الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التاريخ المكذوب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

جرت العادة كما تقول الدكتورة إلهام أحمد أستاذ تاريخ الأديان المقارن على أن المنتصر يكتب التاريخ، وفى الغالب يكون تاريخا مزورا وبالأخص عندما يكون الكاتب عربيا.

عمرو بن العاص واحد من هذا التاريخ، وهو قصة فى حد ذاته، فهو من المفترض أنه ابن شرعى للعاص بن وائل، ولكن كان هذا محل شك إلى نهاية حياته، وقد شكل ذلك العقدة التى حكمت حياته بعد ذلك وكانت ضمن أشياء أخرى وهى ما جرت على مصر الغزو العربى فى النهاية.

عمرو بن العاص كان ابنا لجارية سباها العاص بن وائل وقومه وقد تداول عليها الكثيرون بحكم أنها أمة وجارية وقد حدث أن ولدت الجارية بعد ذلك فسألوها ابن من هو فقالت ما معناه أنها قد أتاها كثيرون منهم فانظروا من يشبه الطفل فردوه إليه وقد كان أن اتفق الجميع على أن الطفل قريب الشبه من العاص بن وائل فردوه إليه وهكذا أصبح عمرو هو ابنا للعاص ابن وائل بالترجيح وليس بالثابت الصريح، وهو ما عرضه دائما لمعاملة سيئة من إخوته من أبيه ثم عرضه بعد ذلك للعديد من المواقف المحرجة بين العرب.

ظل عمرو كشىء مما يطلق عليه فى علم النفس (التعويض الزائد) يعتز بانتسابه للعاص بن وائل بشىء من المبالغة حتى إنه لم يدخل للإسلام إلا بعد موت أبيه.

ومع انضمامه لدولة الإسلام الجديدة وبحكم تكوينه الشخصى فقد وجد أنه لا مكان له للمطالبة بالخلافة فى يوم من الأيام مع الطعن المتكرر فى نسبه.

كانت مصر قد تعاقب عليها الرومان ثم الفرس ثم استردها الرومان وكان والى مصر الذى عرف بالمقوقس قد أخر أموال الخراج أو استقطعه لنفسه أثناء مكوث الفرس فى مصر وأصبح الآن على وشك المحاسبة من الرومان القادمين لحساب الوالى المصرى وفى هذه الآونة ظهر عمرو بن العاص الذى اتفق مع المقوقس على غزو مصر وحمايتها بعد ذلك وهو ما وجد فيه المقوقس ما يوافق هواه ويدفع عنه الأذي.

انطلق عمرو بن العاص لغزو مصر فى جيش صغير فى حدود الأربعة آلاف مقاتل، مدركا أن واليها سيسلمها إليه وقد كان فتسلم كل ما قابله من أرض مصر حتى وصل إلى العاصمة حيث توجد الحامية الرومانية التى أعيته مقاومة إلى أن سقطت بمساعدة جند الوالى المقوقس لكن مدنا مثل الإسكندرية أعيته الحيل أمامها حوالى العام ولم تسلم إلا بالحيلة والخيانة من بعض اليهود داخلها ممن فتحوا أبوابها مساء لدخول عسكر العرب.

وهنا لابد من ذكر حادثة طريفة توضح ما كان من حال العرب فى هذه الفترة فبعد أن استقر عمرو بن العاص بمصر تحدث رجال مصر مع المقوقس عن طبيعة اتفاقه مع عمرو بن العاص واتفقوا على أن يذهبوا إليه ليناقشوه فى أن يأخذ خراج مصر هذا العام ويرحل من حيث أتى.

عندما ذهبوا إليه طلب منهم عدم الحديث فى هذا الموضوع إلى الغد حيث دعاهم إلى غداء يقدمه إليهم هو وجنده فأجلوا النقاش لليوم الثانى ولبوا دعوته فوجدوا العرب قد نحروا جمالا صغيرة وأخذوا يأكلونها على عادة العرب بأيديهم وما يتبع ذلك من تلوث ملابسهم وأبدانهم أثناء الطعام بينما ملابسهم العسكرية التى لم تكن تخرج عن الجلباب الأبيض وغطاء الرأس المكون من أى قطعة قماش يثبتونها بحبل خشن إلى الرأس وحبل آخر على الوسط يضعون فيه سيوفهم.

نظر رجال مصر إلى حال عمرو وجنوده وقدروا أنهم إن لم يوافق العرب على الرحيل فبإمكان المصريين مقاتلة هؤلاء الهمج وطردهم خارجا إلا أن عمرو بن العاص أخبرهم أنه وجريا على العادة العربية فمازال أمامهم يومان من الدعوات لابد أن يلبوها وقد قبلوا وفى اليوم الثانى فوجئ رجال مصر بأن العرب يلبسون ملابس أهل مصر ويأكلون أكلهم فانصرفوا وقد التبس الأمر عليهم لكنهم عادوا فى اليوم الثالث وهم عازمون على أن يطلبوا من عمرو الرحيل عن مصر.

فى اليوم الثالث حضر رجال مصر إلى معسكر عمرو بن العاص فوجدوا عمرو بن العاص يرتدى زى القتال المصرى وجنوده يرتدون مثله وقد تأهبوا للقتال ونظر عمرو إليهم وقال:

فى اليوم الأول رأيتمونا على حالنا فى أرضنا ولم نملك من أرضكم شيئا وفى اليوم الثانى رأيتمونا وقد تذوقنا طعامكم ولبسنا لبسكم وما ترونه اليوم هو حالنا حتى لا نعود إلى ما رأيتمونا عليه فى اليوم الأول.

وكان بالطبع كلامه هو القول الفصل فلم يكن من الممكن على من جرب حياة البداوة ثم وجد رغد العيش إلا أن يمتشق السيف دفاعا عن حياته الجديدة حتى لا يعود إلى سيرته الأولى.

بعد عزل عمرو بن العاص عن ولاية مصر كان قد أصبح من أصحاب الأموال اشترى له ضيعة على حدود مصر فى فلسطين وقبع بها يتسقط أخبار الحكم الجديد بعد رحيل عمر بن الخطاب، إلى أن قامت الفتنة الكبرى وانقسم العرب إلى فريقين أحدهم يوالى عليا والآخر ضده ثم حدث ما حدث من مقتل عثمان وأصبح معاوية هو المطالب بدم عثمان وأرسل معاوية إلى عمرو بن العاص ليساعده على حرب على بن أبى طالب فقال له عمرو بن العاص وهو يعقد معه ما يمكن أن تقول عنه معاهدة أو اتفاق:

أترى أننا نازعنا عليا لفضل منا عليه؟ لا والله.

وعندما سأله معاوية عن ماذا يريد أجاب:

ولاية مصر جامعة.

وقد كان، ومازلنا فى زمن عمرو بن العاص.

المصدر:

١- Encyclopædia Britannica

٢- كتاب العقاد عن عمرو بن العاص

٣- بن العاص للفردي الفارسي 

٤- مخطوط [ تاريخ البطاركة ] للمؤرخ ساويرس بن المقفع