السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حواديت عيال كبرت "49".. أنا المهزوم يا هذا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن سؤاله لي مباغتا؟ فقد كنت طيلة أربعة عقود أبحث له عن إجابة؛ وحينما وجدتها لم تكن لدي الشجاعة في أن أصارح بها روحي؛ أو أكتبها لها حتى في خطاب وأرسله خلسة؛ علها تستريح من عنائها ومحاولاتها المتكررة في تحقيق انتصار ولو بسيط ولو في معركة وهمية؛ قال لي موظف السجل المدني: إنت مين؟، لا إراديا قلت له أنا المهزوم يا هذا.. ثم سكت وظل سبابتي على صدري لحظات قبل أن أعيد تكرار العبارة: أنا المهزوم يا سادة.. أنا الذي أصنع التاريخ ولا يكتب اسمي فيه ولو في فقرة.. أنا صانع الضحكات لمن حولي ولكني لا أستطيع مضغ واحدة لأعرف حلاوتها.. أنا كاتب قصص الحب أجمعها.. شارحه وواصفه وأنا أيضا الوحيد في هذا الكون الذي لم يذقه.. أنا الكسير كطير وهنت أوابده ومازال يغرد.. أنا الطريد المطارد طاهي الثريد الذي ملأ أواني الناس ونسي وعائه.. أنا رب الحرف الذي سطو عليه معدوميه وصاروا ملوكا تحكم نقاطه وقوافيه.. أنا ذلك الأستاذ الذي سقطت منه طبشورته فالتقطها أفشل طالب وكتب على السبورة تاريخا مزيفا.. فصفق له كل مارق من حصة اللغة العربية.. أنا صاحب البلد الذي سقط من قلب وطنه ومع ذلك ظل محتفظا ببطاقة الرقم القومي واضعا يده على خانة الجنسية.. أنا حامل المسك الذين عبئوا قلبه بالكير.. أنا السكير الذي أهالوا على رأسه الماء ليجعلوه يفيق لحظة تشييع روحه.. أنا ذلك العود الأخضر الذي سئم الثبات وحينما أراد الطيران اصطدم بظله.. أنا الذي جمعته روحه بموائد الفلاسفة وحلقات الذاكرين وأسرة المرضى وطوابير الكادحين وعشش المنسيين وخلوات الزاهدين.. أنا ذاك الوقت المفقود بين وقتين.. أنا المهزوم يا هذا.