الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأنبا بيشوي.. حياة ابن عائلة القديس خدمة وأزمات وسجون.. اعتقله السادات عام 81.. وآثار ضجة مع السيدات بمرسوم "الحشمة والسلفية".. ورحل في هدوء

الأنبا بيشوى
الأنبا بيشوى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحل اليوم، ذكرى الأربعين للمطران الراحل الأنبا بيشوي، مطران دمياط ورئيس دير القديسة دميانة بالبراري، ذلك المطران الذى رحل فى هدوء وسط صخب القاهرة، ليثير برحيله العديد من الطرق التى سلكها أقباط مصر، فهناك من سلك طريق الحزن فراقًا عليه، وهناك من سلك طريق الحسرة على فقدان علامة كبيرة، وهناك من سلك طريق الصمت اعتراضًا على بعض وجهات نظر وتصرفات الراحل. 
وتعرض «البوابة» لقطات مهمة فى حياة الراحل، تعكس ما واجه، وما قدم، وما تعرض له، حتى يترك ذلك الأثر فى نفوس الشارع القبطي، فمَنْ ينسى أنه كان واحدًا مما اعتقلهم الرئيس السادات مع قرار التحفظ على البابا شنودة الثالث عام 81، ومَنْ ينسى دوره اللاهوتى والعقائدي، ومَنْ ينسى أزمة منع دخول البنات والسيدات الكنيسة بالبنطال، وكذلك مشاركاته الثمينة بالمؤتمرات حول العالم،كما أنه من عائلة القديس سيدهم بشاي.

خدمة أبناء الله
وكأن الكنيسة وقطاعتها منحل كبير، دأب الراحل على الخدمة وإنتاج العسل بها، حيث كان يشغل بالكنيسة العديد من المناصب الإدارية، فهو إلى جانب عمله الرعوى كمطران على إيبارشية كبيرة وممتدة تشمل محافظتين، وإلى جانب رئاسته إلى دير القديسة دميانة للراهبات ببرارى بلقاس، هو أيضًا كان رئيس قسم اللاهوت بمعهد الدراسات القبطية، وممثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى المجالس الكنسية العالمية والإقليمية والمحلية، والمطران المشارك فى الحوارات اللاهوتية مع كنائس العالم، ومقرر لجنتى العلاقات المسكونية والقنوات الفضائية الكنسية بالمجمع المقدس للكنيسة القبطية، وتعد تلك المهام كثيرة جدًا وثقيلة، وظل الراحل يخدم بها حتى النفس الأخير.

