الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

فيروز.. السيدة وأنا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كنت قد اتخذت قرارا وعلى عكس العادة ألا أكتب عن فيروز في عيد ميلادها هذا العام لأسباب لا أرغب في ذكرها رغم أن الكتابة عنها كانت من الأسباب الرئيسية التي جعلتني أختار "الشقاء في بلاط صاحبة الجلالة" على أمل أن تنظر لما أكتبه يوما وتعجب به وهو ما حدث من سنوات في مقال كتبته عن ترتيلتها في عيد القيامة وكان العيد حين أعجبت ريما ابنتها بما كتبت وعلمت وقتها ان فيروز قد قرأته، وهاتفت كل من أحب لأحكي لهم كم أنا سعيد.


اليوم صباحا جاء عامل النظافة إلى مكتبي وقال لي " صورة فيروز دي حلوة تفتح النفس... هي ماتت ؟! " فأجبته باتسامة طردت كل ملامح اليأس من وجهى وقلت له " لا عايشة" فأجاب بعد أن نظر الى صورة صباح الموجودة ايضا على مكتبي وقال "بس هي أكبر من صباح صح" فقلت له " لا صباح أكبر بس ماتت للأسف " فجاوب بكل بساطة " الاثنين حلوين بس صباح ماتت بعد ما تعبت الناس وتعبت رشدي أباظة " وتبادلنا الضحكات وانصرف.
انصرف العامل بعد أن "فتح نفسي" على كل شيء وارتديت سماعتي لأسمع إحدى مسرحياتي المفضلة لفيروز "بترا" لأبدا عملي ومن باب الفضول تصفحت ما كتب عنها في المواقع بمناسبة عيد ميلادها أمس، وكما جرت العادة اختصروها في قهوة الصباح تلك الأكذوبة التي لا أعرفها ففيروز نعرفها صباحا ومساء وفى كل الوقت، وكما هو الحال اختصروها أيضا في " كيفك انت وسهر الليالي ونسم علينا الهوى وأخيرا زهرة المدائن " رغم أنهم يعلمون انها اكبر من ان تختصر في تلك الكلمات.
سرعان ما تذكرت المرة الأولى التي سمعت فيها فيروز حين كنت صغيرا في الصف الأول من المرحلة الاعدادية ولم تكن في الصباح بل كانت في الظهر أثناء اليوم الدراسي الذى لم أحضره من الأساس فكنت يومها هاربا من المدرسة كما هي العادة وكان هناك " كشك " صغير على كورنيش النيل يمتلك مكبرات صوت للفت الانتباه وبينما الجو هادئ تماما والشوارع خالية يصدح صوت يقول " يا انا يا انا " لم أكن اعرف من تلك التي تغنى ولكن شعرت بأنى اعرف هذا الصوت جيدا جلست وقتها على الرصيف بجانب الكشك وأنا أسمع الأغنية تلو الأخرى علمت فيما بعد انه "شريط كاسيت" كان يباع على الأرصفة بعنوان " أشهر أغاني فيروز " كان حوالى عشرين أغنية من أشهر اغانيها سمعت أكثر من نصفها ولولا تأخر الوقت وخوفي أن يفتضح أمرى امام امى لجلست لأسمعه مرة أخرى، عدت للمنزل وانا ادندن ما احاول تذكره ولا أعرف من تلك ولم يكن وقتها يوجد لدينا انترنت في المنازل لأبحث وأعرف.
مرت أيام وشهور وكانت اختى الكبيرة تسمع فيروز وقلت لها بسخرية " هو في حد يسمع القديمه دي " فأجابتنى بأنني "حمار" لا أفهم، ومرت الأغنية تلو الأخرى وسمعت اغنية اعطنى الناي وغنى " ابتسمت فتلك كانت احدى الاغنيات التي سمعتها وانا اجلس على الرصيف حيث نسيت لهيب الشمس، فعرفت انى "حمار حقا" فمن سخرت منها هي صاحبة الصوت الذى لم يفارقنى منذ ان سمعته، سألتها عنها وبحثت على " الكمبيوتر " ووجدت ملف يحمل اغنيات عديدة غير تلك التي سمعتها، بقيت اياما لا افعل شيئا سوى سماع تلك الأغاني وكتابتها وترديدها كي احفظها.
