدان، صعد «آبى أحمد» رئيس الوزراء الذى ينتمى إلى قومية الأورومو على المسرح الزجاجي، لتخفت أصوات نحو ٤ ملايين إثيوبى حضروا لسماع من وصفوه «النبي» أو «المخلص»، بتعبير توم جاردنر الصحفى البريطانى الذى يعيش فى أديس أبابا، «هناك حماسة دينية تقريبًا وصلت إلى حد الهوس بـ «آبى أحمد»، يقول جاردنر، موضحا: «الناس يتحدثون بصراحة عن رؤية ابن الله أو نبي»، والبعض يتحفظ قليلا فيسميه «نبى الديمقراطية».
كان «آبى أحمد» قد قضى فى السلطة نحو ثمانين يوماً فى ذلك الحين، لم تكن كلماته وخطبه قبل ذلك الوقت هى سر الشعبية الجارفة التى دفعت عددا كبيرا من الإثيوبيين إلى وضع صوره على سياراتهم ومنازلهم وعلى حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، فالخطوات التى سارع فى اتخاذها فى وقت قصير كانت كافية ليلمس الجميع أن أوان التغيير قد بدأ، لينهى سنوات طويلة من الصراعات العرقية واستبداد الأقلية.
بدأ «آبى أحمد» كلمته فى الحشد الكبير، وهو يرتدى سترة صيفية خضراء وقبعة رأس شبابية، فشعر الجمهور أنهم أمام أخ أو ابن يحدثهم عن أزماتهم ومشاكلهم ومستقبلهم، وبعد نحو ٢٠ دقيقة سمع دوى قنبلة يدوية بدائية أثارت الذعر فى جنبات التجمع الضخم، وأسفرت فى النهاية عن مقتل شخص واحد وإصابة عدد قليل من الحضور.
كان هدف الهجوم هو «آبى أحمد» ذاته، بحسب ما نقلت وسائل إعلام إثيوبية، فرئيس الوزراء الذى خلخل المنظومة القديمة كان لا بد أن يكون هدفا لمراكز القوى التقليدية التى سيطرت على مقادير بلاده لعقدين من الزمان، فالرجل بدأ حكمه بالإفراج عن نشطاء المعارضة المحبوسين، وتواصل مع رموزها فى المنفى، وكلف بعضهم بحقائب وزارية ومناصب هامة فى الدولة، وأنهى حالة الطوارئ، كما قام برفع الحظر المفروض على العديد من المواقع الصحفية، ورفع عددا من حركات المعارضة المسلحة من قوائم الإرهاب بتشريع قدمته وزارته إلى البرلمان، وأقال ٥ من أبرز مسئولى السجون وأحالهم للتحقيق بعد تورطهم فى قضايا تعذيب، وأوقف عمل بعض الشركات التابعة لأجهزة أمنية فى مشروعات كبرى كسد النهضة، ثم انتهج سياسة «تصفير النزاعات الخارجية مع دول الجوار»، فاتخذ خطوات للتقارب مع إريتريا بعد قطيعة وحرب دامت قرابة عقدين.
لم يصل «آبى أحمد» لطريق الإصلاح والتغيير من فراغ، فالسياسى الشاب قطع مسيرة شاقة وصعبة، واكتسب وراكم خبرات أثقلته حتى صارت تجربته حديث أفريقيا كلها، فبحسب مراقبين من المتوقع أن تكون إثيوبيا، الدولة الأسرع نموا فى القارة خلال الفترة المقبلة.
ولد «آبى أحمد» على عام ١٩٧٦ من أب مسلم وأم مسيحية، فى مدينة أجارو بمنطقة جما الواقعة فى إقليم قومية الأورمو، التى تعد أكبر مجموعة عرقية بإثيوبيا، درس «آبى أحمد» المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية فى مدينته، ثم التحق عام ١٩٩٠ بالجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو للنضال المسلح ضد نظام منجستو هيل ماريام العسكرى (١٩٧٤ – ١٩٩١)، وسقط حكم الأخير بعد ذلك بعام واحد.
انضم «آبى أحمد» رسميًا إلى الجيش الإثيوبى عام ١٩٩١، وبدأ عمله فى وحدة المخابرات والاتصالات العسكرية، لكن هذا لم يثنه عن مواصلة رحلته التعليمية، فأكمل دراسته حتى حصل على بكالوريوس الهندسة من قسم الحاسب الآلى بجامعة أديس أبابا عام ١٩٩٣. وبالتوازى مع هذا، مارس السياسة من خلال الجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو، التى أصبحت الحزب الحاكم فى منطقة أوروميا بعد التخلص من نظام مانجستو.