قرارات سبتمبر
قام الرئيس الراحل محمد أنور السادات عام ١٩٨١، بإصدار قرارات لمجموعة اعتقالات سياسية (بدأت فى ٣ سبتمبر - ويُطلق عليها البعض اسم " قرارات سبتمبر السوداء"، ذلك بنية مواجهة السياسيين المعارضين لاتفاقية كامب ديفيد، وقد تم فيها اعتقال ما يزيد عن ١٥٣٦ من رموز المعارضة السياسية فى مصر، إلى جانب عدد من الكتاب والصحفيين ورجال الدين المسيحيين والمسلمين، وإلغاء إصدار الصحف المعارضة.
وقد ألقى الرئيس بيانًا فى مجلس الشعب يوضح فيه أن هناك فئة تحاول إحداث الفتنة الطائفية، وبسبب هذا قام بإعمال المادة ٧٤ من الدستور المصرى حينها، كما تم إغلاق بعض الجرائد منها جريدة "وطنى" المسيحية، ومجلة الكرازة الناطقة باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
وبلغ عدد الأقباط المُعتقلين أو المُتَحَفَّظ عليهم ١٠٧ تقريبًا، ومَنْ كانوا فى السجن وضعوا داخل جزء يُسَمَّى " سجن التجربة " لمدة أربعين يومًا تقريبًا.
وكان الأنبا بيشوى رقم ٤ فى كشف المطلوبين للاعتقال، وليس ذلك فحسب، بل كان هو الوحيد الذى تم اعتقاله منفردًا فى زنزانته، داخل سجنه بالمرج، حيث حسب رواية الأنبا بنيامين، أحد المعتقلين أيضًا، استقبل الأقباط ٢٩ زنزانة، وكانت هناك تقسيمة محددة، كل أسقفين بزنزانة، وكل كاهنين معًا، وكل اثنين من الأراخنة أو الشمامسة معًا أيضًا، عدا الأنبا بيشوي، فقد كان منفردًا فى زنزانته، وعلى الأرجح لعلاقته وقربه من البابا شنودة المعزول آنذاك أيضًا.
وقال «بنيامين» عن الأمر، كنا فى الأسبوع الأول بلا أى خدمات، ثم تم السماح لنا بدخول الكتب المقدسة وكتب الصلوات، والسماح بنصف ساعة يوميًا خارج الزنزانة، وأنه عقب اغتيال الرئيس السادات، قرر الرئيس مبارك نقل الموجودين إلى ليمان وادى النطرون " لمدة ٣٥ يومًا "، ثم عادوا لسجن المرج فى عنابر أخرى، قبل الإفراج عنهم، وعن أهم من شملتهم قرارات السادات.
قداسة البابا شنودة الثالث «عُزل من منصبه ونُفى إلى دير الأنبا بيشوى فى وادى النطرون».
الأنبا أمونيوس أسقف الأقصر وإسنا وأرمنت، قنا.
الأنبا بموا خورى إبيسكوبوس دير مارجرجس بالخطاطبة، السادات، المنوفية.
الأنبا بنيامين أسقف المنوفية.
الأنبا بيشوى أسقف دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير الشهيدة دميانة بالبراري.
الأنبا بيمن أسقف ملوي، المنيا.
الأنبا تادرس أسقف بورسعيد.
الأنبا فام أسقف طما وتوابعها، ورئيس دير أبونا يسى ميخائيل، سوهاج.
الأنبا ويصا أسقف البلينا وبرديس وأولاد طوق وتوابعها، سوهاج.

وصيته
كشف القمص بطرس بطرس، وكيل مطرانية دمياط وكفر الشيخ، فى تصريحات صحفية، عن أن الراحل الأنبا بيشوى أوصى فى الفترة التى سبقت رحيله، بأن يدفن فى دير القديسة الشهيدة والعفيفة «دميانة» ببلقاس - البرارى بالدقهلية، كاشفا أن الأنبا بيشوى كان عاشقًا لدير العفيفة دميانة، وكان يتوافد عليه باستمرار ويجلس فيه ليكتب خواطره وأشعاره وأيضًا كتبه.

انتداب " بديلًا له "
انتدب قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الأنبا بولا أسقف طنطا وتوابعها، للإشراف على إيبارشية دمياط وكفر الشيخ، لحين اختيار مطران بديل الأنبا بيشوي.
وأصدر البابا قرارًا بانتداب الأنبا بولا، بتاريخ ٢٣ أكتوبر الماضى، للرعاية والإشراف على إيبارشية دمياط وكفر الشيخ، لحين تدبير رعاية دائمة للإيبارشية فى المستقبل.

الورد يزين طافوس المطران الراحل
منذ رحيل ذلك المطران، والورود لا تفارق مدفنه، حيث يتوافد العشرات على جثمانه حتى الآن بشكل متوالٍ، وانتشرت مؤخرًا صورة لقبر الأنبا بيشوي، وقد زين "الطافوس" بالورود والصلبان وصورة للمطران الراحل، وآيات من الإنجيل، ليعكس ذلك قيمة الرجل لدى العديد من الأقباط وخاصة أبناء مطرانيته والذين كانوا يتعاملون معه بشكل دائم.
والطافوس هى كلمة يونانية تُنطق بنفس نطقها اليونانى فى العربية، وهى القبر أو اللحد the grave - tomb، وهى مصطلح سائد فى الأديرة على وجه الخصوص، لا يعرفه العِلمانيون كثيرًا.
وفى العهد الجديد وردت هذه الكلمة «طافوس أو تافوس» سبع مرات (متى ٢٣: ٢٧، ٢٩؛ ٢٧: ٦٦،٦٤،٦١؛ ٢٨: ١؛ رومية ٣: ١٣)، كما وردت مرة ثامنة بصيغة المؤنث (طافى) فى (متى ٢٧: ٧). 
وهناك كلمة يونانية أخرى وردت مرات كثيرة هى «منيما» أو «منيميون» وتعنى أيضًا القبر أو المدفن.
جدير بالذكر أن كلمة «طافوس» تُطلق أيضًا على عملية الدفن نفسها، أو موارة التراب a burial. كما تُطلَق على جنازة الميت funeral.

