الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صلوا على النبي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما أحلى البنات الصغيرات المفتونات بعرائس الحلوى، المزينة بالأوراق الملونة والدانتيل، يحلمن بفارس نبيل كهذا الذى يمتطى فرسًا من السُكَر، ليُحرر العالم من الجهامة، والجهل، والبداوة. 
إنها أيام نبيلة، تفوح منها ذكرى عطرة، تُبدد الكآبة، والمتاهة، وشبح الحُزن المُرابط فى قلوب الشوارع والبيوت، التى ضاقت بأصحابها.
الدنيا زامتة، والغلاء فاحش، والعقبات كؤودة، والبارود يُغبِر الشاشات، والواشون، والجهلاء، واللصوص، والمُتلِفون، والمُنتفعون يلوثون ماء النهر.. لكن صلوا على النبي، ودعوا سيرته تُضيء الطرقات المُعتمة، وتمسح عن القلوب فداحة المرارة والنقصان.
وُلد النبى يتيمًا، والأب ظهر الولد، إذا مات حَزِنَ وانكسر، لكنه لم يحنِ ظهره يوما إلا لله. كان ميلاده نبأ عظيماً، معه سقطت الأصنام على وجوهها، واهتز إيوان كسرى حتى سقطت من شرفاته أربع عشرة رفدة أو درجة، وغارت بحيرة ساوة، وخمدت نيران فارس، واهتز العالم، ورنَ إبليس مثلما رنَ يوم لعنه الله ويوم أُهبِط من جنته، ويوم نزلت الفاتحة. 
شب فقيرًا مُدقعًا لكنه لم يجنح أبدا للكذب أو التلون، أو التملق، بل عاش عزيزًا، شريفًا، نظيفًا، مكافحًا من أجل اللقمة والكلمة، حتى حاز الرضوان كله غير منقوص.
عاش النبى أيامًا وشهورًا وسنينًا نكدات، ذاق فيها التكذيب، والتسفيه، والخذلان، والهوان، والطرد، والملاحقة، وبالرغم من كل ذلك ما زاغ البصر وما طغى، وما كذب الفؤاد ما رأى. 
كانت قرة عينه فى الصلاة، وكان خُلقه القرآن، وبالكتاب ناضل من أجل الحقيقة، وبالحكمة والموعظة الحسنة دحض الخرافة فى قيعان العقول. حمل الفقراء والبسطاء والمقهورين والمضطهدين، فى قلبه كوردة، سقاها من ماء الحكمة والورع والزهد والإيمان، حتى أزهرت الدنيا، وبزغ النور من خلف التلال. 
انتزع بالعدل للمعذبين كامل حقوقهم من أولئك الذين ساموهم سوء العذاب والذل والمهانة. عاش حياته كلها منافحًا عن البراءة وحق الناس فى العيش بكرامة، ودونما انحناء لغير خالقهم.
خاض حروبًا للدفاع عن الفكرة، عن الكلمة، عن الرسالة، لإعطاء كل ذى حق حقه بلا عدوان أو طغيان، لم يقسو قلبه على الذين أذاقوه وأصحابه الأمرَّين فها هو يقول لمشركى مكة يوم الفتح: اذهبوا فأنتم الطلقاء.. وبعدما فتح الله عليه من فتوح، وبما أفاء عليه ربه من غنائم أسس دولته الجديدة، وصار رئيسها فلم تفتنه الدنيا ولا وجاهة الزعامة أوجاه المُلك وسطوته، فقد كان أزهد الناس فى الدنيا، وأرضاهم بالنزر اليسير منها، يمر هلال ثم هلال ثم هلال لا يوقد فى شيء من بيوته نار لا لخبز ولا لطبخ فكان عيشه على الأسودين (التمر والماء)، وينام على الحصير حتى يؤثر فى جنبيه.
وسط المتاعب والأحمال التى تنوء عن حملها الجبال، لم ينس يومًا أنه بشر (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ)، يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق، يغضب ويرضى، يفرح ويحزن، كأى إنسان آخر.. وها هم أهل السّير يطلقون على العام العاشر للهجرة اسم عام الحزن، لأنّه حزن فيه حزنًا شديدًا على وفاة زوجته خديجة، وعمّه أبوطالب. 
كان يمازح أصحابه، يُضحكونه فيضحك حتى تبين نواجزه. يسابق عائشة فتسبقه مرة ويسبقها أخرى فيقول لها هذه بتلك. 
كان يُكن لأبنائه وبناته فى قلبه حبًا جمًا، ولم يجد فى بكائه وحزنه على ولده إبراهيم ما ينافى الصبر والرضا بل قال: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون.
وحين علم أن عليًا ابن أبى طالب همّ بالزواج من ابنة أبى جهل على فاطمة الزهراء غضب غضبًا عظيمًا وقال له: إن فاطمة بضعة منى وأنا أتخوف أن تُفتن فى دينها، وإنى لست أُحرم حلالاً، ولا أُحل حرامًا ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد.
تهلل وجهه وانشرح صدره بمولد سبطيه، الحسن والحسين، وقال: إن ابنى هذين ريحانتى من الدنيا. وعندما ركب أحدهما على ظهره ذات مرة، وهو يصلى أطال السجود حتى ظن أصحابه الظنون، فلما فرغ وسلم سألوه عن سر إطالته فقال إن ابنى ارتحلنى فكرهت أن أعجله. 
ليس هناك من هو أوفى منه لأصحابه، فها هو يغضب حين أغضب بعض أصحابه أبا بكر وقال لهم: اتركوا لى صاحبي. وقال لو كنت متخذا من أمتى خليلا دون ربى لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخى وصاحبي.
كان يرعى حق الجار ويعفو عنه وإن ظلم وجار، يقول: ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. ويقول أيضا: ثلاثة أخلاق كانت فى الجاهلية مُستحبة والمسلمون أولى بها: أولها: لو نزل بهم ضيف لاجتهدوا فى بره. والثاني: لو كانت لواحد منهم امرأة كبرت عنده لا يطلقها ويمسكها مخافة أن تضيع. والثالث: إذا لحق بجاره دينٌ أو أصابه شتت أو جهد اجتهدوا حتى يقضوا دينه وأخرجوه من تلك الشدة.
كان يقول: إن حُسن العهد من الإيمان. يا له من نبى عظيم، وحاكم عادل، وفارس نبيل، وسيد ولد آدم ولا فخر، فعل ما فى وسعه لتكون أمته خير أمة أُخرجت للناس، شهدت تحت رايته انتصاراتها، وتجرعت مرارة هزائمها وانسحاقها، عندما انعطفت نحو مسالك مغايرة، ولكن لا عجب فلكل أوج حضيض، نأمل أن يكون بمقدورنا تجاوزه يومًا ما.. فصلوا على النبي.