فى عام ١٩٩٥ أرسل ضمن قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام فى رواندا عقب الإبادة الجماعية التى شهدتها تلك البلاد، وإبان الحرب الإثيوبية الإريترية (١٩٩٨- ٢٠٠٠) قاد الضابط الشاب فريقًا استخباراتيًا لاكتشاف مواقع الجيش الإريترى فى جبهات القتال. ومن أجل تعزيز مكانته الاستخباراتية، حصل عام ٢٠٠٥ على دبلوم الدراسات العليا المتقدمة للحاسوب فى قسم تطبيقات التشفير من جامعة بريتوريا بجنوب أفريقيا، وهو ما أهله للحصول على رتبة عقيد عام ٢٠٠٧، وتولى منصب نائب مدير وكالة أمن المعلومات الإثيوبية «إنسا».
أخذ نجم «آبى أحمد» السياسى فى الصعود، خاصة بعدما أصبح عضوًا فى اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو عام ٢٠٠٩، فقرر الاستقالة من الجيش عام ٢٠١٠ من أجل التفرغ للعمل السياسي.
انتخب السياسى الشاب سريعًا عضوًا بالبرلمان الإثيوبى عن دائرته فى ٢٠١٠، وأصبح فى العام ٢٠١٢ عضوًا باللجنة التنفيذية لائتلاف «الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية» الحاكم. اختبرت قدرات «آبى أحمد» السياسية شعبيًا خلال تلك الفترة، عندما لعب دورًا محوريًا فى إخماد الفتنة التى اندلعت بين المسلمين والمسيحيين فى مدينة جيما وتحقيق مصالحة تاريخية فى المنطقة.
حصل «آبى أحمد» على ماجستير فى إدارة التغيير والتحول من جامعة جرينتش بلندن عام ٢٠١١، ثم ماجستير فى إدارة الأعمال من جامعة أديس أبابا عام ٢٠١٣، وأعيد انتخابه مرة أخرى فى مجلس نواب الشعب الإثيوبى عام ٢٠١٥، وفى نفس العام اُختير وزيرًا للعلوم والتكنولوجيا فى حكومة هايلى مريام ديسالين، لكنه سرعان ما ترك المنصب وعاد إلى مسقط رأسه أوروميا لتولى مسئولية مكتب التنمية والتخطيط العمرانى بالإقليم، ثم منصب نائب رئيس إقليم أوروميا أواخر العام ٢٠١٦.
واصل الأكاديمى «آبى أحمد» دراساته وحصل أواخر العام ٢٠١٧ على درجة الدكتوراه من معهد دراسات السلام والأمن إيبس»، التابع لجامعة أديس أبابا، عن رسالة بعنوان «رأس المال الاجتماعى ودوره فى حل النزاعات التقليدية فى إثيوبيا».
فى تلك الفترة كانت إثيوبيا تمر بموجة احتجاجات غير مسبوقة، بدأت بنزاع بين مواطنين غالبيتهم من عرقية أورومو وحكومة ديسالين حول ملكية بعض الأراضي، ثم سرعان ما اتسعت رقعة المظاهرات لتشمل المطالبة بالحقوق السياسية وحقوق الإنسان، وأدت لمقتل المئات واعتقال الآلاف.
وعلى وقع هذه الاحتجاجات اتفقت قوى ائتلاف «الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية» الحاكم على الإطاحة بـديسالين من رئاسة الائتلاف وبالتالى من رئاسة الوزراء، وتعيين «آبى أحمد» بدلًا منه. تمهيدًا لهذه الخطوة انتخب حزب المنظمة الديمقراطية لشعب أورومو، الدكتور «آبى أحمد» رئيسًا له، فى فبراير الماضي، وفى أبريل نُصب رئيسًا للائتلاف والحكومة.
جمع «آبى أحمد» خبرات العسكرى والأكاديمي، رجل الدولة والثائر، فخبر كيف يتعامل مع خصومه قبل شركائه، احتوى المعارضة المسلحة وفتح لها باب المشاركة فى الحكم، وأطلق الحريات العامة، تمهيدا لبناء نظام ديمقراطى تعددي، فجعل من إثيوبيا نموذجا يحتذى به بين دول القارة.