إحياء «الأربعين» بطريقة خاصة
قررت مطرانية طنطا، وتوابعها أن تعمم إحياء ذكرى الأربعين للراحل الأنبا بيشوى مطران دمياط، وذلك بإقامة قداس أربعين له اليوم السبت بدير القديسة دميانة، والذى كان يرأسه مثلث الرحمات الراحل، على أن يقام غدا الأحد قداس فى كل كنائس المطرانية الـ٢٢.
ويترأس الأنبا بولا، النائب البابوي، صلاة القداس اليوم، وذلك بمشاركة مجمع آباء كهنة، ومجمع راهبات الدير، وجماعة المكرسات، ولجان الكنائس، والشمامسة والخدام والشعب، وذلك بإقامة حفل تأبين عقب القداس الإلهى مباشرة. وكان القس بولس حليم، المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، قد أعلن يوم الأربعاء الموافق ٣ أكتوبر الماضي، وفاة الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ والبرارى، ورئيس دير الشهيدة دميانة ببرارى بلقاس، عن عمر ناهز ٧٦ عامًا. ويذكر أن الدير يقع فى برارى بلقاس، وتم الاعتراف به كنسيًا عام ١٩٧٩م.

حفيد القديس سيدهم بشاي
يُعد المطران الراحل من عائلة متدينة جدًا، رغم أنه لا وراثة للقدسية، وأن لكل شخص علاقته الخاصة بالله، إلا أن الراحل يُعد حفيد القديس سيدهم بشاي، حيث يُعد القديس عم والده، مما يعكس السلالة التى تربى وترعرع فيها.
وللأنبا بيشوى دور بارز فى اعتراف الكنيسة بقدسية جده، حيث قرر المجمع المقدس بـالكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة قداسة البابا شنودة الثالث فى جلسته المنعقدة بتاريخ ٨ يونيو ١٩٨٧ الاعتراف بقداسة الشهيد سيدهم بشاي، وذلك بعد دراسة الوثائق التاريخية والتقارير والصور التى رفعها الأنبا بيشوى أسقف دمياط حينها إلى المجمع المقدس.
فمن المعروف أن الكنيسة لا تمنح درجة القدسية لأحد من أبنائها إلا عقب وجود بعض الدلائل القاطعة، ومرور فترة زمنية معينة لذلك.

أزمات في حياة الراحل
أثار الراحل الأنبا بيشوى، مطران كفر الشيخ ودمياط، أستاذ علم اللاهوت العقائدى بالكليات اللاهوتية الإكليريكية، ضجة كبرى فى السنوات الأخيرة له، وذلك عندما أصدر منشورًا موجهًا إلى جميع الكنائس التابعة له، يتضمن تنبيهًا على الفتيات، اللاتى تزيد أعمارهن على ١١ سنة، والسيدات بعدم ارتداء «البنطلون والبلوزات»، وأن يرتدين ملابس تتسم بالحشمة والوقار، مع عدم وضع ماكياج، أثناء تقدمهن للتناول، الذى يعد أحد أسرار الكنيسة السبعة، وهو ما أغضب الكثيرين حينها، وما اعتبره «تطرفًا دينيًا».
وانتشر ذلك المنشور حينها بسرعة الصاروخ داخل الكنائس التابعة لإيبارشيته، حيث علق على المداخل والمخارج، وبدأت حينها بعض الكنائس فى تنفيذ التوجيهات مستندة إلى آية الإصحاح الثالث من إنجيل بطرس، التى تقول: «ولا تكن زينتكن الزينة الخارجية؛ من ضفر الشعر والتحلى بالذهب ولبس الثياب»، وأثار ذلك القرار أزمة كبرى حينها، أدت إلى خروج الشباب المسيحى لتنظيم وقفات احتجاجية ضده داخل الكاتدرائية، وذلك عن طريق رفع لافتات استنكارية بوجهه وخلال مرور البابا تواضروس أيضًا.
أما فى منتصف عام ٢٠١٢، فكانت للمطران واقعة وهجمة غضب كبرى أيضًا، حيث طالب الفتيات المسيحيات فى أحد عظاته بالاقتداء بملابس المسلمات، وذلك حين قال «ممكن المسيحيات يزعلوا منى، لكن العذراء مريم والقديسة دميانة والراهبات يرتدين الملابس المحتشمة»، ما أثار غضب القبطيات، ونظمن وقفة احتجاجية ضده بالكاتدرائية أيضًا، أعربوا خلالها أن المطران ينظر للعفة بشكل ظاهرى وليس جوهريًا كما تعلمنا ونشأنا.

