السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فأنتم اليوم.. تُلامون

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نعيش جميعًا، جنبًا إلى جنب، فى مجتمع من الضعفاء والمقهورين. بشكلٍ أو بآخر، أنت شخص مستضعف، يمارس عليك من بيده القدرة على ذلك سطوته، ثم يلومك بكل أريحية على كل خطأ يحدث، كان منك أو منه أو من الظروف المناخية المحيطة بكما. وكما يفعل هذا الشخص معك، كان أبيك أو مديرك، تفعل أنت مع من تستطيع عليهم أمرًا، كأناس ترأسهم، أو أبناءك أو أصغر إخوتك. تحولت الثقافة العامة بطبيعة الحال وبتقبل ملحوظ من قبل الجميع، إلى احتقار الضعيف واستضعافه أكثر بدلًا من مساعدته على الاستقواء والتغيير ليعيش بكرامة إنسانية يستحقها. تصبح بعد ذلك اللغة المستساغة والخطاب السياسى والدينى على حد سواء دائمًا ضد الضعيف والمقهور، متناسيًا تمامًا الطرف الأقوى غير مبالٍ بوجوده، لأن عقولهم جبلت على أن الضعيف هو السبب فى كل البلايا الحاصلة لسوء تقديره وتصرفاته العشوائية غير المدروسة.

يُلام الفقراء طوال الوقت ويأمرونهم بعدم السرقة والتحلّى بالصبر، بدلًا من أن يأمروا الأغنياء ويحدّثوهم ليل نهار عن العقاب الذى يستحقونه لأنهم عاشوا بترف فى بلادٍ يأكل فيها أناس من القمامة، وينام الأطفال جوعى باكين، وإذا تحدّثوا إليهم فيكون باللين، وبذكر كم يكونون كرماء الجود، ينزلون منزلة الصدّيقين والشهداء إذا ما تذكروا عطفًا منهم فقيرًا ذات يوم وساعدوه. يحدث ذلك تمامًا مع المواطنين كى لا يفكّروا فى مطالبة المسئولين بحقوقهم، فيخرج الخطّاب عليهم باللوم والملامة لأن تصرفاتهم هى السبب فى كل الفشل الواقع فى بلادهم، إمّا لأنهم ينتقدون بدلًا من مساندة الحكّام وتشجيعهم من أجل المصلحة العليا للوطن، أو لأنهم استهلاكيون كسالى لا يؤدون حق دور الدولة عليهم، وهم عالة فوق ذلك على أعناق المسئولين الرقيقة المرهقة من كثرة التفكير فى مستقبلهم.
كما يحدث ذلك بين الغنى والفقر، السلطة والفرد، فإنّه يحدث فى العلاقات بين الناس العاديين فى المجتمع كبيرها وصغيرها. أمّا الصغيرة فالعلاقة ما بين الرجل والمرأة، ذلك القوى، وتلك الضعيفة التى هى تُلام طوال الوقت لغلطات ارتكبتها هى أو هو أو العالم الأكبر. يحدّثونها طوال الوقت ويعظون تلك الضعيفة أن تفعل كل ما هنالك من أفاعيل كى لا يضعف أمامها القوي، فيلومها هى على ضعفه، يطلب منها الاختباء، الصمت، التستر، وأحيانًا كثيرة الموت. تعيش تلك فى حياةٍ مستبدة باكية كل ليلة بسبب قسوة من عليها السجود له ثم يقطعون بكائها بمعلومة أنّها لا محالة ملعونة من السماء إذا ما نام هو غير راضٍ عنها. لا، إنهم لا يعظونه طوال الوقت نظرًا لأنه الأقوى القادر على التحمّل أن يحتوى أنثاه، ولأنها الضعيفة التى قد تحارب العالم كله من أجله إذا نامت يومًا راضية مرضية. لا يحدثونه عن كمّ المسئولية التى تقع على عاتقه لإنجاح الحياة الأسرية كقوّام وقوي، بل تعطيه تلك القوة الحق فى ألا يفعل شيئًا بينما يلقى بكل المسئوليات عليها هى من أول ضعفه أمام الأخريات إلى سعادة البيت ورفاهية من يعيشون فيه.
أمّا عن ذلك المثال الأصعب بين العلاقات، لتوضيح مدى بؤس مجتمع يعيش على أوجاع الضعيف، بدلًا من معرفة سبيل لمواساته، فهو علاقة الأبناء بالآباء. ينشأ الطفل بين أب وأم اختاروا بمحض إرادتهم الإنجاب، لكن فى أغلب ما نرى من حالات، فإنهم ليسوا بصالحين لمهمة ومسئولية كهذه، حيث نرى أن منهاج التربية المتبع بكل أريحية فى مجتمعاتنا هو تفريغ طاقة الغضب والحقد والأمراض النفسية من هذا الجيل على الجيل الذى يليه «إلا من رحم ربّي». يحدّثون الأطفال ليل نهار عن برّ الوالدين، السمع والطاعة، المحبّة الخالصة، لكنّهم لا ينتبهون إلى حقيقة جليّة كالشمس فى وضح النهار، وهى أن الأطفال لا يمكن بأى حال من الأحوال إلا أن يكونوا مرآة لآبائهم، وصورة لما يرونه منهم. لا أرى من التوصيات ما يكون من نصيب الآباء، فيحدثونهم عن هول وعظمة كون المرء يصبح أبًا أو أمّا، وضخامة المسئولية التى ليس بعدها مسئولية. لا يحدثونهم عن عقاب الآخرة الآتى لا محالة إذّا لم يستطيعوا تربية نشء صالح قد اختاروا هم بأنفسهم إنجابه، ولم يختر الجنين المظلوم ذلك، ولم يُخيّر. يعيش الشاب فى مراهقته وما يليها عذابات ما بعدها عذابات، ليكون صالحًا ويحارب ما رآه من أبيه من هوان وأخطاء تربوية لا تحصى، ثم لا يجد من الواعظين سوى كلمات الوعيد إذا هو لم يكن بارًا تحت قدميه. دعوة على الأقل يتعافى أولًا، لكن ليس هذا من شيم مجتمعات الذّل وتحقير الأضعف والمُستصغر.
لو أنكم تعظون الآباء أولًا وتجعلونهم كناضجين يعيشون خوف العقاب من الله إذا أخطأوا فى حق أبنائهم، لن تجدوا جيلًا لتحدثوه عن مخاطر عقوق الوالدين. لو أنّكم تفهمون الرجال أن النساء لسن عبيدًا، وأن ضعفها الجسدى يحمّله مسئولية الحفاظ عليها لا احتقارها لما وجدتم نساءً حانقات على مجتمع بأكمله يراها كما لم يخلقها الله. لو أنّكم تحدثّون قادتكم عن أن مناصبهم غلال من نار حول أعناقهم، إذا لم تكن فى خدمة العامّة الذين لا يتمنون من هذا العالم سوى العدل والعيش الكريم، لما رأيتم من أهوال الاستبداد كل ما تعانى منه مجتمعاتنا من جهل وظلام دامس، وظلم من كل نوع يمارسه بسادية على من هم أضعف منه، ثم يلومهم كما يلومه الأقوى منه على فشله هو، الذى لن يُنتج سوى فشل الضعفاء بالضرورة.