فيروز تلك التي اختصرتموها في عشرين أغنية في وجهة نظري ليست الأقوى عرفتها أنا حين دخل " الإنترنت بيتنا " وكانت تلك الطفرة الأولى بيني وبين فيروز واستطعت وقتها ان ارى ثلاث فيديوهات لفيروز كان أكبرها دقيقة واحدة وأصغرها 30 ثانية عن زيارتها لجنيف 1990 جلست أسبوعا كاملا اشاهدها فقط لأنها تتحدث في اثنين منها فكنت ارغب في سماع صوتها من دون غناء او أي مؤثرات، ولم انس يوم ان عرفت انها تمثل وكان المقطع الأول الذى سمعته لها كان جزء من مسرحيتها " ميس الريم " ومن ثم مسرحية صح النوم حين اعادتها في 2008.
" بترا... غربه... زاد الخير... زيون... عطر الليل " كلها فيروز لا تعرفونها أو بالأحرى تخافون ان تذكروها كما يخاف منها الحكام، فما ذكرت من أسماء والكثير غيرها أدوار ادتها فيروز على المسرح لتجسيد تلك الترهات السياسية ولا سيما نوم حكامنا وكسالتهم في اتخاذ القرارات البناءة، ورغم ذلك اختصرتموها في ساعات الصباح مع فنجان القهوة لتصبح شيئا من التباهي بأن المستمع " مثقف " وان سألته عنها تجده لا يعرف سوى "فيروز كيفك انت".
استطاعت فيروز دون غيرها ان تجعل كل من يعمل معها ناجحا وليس العكس، يوما ما كنت أتحدث مع رئيس تحريري وقتها وصديقي الأكبر منى سنا وأستاذي في المهنة " إسلام عفيفي " وقلت له " لو عملت حوار مع فيروز مش هاكمل في الصحافة لانى مش هاعرف اعمل حاجه اقوى من كده " وقتها قال لي " الصحفي الشاطر مايقفش عند حاجه "، لم انس كلماته ابدا ولكن لا زلت على عهد التمني ان احاورها لأسألها " كيف بقيت فيروز رغم كل شيء ؟! ".
قصتي مع فيروز كبيره لا يمكن اختصارها في مقال صغير فهي بالنسبة لي ليست فنانة عابرة بل إنسانة نجحت في عملها وتعلمت منها الكثير، أجلس بالساعات أشاهد بروفات مسرحياتها وحفلاتها ليس ولعا بفنانة ولكن لأتعلم كيف تعمل كيف تعد وتشرف بنفسها شهور كاملة لتقف تؤدى حفله لا تتخطى الساعتين، تتابع الكورال وتعلمهم.. تقف في اخر القاعة لتقيم وضوح الصوت.. تتابع الإضاءة.. تنسق ملابسها وملابس.. فيخرج الحفل في النهاية بعنوان " فيروز " فكل شيء متناسق، هكذا تعمل وهكذا احببت ان اعمل انا في بلاط صاحبة الجلالة انتقى أعمالي باحتراف وإن قل عددها لكن تميزها سيبقى ولن انسى حين كنت اقول لصديق عمرى " ايهاب " ونحن في المرحلة الثانوية " انا بكره هابقى صحفي مشهور جدا وشاطر وهابقى زي فيروز بس في شغلى وهايسمونى فيروز الصحافة وهاقابلها واعمل معاها حوار وهاقولها انا بقيت ناجح زيك " كان يبتسم ويقول لى "وانا هاكون في امريكا واتباهى بيك واقولهم صاحبى صحفي كبير" مرت السنين وتحقق بداية الحلم فبالفعل هاجر إيهاب إلى أمريكا وعملت انا في الصحافة وما زلت في انتظار تحقيق الباقي لأنال اللقب الذى تمنيته وانا صغيرا، وكما تفرق العرب وخصوصا لبنان الذى شاب من حروبه الأهلية وتجمعوا سنة وشيعة ومسيحيين بجميع طوائفهم على صوتها سيجتمع الجميع على ما أكتب فلا هي كبيرة على " الله " ولا صعبة على شخصي.