الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القمص أنجيلوس جرجس يكتب: "أنطونيوس" مؤسس الرهبنة في العالم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كتب القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة ابى سرجه موضوعا حول الأنبا أنطونيوس مؤسس فكرة الرهبنة في العالم كله فى الفترة من (251 – 356).
بدأت الرهبنة بهذا العملاق الروحي الأنبا أنطونيوس الذي كان ينتمي إلى عائلة غنية من بلدة تسمى "قمن العروس" بمركز الوسطى ببني سويف ،كان والده غنيًا وله سطوة كبيرة وحين مات باع كل ما يمتلك ووزعه على الفقراء وخرج ليبحث عن أعماق جديدة للحياة تجذبه السماء والحياة المتجردة من كل ممالك الأرض. 
كان حينها شابًا في العشرين من عمره وكان قلبه يفيض بالحب للـه ويشعر أنه يريد أن يذوب حبًا ويطوق نحو الانطلاق من أي قيود ومشاعر خاصة نحو الارتباط الدائم والأبدي بإله صنع كل شيء لأجل الحب وانتظر من البشرية أن تبادله حب فانشغلت بأمور زائلة تافهة، فقرر هو أن يكون النموذج الإنساني الذي يقدم حياته ذبيحة حب يقدمها للمحبوب.
وسار في البراري لا يحمل معه شيئًا سوى قلبه الذي ينبض بالحب وروحه المشتاقة للدخول في عالم روحاني بلا قيود مادية وكانت استجابة اللـه لهذا الحب أن أخرج له نبعًا للمياه جوار مغارة الجبل التي سكن فيها. 
وطيلة عمره المائة وخمسة أعوام لم يقترب إليه وحشًا، ولم تلدغه عقربة أو ثعبان واجتذب إليه كثيرًا من المشتاقين لهذه الحياة حتى شعر بأن له رسالة وهي تلمذة آخرين ليعيشوا هذه الحياة فأسس الحياة الرهبانية في الصحراء على ثلاثة مبادئ هامة.
أولًا: البتولية أي عدم الزواج: ولا يظن أحد أن الرهبنة تحتقر فكرة الزواج أو تنظر للمتزوجين بنظرة أقل وإنما البتولية هي شعور الراهب بأنه يريد أن يعطي كل المشاعر وكل القلب للإله الذي أحبه فتصبح الحياة هي عشق إلهي.
ثانيًا: التجرد والفقر الاختياري: فالحياة الرهبانية تعني عدم الامتلاك والاقتناء فيكون مثل الطير الذي يطير فوق الأمور الأرضية كاسرًا كل قيود المادة فلا يخشى شيئًا ولا يخاف من شيء. ويومًا ما أرسل إمبراطور روما قسطنطين رسالة إلى القديس أنطونيوس بعد أن انتشرت سيرته وفضائله في العالم واهتز تلاميذه فرحًا وسرورًا بأن الإمبراطور بنفسه أرسل لهم رسالة أما هو فقال لهم بهدوء واتزان: "أتطربون بأن ملكًا يكتب لنا وهو إنسان مثلنا ولا تعجبون بأن اللـه بنفسه أرسل لنا كلماته وكتبه". 
ولما ألحوا عليه أن يرد على رسالة الإمبراطور الذي كان يطلب صلواته أرسل إليه كلمات بسيطة ليست فيها مداهنة أو تملق.
وفكرة التجرد عاشها كثيرًا من الرهبان متتلمذين على هذا المنهج فأتى إلى مصر ابني الإمبراطور الروماني "فلنتنيانوس" (321 – 375) "القديسان مكسيموس ودوماديوس" تاركين الملك والقصر ويعيشوا متعبدين في صحراء مصر وآتى أيضًا القديس "كاراس" شقيق الإمبراطور "ثيؤدوسيوس الكبير" (346 – 395) ليترهب في برية وادي النطرون. 
وأتت أيضًا القديسة "إيلارية" ابنة الإمبراطور "زينون" (474 – 491) تاركة قصر أبيها أتيه إلى مصر لتحيا في مغارة وتعيش في بلادنا عابدة ناسكة حبًا في الإله.
ثالثًا: التلمذة: وهو خضوع الشخص لأبيه الروحي ليتعلم منه خبراته الروحية ويأخذ من روحه ويعيش.
وكلمة "راهب" مشتقة من "الرهبة" أي الذي يضع الله أمامه في كل شيء ويخاف ويرهب من أي شيء يفصله عنه. وهو تعبير عربي بينما التعبير اليوناني "موناخوس" التي منها الكلمة الإنجليزية monk"" والفرنسية moine"" وتعني "المتوحد" أي الذي يعتزل حياة العالم.
ولا تظن أن هذا يعني الانفصال عن الإنسانية وعدم الشعور بهم، فأحيانًا يعترض البعض على هذا المنهج قائلين إنه منهج إنساني سلبي، وهؤلاء يعرفوا أن الحياة الرهبانية تضع قوانين للراهب على ضرورة العمل جانب الصلاة، إن كانت الصلاة أيضًا ليست عملًا سلبيًا. فبصلوات الأتقياء يحفظ اللـه العالم، فهؤلاء يصلون لأجلنا. ولكن أيضًا الراهب لابد أن يعمل بيديه والقديس أنطونيوس كان يعمل السلال، وكل الرهبان قديمًا وحديثًا لهم عمل ومنتجون حتى أننا وجدنا في رهبنة الغرب علماء رهبان مثل "مندل" وهو أبو علم الوراثة، و"كوبرنيكس" صاحب نظرية مركزية الشمس.
هذا بجانب اهتمامهم بأخوتهم في الإنسانية وهذا ما حدث في عصر القديس شنودة في القرن الخامس عندما أغار غزاة من الجنوب على صعيد مصر وسبوا الآلاف من الشعب، قابل الغزاة وأقنعهم أن يأخذوا الغنائم ويتركوا النفوس ثم فتح ديره للمتسببين البالغين آلافًا من النفوس ليستقروا هناك لمدة ثلاثة شهور.