بين الحشمة والسلفية
عقب الحادثين اللذين تطرقنا لهما فى السطور الماضية، تعرض الراحل لوابل من الهجوم والشجب والاستنكار، ففى الوقت الذى أثنت قلة على تلك القرارات ووجهات النظر، كان هناك طوف من الرفض، حيث كثرت الوقفات التنديدية والاحتجاجية ضده، والتى تغلفت بسؤال «هل الأنبا بيشوى سلفي؟!»، استنادًا إلى أن المسيحية لم تكن لتنظر للمظهر الخارجى للإنسان، وإنما لما بداخله، ورافضين قطعًا لمطالبتهن بالاقتداء بأخريات حيث فى ذلك تقليلًا منهن، لم يعقب الراحل على مثل تلك الأحداث، إلى أن هدأت الأمور.


-فى رثاء مثلث الرحمات
تعثر حضور البابا تواضروس لجنازة المطران الراحل، بسبب سفره للولايات المتحدة الأمريكية ولكنه رثاه عبر فيديو قائلًا: " يعز علينا أن نودع هذا المطران الجليل، نودع فى شخصه المبارك مسئوليات كثيرة تحملها وخدم فى الكنيسة قرابة النصف قرن، أسقفًا ومطرانًا وممثلًا للكنيسة فى كثير من المؤتمرات على مستوى العالم كله، ونودع فى شخصه المبارك عمودًا من أعمدة الكنيسة المعاصرة فى خدمتها وفى عملها وفى بحثها الدائم.
نودع هذا المطران الجليل الذى تعاملنا معه، وكان له عملًا كبيرًا فى حقل الكنيسة، ليس فى مصر فقط ولكن فى كل العالم ".
وقال الأنبا موسى:" نحن أصدقاء منذ خمسين سنة وعِشرة عمر، والسبب كان البابا شنودة عندما أقام مؤتمرًا عن الروحانية القبطية الأرثوذكسية فى بياض فى بنى سويف، وكان حينها الأنبا شنودة أسقف التعليم، والأنبا بيشوى وكان اسمه وقتها مكرم نقولا، وذهبنا معًا لنحضر المؤتمر ومشينا مسافة كيلو. وكل هذه المسافة كانت كلها مودة وعطاء روحيا وعقيديا وتعليميا وارتبط قلبنا معًا وصرنا فى عِشرة وثيقة جدًا، نودع اللاهوتى المتعمق".

الراحل في سطور
- مواليد ١٩ يوليو ١٩٤٢ بمدينة المنصورة.
- من عائلة القديس سيدهم بشاي - حسب الكنيسة.
- بكالوريوس هندسة (قسم كهرباء) بتقدير امتياز عام ١٩٦٣. 
- حصل على درجة الماجستير فى مايو ١٩٦٨ م، جامعة الإسكندرية.
- ترهب يوم أحد الرفاع سنة ١٩٦٩.
- سيم قسًا يوم أحد الشعانين ١٢ أبريل ١٩٧٠. 
- سيم قمصًا فى ١٧ سبتمبر ١٩٧٢. 
- اعتقله السادات مع البابا شنودة (قرارات التحفُّظ فى سبتمبر ١٩٨١ م)، بسجن المرج.
- اختير سكرتيرًا للمجمع عام ١٩٨٥. 
- تنيَّح إثر أزمة قلبية مفاجئة أثناء تواجده بالقاهرة، ٣ أكتوبر ٢٠١٨.